الولادة: –
الوفاة: –
تكريسه
تعلم بمدرسة الأقباط بالأزبكية، ودرس اللغة القبطية على يد الأستاذ الراحل يسى عبد المسيح، كما تعلم الألحان على يد المعلم ميخائيل البتانوني، وسامه الأنبا صرابامون مطران الخرطوم شماساً سنة 1923م. عرفته الإسكندرية في بداية شبابه خادماً وشماساً في كنيسة السيدة العذراء مريم بمحرم بك، وكان بحسب السن يكبر جيل الخدام الذي كان المتنيّح القمص بيشوي كامل أميناً لخدمته في هذه الكنيسة، ولكن روحه الشابة كانت قريبة من هؤلاء الشبان المملوءين من الغيرة الروحية فكان ملتصقاً بهم في كل نواحي الخدمة. وعندما سيم القمص بيشوي كامل في 2 ديسمبر سنة 1959 للكهنوت كان المقدس يوسف يعمل رئيس قلم في مديرية المرور بالإسكندرية، وكان منظر رسامة أبونا بيشوي أمامه نقطة تحول أساسية في حياته إذ غار غيرة مقدسة وقال في نفسه: “الشبان الصغار يقبلون على التكريس ويبذلون شبابهم محبة في المسيح، وأنت متكاسل ومتهاون إلى هذا الحد؟” وبعد صلاة القداس وإتمام السيامة ذهب يوسف إلى عمله، وفي ذات اليوم قدم استقالته من العمل مكرساً ذاته ووقته وجهده لعمل أفضل.
خدمته
ما أن عاد أبونا بيشوي من دير السريان بعد إتمام الأربعين يوماً التي يقضيها الكاهن بعد رسامته حتى وجد المقدس يوسف مجنداً للخدمة في الكنيسة الجديدة التي على اسم الشهيد مار جرجس بإسبورتنج ليلاً ونهاراً. لقد وضع على عاتقه، بدون تكليف من أحدٍ، أن يسند أبانا في بداية خدمته إذ لم يكن للكنيسة الجديدة شمامسة ولا مرتل ولا خدام، وكان رجلاً كنسياً من طرازٍ نادرٍ يحفظ جميع ألحان الكنيسة بإتقانٍ، ويقولها بروح الصلاة بصوت مؤثر للغاية. وهكذا صار المقدس يوسف معلماً للأولاد يسقيهم روح الآباء، وينشئهم على حب الكنيسة والألحان، إلى أن أصبح للكنيسة مرتل وخورس جميل من الشمامسة واستقرت أمورها، فتوارى في تواضع وإنكار للذات، واتجه بكل كيانه وجهده إلى مجال جديد لإحياء التراث. كان المقدس يوسف في هذه الفترة شغوفاً بسير القديسين وبالأكثر الذين لم تُنشر سيرهم العطرة، فابتدأ يسافر إلى الأديرة يبحث في كنوزها عن كل ما هو مخفي فيها فأخرج إلى النور عشرات السير والقصص النادرة. وعمل لنفسه اشتراكاً في القطار ويذهب إلى القاهرة مرتين في الأسبوع يفتش في المكتبات وبالأخص المتحف القبطي ومكتبة البطريركية ودار الكتب، يترجم ويحقق سير الآباء القديسين وأقوالهم ثم يعود ليضعها في كتيبات صغيرة نافعة للخدمة ولبنيان النفوس.
وكان في زهده الشديد يصرف كل معاشه في هذه الأمور بفرحٍ، ولم يكن يقتصد لنفسه شيئاً، ولم تعد إليه الكتب الكثيرة التي طبعها بشيء من المال بل عاش فقيراً لا يملك شيئاً مطلقاً، زاهداً وناسكاً في مظهره وفي أكله وشربه وملبسه ويعيش على الكفاف إلى يوم نياحته.
مع إقامة كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت بالإبراهيمية بالإسكندرية في بداية الستينات شعر المقدس بالمسئولية ملقاة على كاهله. فبلا تردد سلم نفسه للخدمة: كل القداسات والعشيات يقوم مقام المرتل والشماس بروح مثابرة وتفانٍ وإنكار للذات. حدث مرة أثناء رفع بخور باكر والكنيسة في بدايتها لم تكن حتى كتب القراءة مكتملة فيها فلم يجدوا الكتاب المقدس لقراءة إنجيل باكر باللغة العربية، فببساطة شديدة أمسك القطمارس القبطي وأخرج فصل اليوم ووقف يقرأ الإنجيل على الشعب وهو يقوم بترجمة فورية من القبطية إلى العربية. هكذا كان يجيد القبطية بلهجتيها الصعيدية والبحيرية ويتكلمها بطلاقة، وكم ترجم من مخطوطات وأخرج من كنوزها.
حياته
كان المقدس يوسف يسكن بمفرده يخدم نفسه، وكان يقول دائماً: “أمنيتي من المسيح أن أمشي على قدميَّ إلى يوم وفاتي، لا أريد أن أرقد وأُتعِب أحداً أو أن أحداً يخدمني، مجرد أن أمشي على قدميَّ هذه نعمة عظمى”. وقد حقق له الرب أمنيته إذ لم يرقد في مرض اضطره لخدمة الناس، فضمه الرب إليه وأراحه من أتعاب العالم بسلام.
كان منهجه هو الرفض الكامل القاطع للمكافأة الأرضية سواء كان مديحاً من الناس أو مركزاً أو اسماً أو درجة أو مالاً أو سلطاناً، وهكذا عاش هذا الشماس الزاهد في وسطنا بحقٍ إلى آخر يوم في غربته على الأرض. حكمته كان مسلكه نحو القضايا العامة والمشكلات الكنسية يعبر بصدق عن تواضع حقيقي، فكان يعتبر نفسه صغيراً عن الخوض في هذه الأمور التي هي من شأن الكبار. هكذا كان يقول للمتّصلين به، فلا يذكر أحد من الذين عرفوه أنه اشترك ولو مرة في مناقشة أو جدل حول موضوع أو شخص من قيادات الكنيسة وآبائها، بل كان يلوذ بالصمت دائماً. وقد قال مرة لأحد الآباء في وقت كثر فيه الكلام والجدل والتحيّزات: “السبب الجوهري لصمت القديس أرسانيوس الحكيم أنه كانت تجتاح الكنيسة في ذلك الوقت موجات عاتية من الجدل حول أوريجينوس، فالبعض يؤيده ويدافع عنه بحماس وقوة، وآخرون وقفوا ضده وضد مسلكه وكانوا يعتبرونه محروماً ومقطوعاً من شركة الكنيسة، ولم يرد القديس أرسانيوس أن يدخل في هذه الدوامة من الجدل غير المفيد، فلم يستقبل أحداً من الناس ولم يتكلم مع أحدٍ وظفر بالصمت، وحوَّل الصمت إلى صلاة وحياة مع اللَّه، وأحب الناس جميعاً بالبعد عن الناس”.
وهكذا اقتدى بأسلوب أرسانيوس الروحي في السمو فوق الأحداث والحب لجميع الناس بلا جدل أو تحزب.
شركته مع القديسين
لعل من أجمل سماته بعد حبه للصلاة والتسبيح للَّه بلا ملل، شركته الحية مع القديسين. أذكر أنني في حوالي عام 1957م إذ كنت ذاهباً إلى كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك كعادتي كان واقفاً مع بعض الأحباء فأسرع إليّ وقال لي: “أراك مضطرباً على غير العادة ماذا حدث؟” قلت له: “إني في مشكلة كبيرة لا أعرف لها حلاً”. لم يسأل ما هي المشكلة، بل قال لي: “تعال”. وذهب بي إلى منزله بجوار الكنيسة، ولم يكن يسمح لأحدٍ بزيارة منزله. دخلت فوجدت شقته مزينة كل حوائطها بأعداد ضخمة من صور القديسين. هناك أمسك بكتاب الأبصلمودية وبدأ يسبح اللَّه ويطلب شفاعات القديسين. ثم قال لي: “لا تخف فإن القديسين يحوّطون بك”. وبالفعل عُدنا معاً إلى الكنيسة وفي الصباح جاء حل المشكلة من حيث لا أدري، وفوق ما يتخيل فكري!
نياحته
بعد أن خدم كنيسته وأثرى مكتبتها بالكتب المفيدة انضم إلى كنيسة الأبكار عن عمر يناهز 72 عاماً، وذلك في يوم 12 سبتمبر سنة 1981م. كتاباته حوالي المائتين كتاباً وكتيباً، خاصة في تاريخ الكنيسة وسير القديسين وكتاباتهم وتحقيق بعض المخطوطات.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت