الأعمال الإنشائية للكنيسة
العمل الانشائي الديني
لم يكن لنا مجلس ملي بشكل أو بآخر خلال السنوات الأولى من هجرتنا
، لأن الإمكانات في تشكيل مثل هذا الجهاز الإداري لم تكن متوفرة
في تلك الفترة ، وإنما كان هنالك عدد ضئيل من رجال مخلصين ،
أوفياء ، مستعدين لكل نداء ولكل فضيلة ، يقومون بدور الوسيط
وبأعمال تشكر وتقدر . وكان في أيدي هؤلاء الرجال الحل والربط
والامتثال لكل خير ولكل عمل إنساني ، وكان في سلوكهم الرشد
والهدى ولنواياهم الحسنة الأثر الفعال حتى في نفسية من أراد
النفخ في الرماد ، في حين كان السريان المنهوكون في أمس الحاجة
إلى الهدوء والاستقرار .
وقد تجددت آمالنا وزادت ثقتنا بقدرتنا الإنسانية يوم برزت إلى
الوجود جمعية صغيرة تدعى (( جمعية
الإنشاءات )) كانت غايتها الأسمى ، كما يدل عليها اسمها ،
البناء والعمران . وقد انتسب إليها عدد من الرجال العاملين في
الحقل الطائفي أمثال السادة: مقدسي سركيس
سيويركلي وبطرس خضر وافريم خضر وافريم قمر ويعقوب حمامجي ويعقوب
آسطو وغيرهم ، ولم يلبثوا أن قاموا بدور المجلس الملي تحت
رعاية القس يوسف كيراكوس ونالوا حظاً وافراً من العون والمؤازرة
من أجل بناء كنيسة حديثة كبرى . وسعى أعضاء هذه الجمعية لتحقيق
غايتهم منذ عام 1930 حتى منتصف عام 1932 ، وجمعوا من التبرعات
حوالي ثمانين مجيدي أو ما يعادل ست عشرة ليرة ذهبية . وكان لهذا
شأن كبير في إنجاز الخطوات الأولى نحو العمل الإنشائي الديني أو
غيره من الأعمال من هذا القبيل .
وجاء يوم اللقاء ... يوم الواجب والعمل لتسجيل الصفحة الأولى من
أخبار السريان في حلب . وما أن أشرقت الشمس في ذلك اليوم حتى
التقى الشعب رجالاً ونساء ، كباراً وصغاراً في باحة الكنيسة
حاملين المجارف والمعاول والمطارق وأزالوا الكنيسة الخشبية
وجهزوا المكان .
وقبل الموعد المحدد لحفر الاساسات بيوم واحد طاف المنادي في
شوارع حي السريان منادياً معلناً اقتراب اليوم المنشود في بناء
الكنيسة السريانية الرسولية المنقولة من الرها إلى حلب . وقد جاء
صوته داعياً الشعب قاطبة ، رجالاً ونساء للاشتراك في مثل هذه
الوليمة السماوية التي نادراً ما تصادف اكثر من مرة واحدة في
العمر .
وصباح اليوم
التالي شاهدنا جمهوراً غفيراً من الرجال والنساء محتشدا على
الأرض المخصصة لبناء الكنيسة ، وفي قلوب الكثيرين حماسة دينية
كحماسة السريان القدامى الذين شيدوا الكنائس وأقاموا المدارس
والأديرة باسم الحضارة الشرقية قبل مئات السنين . وفي تلك اللحظة
وقف كاتب هذه الأسطر وهو لا يزال طالباً يقصد العلم والأدب وألقى
كلمة حماسية نالت تقدير
الجمهور المحتشد . وبعد لحظات تناول أحد الأعضاء العاملين
معولا ووضعه وسط الشعب ونادى بالمزايدة بأعلى صوته لمن يريد أن
يزيد ، من يرغب أن يكون أول من يباشر بحفر الاساسات
-1-.
وبدأت الهتافات وزغاريد النساء تشق عنان السماء . ومر علينا مشهد
فريد من نوعه ليس غريباً على كل من عاصر بناء الكنيسة ، إذ تقدمت
نحو هذا المعول ووقفت بجانبه وقفة العزة والكرامة أرملة فقيرة
حنت قامتها وطأة المحن والمآسي ، ومعها ولدها وفي جوف كفها
دريهمات قليلة من العطاء تبتغي بها هذا الشرف لابنها . فكان لها
ما تمنت ورغبت تقديراً لما أبدت من شعور الأمومة النبيلة وحبها
الكبير للكنيسة... وهكذا كان من نصيب الفتى يعقوب جاني أن يكون
أول من باشر بحفر الأساسات .
وفي أوائل الشهر التاسع ، أي في 11 أيلول
من عام 1932 بوشر ببناء كنيسة مار جرجس في عهد البطريرك مار
اغناطيوس الياس الثالث شاكر
. وجاء الاكليروس السرياني يتقدمهم اثناسيوس توما قصير ، مطران
أبرشية حلب للسريان يومئذ وبرفقته موكب من الوجهاء وأغنياء
السريان ومنهم الوجيه السرياني موسى أسمر الذي تبرع بسخاء لوضع
الحجر الأساسي للكنيسة الجديدة وسط احتفال ديني مهيب جرى بحضور
جمع غفير من الشعب . ومضى اليوم الأول من اللقاء والعمل حافلاً
بالذكريات والانطباعات تملأ رحاب النفس إلى ما لا نهاية . وقبل
الغروب من ذلك اليوم كانت الأساسات الجديدة قد امتلأت بمثل ما
امتلأ صندوق العطايا من تبرعات المؤمنين ، بعضها من ذهب الأغنياء
الكرام وبعضها من عطايا أرملة الإنجيل .
واستمرت أعمال البناء بالتتابع خطوة تلو الخطوة طيلة المدة من
عام 1932حتى صيف عام 1935 ، يشرف عليها الخبير المعماري
اوسطة افريم خضر من أبناء الرها حيث لم يبق على انتهائها سوى سقف
الكنيسة وما يلزمه من الأعمدة الداخلية وسواها . وعند هذا الحد ،
على الأقل ، تبين للعين شكل الكنيسة الهندسي ...فهو على طراز
كنيسة الرسولين بطرس وبولس التي في الرها يتجلى فيها جمال الفن
المعماري الشرقي عند السريان .
وابتهاجاً بهذه المنجزات الدينية جاء قداسة
البطريرك أفرام الأول برصوم
-1-
لزيارة
حلب الشهباء لأول مرة بعد ارتقائه السدة البطريركية ، فاستقبله
الشعب والدولة بالسيارات والدراجات النارية عند مدخل المدينة .
وأقام له شبابنا الرياضي حفلة رائعة كبرى في باحة كنيستنا
الحديثة يوم الأحد في 22 كانون الأول عام
1935.
كان من أهم القضايا المطروحة أمام المجالس الإدارية عندنا عامي
1937- 1938 إيجاد مبلغ من المال لتغطية تكاليف صب سقف الكنيسة
الذي كان مغطى بصفائح التوتياء في أول أمره تم استبدل بالإسمنت
والحديد . وقد تعهد تنفيذ هذا العمل الكبير أحد رجالنا الماهرين
وهو الخبير المعماري المعروف ابراهيم حجار ، فأقام له ما يلزم من
الأعمدة ، منها أربعة أعمدة في وسط الكنيسة – رمزاً للأناجيل
الأربعة – يرتكز عليها سقف الكنيسة وعلى سطحها تعلو قبة صغيرة
محاطة باثنتي عشرة نافذة رمزاً للرسل الإثني عشر .وجاء يوم
اللقاء والعمل للمرة الثانية . فالتقى رفاق العمل كباراً وصغاراً
في باحة الكنيسة وبادروا إلى العمل وسط الهتافات وزغاريد النساء
، منهم من اشترك فعلياً مع العمال ومنهم من انصرف إلى نقل الماء
ومنهم من تبرع بكذا وكذا متراً مربعاً من ترابة الإسمنت وغيرها
من المواد الضرورية للبيتون. وقد أعطى المؤمنون مثالاً حياً في
المحبة والتضحية لأجل الكنيسة حتى انتهى قسم من صب سقفها في
اليوم الأول وما تبقى من العمل اكتمل ، عند المغيب من اليوم
التالي .
وكان نصيبي أنا من العمل في ذلك اليوم الأسطوري نقل الطين في
سطول معدنية كانت تتحرك وتنتقل من يد إلى يد حتى السلم الخشبي
ومن أسفل ذلك السلم إلى أعلاه حتى تصل سطح الكنيسة . وكم كان
حافلاً بالانطباعات الروحية مشهد ذلك السلم بمن كان يصعد وينزل
عليه من الشباب . فأخذت أتخيل السلم السماوي الذي تراءى ليعقوب
بن اسحق في حلمه.
وعند منتصف النهار من ذلك اليوم قام رهط كبير من النساء
الرهاويات بتحضير الطعام للعمال والعاملين من الشعب . ومد الرجال البسط
والحصر على الأرض وجلس الأهالي والعمال جنباً إلى جنب على مائدة
الكنيسة ...مائدة المحبة والوئام. وبارك الرب يسوع تلك المائدة
بمثل ما بارك الأرغفة الخمسة (( فأكلوا جميعهم وشبعوا ورفعوا ما
فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة)).
لم تقف الأعمال الإنشائية عند تسقيف
الكنيسة عام 1938 بل استؤنف العمل فيما بعد خلال الأعوام
القليلة بعد الحرب العالمية الثانية (
1949 – 1951) لإنجاز البقية الباقية من هذه الأعمال
والخدمات ، وبذلك تم إنجاز ما يلزم للكنيسة من توريق للجدران
وإنارة كهربائية وستائر ومقاعد خشبية وغيرها .
وأخيراً انتهى ، أيها القارئ
، مشروع بناء الكنيسة بعد أن كان ذلك حلماً يمس القلوب والشعور
كلما تحدث عنه الناس في المجالس والبيوت . وكم عانى رجال الطائفة
وشمروا عن سواعدهم جنباً إلى جنب مع شعب مؤمن عريق لا يبخل
بالولاء والإخلاص. حتى برزت الكنيسة بشكلها الحالي ولمعت كنجمة
الصباح تبهر العيون بجمالها ووجودها .
وصباح يوم الأربعاء 6 آيار
1953 – يوم القديس جرجس الشهيد – أقام المجلس الملي
الرهاوي حفلة تدشينية حضرها الاكليروس السرياني والشمامسة
والأعيان وجموع غفيرة من المؤمنين . وكان قداسة البطريرك
أفرام الأول برصوم قد قصد حلب الشهباء في اليوم الأول من
آيار في زيارته التاريخية إلى أبرشيتي حلب والجزيرة لتقديس
كنائسهما الجديدة .
كانت شوارع حي السريان وساحاته مزدانة في ذلك اليوم بأقواس النصر
تعلوها شارات الترحيب والفرقة الموسيقية للكشاف السرياني تستقبل
ضيف حلب الكبير بنشيد ترحيبي وفرقة المرشدات وطلاب وطالبات
المدارس السريانية تنشد الأناشيد السريانية وسط الجماهير
المحتشدة التي ضاقت بها الأسطحة والشوارع وباحة الكنيسة والكنيسة
. واحتفل قداسته بالذبيحة الإلهية بعدما احتفل بطقس تقديس
البيعة. وتم تدشين هذه الكنيسة باسم ((
مار جرجس )) تخليداً لذكرى كنيسة قديمة بهذا الاسم كانت
لنا في اورفة منذ القرن الخامس ميلادي .
ولم تمر سنوات معدودة على تلك الحفلة حتى شهدت كنيستنا هذه ،
أمثالها من المشاهد والحفلات حضرها رؤساء الأبرشيات والبطاركة من
كل حدب وصوب، إنها مهرجانات منبثقة من روح المشاركة واللقاء بين
الراعي والرعية كما حدث عند قدوم قداسة
البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث
إلى حلب عام 1958 وعام 1966 . ولا ننسى في سياق الحديث
والحوادث مهرجان
((
اليوبيل الذهبي )) الذي أقيم
عام 1974 تلبية لنداء السريان
أبناء الرها في إحياء ذكرى مرور نصف قرن من الزمن على انتقالنا
من مسقط رأسنا اورفة . كما نسترعي انتباه القارئ
إلى الأيام القليلة الماضية التي عشنا فيها مع قداسة بطريركنا
الحالي
مار اغناطيوس زكا الأول عيواص
خلال
زيارته لنا في الآونة الأخيرة .
لقد حدثتكم حتى الآن عن الكنيسة كبناء مادي ، ويطيب لي أن أحدثكم
عن رجالها أيضاً . ففي عام 1936 وأهم ما جاء في أخبار الكنسية هو
وفاة القس يوسف كيراكوس صاحب الفضل في تنظيم وتنشيط جمعية
الإنشاءات . وبوفاته نشأت بلبلة وارتباك بين الفئات العاملة مما
جعل الهيئات الإدارية تتعرض لمشكلة تسمية شخص مقبول خلفاً له .
وبقي الموضوع قيد المناقشة حتى أواخر عام 1938 حيث اختارت الفئات
العاملة اثنين من قدامى الشمامسة وهما عبد المجيد زكريا توكمه جي
وعيسى توما الرهاوي ليخلفا الكاهن الراحل ، القس يوسف ، في منصبه
الشاغر ، فتم رسمهما في حمص على يد البطريرك أفرام الأول برصوم
عام 1939 وسمي أولهما (( القس حبيب )) تخليداً لذكرى الشهيد الرهاوي مار حبيب الشماس
( 309) ، والثاني باسم (( القس ادى)) تخليداً لذكرى المبشر الانجيلي مار ادى الرسول
مؤسس كنيسة الرها الرسولية عام 37 الميلادي . وقد بقي هذان
الكاهنان في خدمة الكنيسة والشعب بكل ولاء وإخلاص طوال العمر حتى
توفي الأب القس حبيب توكمه جي عام 1972 ثم توفي القس ادى توما
عام 1980 .
ولا بد من التنويه هنا أن الظروف التي سبقت وفاة هذا الأخير قد
وضعت المجالس الإدارية أمام مشكلة طارئة كان يتوقف حلها الحصول
على المطلوب من أبناء الرها لمهام الكهنوت . وكانت الفئات
العاملة تسعى وتبحث عن شخصية مؤهلة مقبولة ولكن وجود بعض
التناقضات والاختلافات في الآراء جعلت من الصعوبات المتعلقة
باستجلاء الموقف مشكلة موضوعية قائمة بذاتها عددا من السنين ،
وهذا ما جعل المجالس الإدارية تستعين بالأب القس سليمان صباغ
لفترة قصيرة حتى تم اختيار السيد شكري مراد توما
، من أهالي المالكية في محافظة الحسكة كاهنا
لكنيسة مار جرجس بحلب.وقد تم رسامته على يد البطريرك
مار أغناطيوس يعقوب
الثالث في أواخر عام 1976، ولا
يزال في خدمة الكنيسة والشعب بكل ولاء وإخلاص .
وخلال سنوات طويلة نشأ رهط من أبنائنا الشمامسة ولكل واحد أحلامه
في طيات قلبه ، منهم من نذر نفسه لخدمة الكنيسة فاستطاع أن يسد
فراغاً كنا نشعر به منذ سنين ، وهؤلاء هم :
القس منير بربر ، والخوري بولص ميخائيل ، والقس يعقوب توما ،
والدكتور القس جوزيف ترزي والقس جورج كلور ، والقس افرام ابكار ،
والقس انطوان دلي آبو .
ولا بد من الإشارة أيضا إلى فئة أخرى من أبناء الرها ممن تخرجوا
من الكليات والجامعات ، حاملين معهم من كنوز الآداب والعلوم ما
تيسر لهم من العلوم الدينية المسيحية واللاهوتية . وكان لهم
النصيب الأوفر في خدمة الكنيسة الكاثوليكية والإنجيلية التي نالت
حظا وافراً في التقدم والازدهار في هذه الآونة الأخيرة .
ومن هؤلاء
الرجال الدكتور القس بطرس دوغرامجي في
بنسلفانيا والقس حبيب آلاجه جي في لوس انجلس في الولايات
الأميركية المتحدة ، والقس يوسف جبور في حلب والقس جورج ايواز
والقس جورج طورو في بيروت والقس بطرس زاعور في القامشلي والقس
جورج صابونجي في حلب ولا ننسى كذلك الخدمات الروحية التي قدمها
القس يوحنا طورو إلى الكنيسة الانجيلية في حي السريان خلال وجوده
في حلب .
وقبل أن أطوي حديثي عن الكنيسة وأخبارها يطيب لي أن أشير إلى
الهيئة الرئيسة القديمة التي في عهدها تم بنيان كنيسة مار جرجس
قبل نصف قرن من الزمن .وقد لا يهم القارئ
الإشارة إلى البداية كما يهمه الخبر ولكن الخبر دون الإشارة إلى
المبتدأ أمر لا يتناسب مع اللياقة الأدبية وما يلزمها من التعريف
والإعراب ، التعريف عن الإنجازات التي طال أمدها عشرين عاما ،
والإعراب عن أجمل ما في أنفسنا من العواطف الإنسانية تقديرا
لأتعاب المجلس الإداري .. ذلك المجلس الذي كان مؤلفاً وقتذاك من
عضوية السادة : مقدسي عبد النور كلور
وبوغوص آغا بوغوص ونعوم حمامجي وجرجي آجي ويعقوب عجمي وعبد
المجيد سيفري وعبد النور هارون وعبد النور كلور ، ومنهم أيضا
المقدسي سركيس سيويركلي وافريم خضر وبطرس خضر وافريم قمر ويعقوب
حمامجي والشماس كبرئيل قومي والمختار جرجي سيويركلي والمختار
نوري برداقجي وغيرهم من رجالنا الراحلين الذين يأتون في
الصفحة الأولى من ملف أخبارنا عما كان بعد الهجرة .
ليس لي أن أذهب أبعد من هذا في حديثي عن هذا المجلس ولكن لي كلمة
أخرى وجيزة لا بد منها عن المراحل والتطورات التي مرت بها
الحلقات المتتابعة لهذا المجلس خلال السنوات الماضية . والواقع
إن هذا المجلس قد طرأ عليه تحسن كبير على مر السنين وتطور تطوراً
ملموساً في نظامه وتنظيم أعماله الإدارية والعمرانية . فقد تمكن
من القيام حقاً بالخدمات المتوجبة عليه بمؤازرة من انتسب إليه من
الأعضاء والعناصر الواعية فكان منها السادة :
جرجي بالقجي وجرجي نعوم حمامجي وعبد
الكريم استانبولي ويوسف نامق ونوري خوري وابراهيم قاطرجي وعبد
النور خياط وملكي أسعد ونجيب سعادة وغيرهم ممن عملوا أكثر
من غيرهم تجاه ما كانت تعاني منه منطقتنا السكنية ، حي السريان ،
وشوارعها ومسالكها الرئيسة من الوحل في الشتاء وغبار الطرقات في
الصيف والظلام الدامس في الليل . وكانوا يشكلون القافلة الثانية
بعد الأولى التي استطلعت المستقبل لبناء حياتنا الاجتماعية
الحديثة والتي كانت هي همنا الأكبر في طوايا قلوبنا .
وجاء بعد هؤلاء الرهط الثالث والرهط الرابع ، في السير الطويل
على مر السنين .إنهم أبناء مخلصون من صميم الشعب ، حملوا المشاعل
في الطريق الطويلة الوعرة . واليوم ونحن نعيد إلى الأذهان صفحة
من صفحات أخبارنا الغابرة نحب أن تعرض على الأبصار صورة تتجلى
فيها شخصيات فئات أخرى من رجالنا الغيارى أمثال السادة :
توفيق قلايجي وزكي خربوطلي وعبد النور
باسيل كلور وبشير كلور وباسيل خوري وبيير عبد المجيد خوري وبيير
يوسف خوري وعبد النور توكمه جي ويعقوب مختار وعبد الكريم توتونجي
وخاجير مختار والبير قس برصوم وبول فريك وصليبا سعادة وسمعان
كلور وسليم قولتقجي ونعيم حمامجي وجورج بيدان وجورج قاطرجي
وسمعان مقدسي وزكي جولاق وجورج دوداق ويوسف غزال وجورجيت كلو
وفريدة بولص وانطوان مقديس وسعيد طاغجي ورزوق نامق وسمير قاطرجي
والبير مانوك وشخصيات أخرى تمثل كل واحدة منها دورها
المحدد في إطار العمل القائم على موضوعات إدارية – اجتماعية وكل
ما هو موقوف عليها . وقد أبدى البعض صفات خلقية ونفسية تنطوي على
مبادرات فردية واجتماعية تثير الإعجاب المقرون بالتقدير . ولكن
من الإنصاف القول إنهم جميعا اشتركوا في نقطة واحدة هي إنارة
السبيل والتمهيد لحياة جماعية متطورة .
ليس من الغريب ، بل من طبيعة الأمور أن تكون صورة المجلس مستمدة
من صورة كل فرد من أعضائه في ملامحها الإنسانية وتناقضاتها .
ويظهر أنه كلما كان المجلس الملي – أو غيره من المجالس الإدارية
– غنيا حافلا بالشخصيات المؤهلة فكريا ً ، كان دوره الحقيقي أقرب
إلى الإعجاب المقرون بالتقدير . ودور المجلس الملي هو دور هؤلاء
الأشخاص الذين يتألف منهم هذا المجلس أو ذاك. ومن هؤلاء الأشخاص
من له دور اساسي يتجلى فيه المستوى الاجتماعي الذي كثيراً ما
يجعل من ذلك الشخص الصورة الظاهرة المرئية للأسرة الكبيرة .
ومنهم من له دور ثانوي ، يظهر بين وقت وآخر ليمثل دورا أو يدعم
فكرة ، أو يلتزم طرفاً ، ثم يبتعد ويغيب مثلما يغيب عن البال
شخصا منعزلا منطويا على نفسه ، وكأنه لم يعد مرتبطا بالبيئة
السريانية... تلك هي صورتنا على جدار الزمن بين ما كنا فيه وبين
ما هو آت .
والمهم في الأمر هو أن نجد في عضوية المجالس الإدارية أناساً من
طينة واحدة تميزوا بالتجارب وخبرات العمر ، متجانسين من حيث
المستوى الفكري ، يشتركون قولا وعملاً حول مدار واحد هو المحور
العملي القائم على أماني أسرتنا الكبيرة التي نعيش لها . وقد
يترتب على المجلس الملي وعلى المجالس الإدارية الأخرى أمور شتى ،
منها المهم ومنها البسيط ، منها ما يوفر لأبناء شعبنا موقعاً
اجتماعياً مرموقاً يساير التقدم والحضارة الحديثة ، ومنها ما لا
يوفر لي ولك شيئاَ من الفخر والتقدير .وإزاء مثل هذه الأمور يظهر
بوضوح وجلاء أهمية المستوى الشخصي المطلوب لدى أعضاء الهيئات
الإدارية ودورها الهام في اختيار نوعية الأمور التي من شأنها أن
تدفعنا إلى الارتقاء والتقدم على الصعيد الاجتماعي.
|