ماذا تفيدنا اليوم قراءة سفر العدد وسفر التثنية؟ أما صارت شرائعهما ساقطةً بعد أن مرّ عليها الزمن، وجاء المسيح فأسّس عهد الإيمان بالنعمة والروح؟ أمّا جواب المؤلف الخوري بولس الفغالي فهو كالآتي: قبل أن يكون سفر العدد وسفر التثنية مجموعة وصايا وأحكام، هما تفكير في ما تتأسّس عليه طاعتنا لله، ألا وهو عمله في تاريخ شعبه. وهذا يفرض على المؤمنين اكتشاف هذا الحضور والتجاوب مع هذا العطاء بإقرار ما عمله الله لنا، وعرفان جميل وشكر دائم. إنّ الأحكام التي نقرأها هنا لم نعد نمارسها اليوم كما وردت حرفياً في نص الكتاب، إلا أنّ طريقة التعبير عنها تنير دربنا، وتعلّمنا كيف نعيش بالأمانة الحقيقية في قلب عالمٍ يتحوّل يوماً بعد يوم ويتبدّل ويتغيّر. إنّ المؤمنين يبحثون اليوم عن أساس لعلم الأخلاق. وها هو الكتاب يعطينا مثلاً عن شريعة لا تفرض ذاتها على المؤمن من الخارج، بل تتجذّر فيه فتصبح يقيناً في فكره وفي قلبه.
إنّ علم الأخلاق هذا يستند إلى العقل والوحي وتفترض أن يكون الإنسان صاحب وجدان ناضج تزيّنه الحكمة والفهم. وإنّ سفر التثنية خاصة يدعونا إلى حياة أخلاقية مبنية على الحب لا على الخوف. فحب الله يُلزمنا بالعيش حسب هذا الحب في كل مجالات حياة الإنسان: من السياسة إلى الحياة الاجتماعية والعائلية. وحب الله يطلب منّا حبّ القريب واحترام الحيوان والشجر وكل خلق الله. حب الله هذا يطرح علينا السؤال الدائم: هل نحن مع الرب أو عليه؟ هذا هو التعليم الذي نستنتجه من سفر العدد وسفر التثنية الذين يدعونا اليوم إلى سماع كلام الله وإقامة عهد معه. كتاب من سيناء إلى موآب من سلسلة "المجموعة الكتابية" ومن منشورات المكتبة البولسية.