عاد ديترش بنهوفر إلى المانيا في عام 1935 بعد ان اصبح واحداً من قادة الكنيسة الرسمية، لكن الغستابو منعه من ان يكرز في برلين او يتكلم فيها او يدخلها. ولما بدت الحرب امراً حتمياً لا مفر منه، طلب أصدقاء بنهوفر منه ان يرحل عن المانيا لينقذ حياته، لأنه كان مصمماً تصميماً تاماً على معارضة الخدمة في الجيش في حرب عدوانية، وقال عبارته الشهيرة :"لن يكون لي حق في المساهمة في إعاده بناء الحياة المسيحية في المانيا بعد الحرب، ان لم اشترك مع شعبي في الآلام التي يقاسونها في هذا الوقت. إنّ المسيحيين في المانيا يواجهون تجربة شنيعة، فإمّا ان يقبلوا هزيمة شعبهم، حتى تبقى الحضارة المسيحية، وإما ان يقبلوا انتصار شعبهم، فتندثر بذلك حضارتنا. ولو خُيِّرتُ انا بين الأمرين لعرفت ماذا اختار، لكني لا استطيع ان اختار ما أريد، وأحيا امناً".
وقد اختار ما أراد ولم يبالِ بأمن حياته ولا براحته، ولم يندم قط على قراره. فقد كتب حتى و هو في السجن بعد ذلك بسنين يقول :"اني واثق من يد الله وإرشاده ويجب ان لا تشكّوا ابداً بأني جد شاكر وجد مسرور، ان أسير في الطريق الذي يقودني الله فيه. إنّ حياتي الماضية ممتلئة بل فائضة بمراحم الله، وفوق كل خطة تقف محبة المصلوب الغافرة". كانت القوة المرشدة لحياة بنهوفر، التي يستند اليها كل ما عَمِله وأدارهُ وتألم لأجله، هي قوة إيمانه ومحبته لله الذي وجد فيه سلامه وسعادته. من هذا الإيمان جاءته الرؤيا التي بها استطاع ان يميّز بين ما هو جوهري وما هو تافه في حياة الإنسان.
كتاب ثمن التبعية من سلسلة الكلاسيكيات المسيحية "اقرأ من أجل نفسك"، ترجمة ق.طانيوس زخاري، نشر د.سامي فوزي.