الولادة: –
الوفاة: –
وُجد آباء كثيرون يحملون اسم “الأب يوسف” في سير الآباء الرهبان في القرنين الرابع والخامس، ولعله حدث خلط كبير بينهم في الأحداث أو الكلمات المنسوبة إليهم. من بين هؤلاء الآباء وُجدت الشخصيات التالية:
1. الأب يوسف من أنيفو (بنفو) الذي نحن بصدده.
2. الأب يوسف المعاصر للقديس أنبا أنطونيوس الكبير، قال عه القديس بالاديوس أنه ذهب مع زميلين من المتوحدين القدامى في الجبل، وكان يوسف وقتئذ شيخاً.
3. يوسف المعاصر للأب بيمن الذي تنيّح في منتصف القرن الخامس الميلادي، وكان الأب بيمن لا يتكلم في حضرة الأب يوسف تقديراً له.
4. الأب يوسف الطيبي.
5. الأب يوسف الذي ترهب بالإسقيط وهو صبي.
الأب يوسف من أنيفو
كان الأب يوسف رئيساً لقريته تميوس بمركز السنبلاوين، الآن مكانها طماي الأمديد، وكان ذا ثقافة عالية، يتحدث مع ضيوفه باليونانية دون حاجةٍ إلى مترجم. إذ ترهب عاش في قلايته في أنيفو أو خارجها، وهي مدينة هدمها زلزال، في موضعها الحالي مدينة المنزلة.
استقبال الاخوة وإضافتهم
صعد بعض الآباء مرة إليه الأب كي يسألوه عن طريقة استقبال الاخوة وإضافتهم، وهل ينبغي أن يخالطوهم ويكلموهم بحرية؟ وقبل أن يسألوه قال لتلميذه: “افهم ما أنا مزمع أن أعلّمه اليوم، واحتمله”. ثم وضع الأب وسادتين الواحدة عن يمينه والأخرى عن يساره، وقال: “اجلسوا”.
أما هو فدخل إلى القلاية وارتدى لباس متسول، ولما خرج، اجتاز في وسطهم. ثم عاد ودخل إلى القلاية وارتدي لباسه الأول. فتعجب الجميع من عمله. فقال لهم: “أفهمتم ماذا فعلت؟” قالوا: “نعم”. قال: “هل تبدَّل فيّ شيء لما ارتديت لباساً حقيراً؟” قالوا: “كلا”. قال لهم: “إذاً ينبغي أن نعمل الشيء نفسه لدى استقبال الاخوة الغرباء. لأن الكتاب يقول: اعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله (مت21:22). لأجل ذلك عندما يحضر بعض الاخوة ليكن استقبالنا لهم بجرأة وفرح. لكن عندما نعود إلى وحدتنا نحتاج إلى النوح ليبقى معنا”. فلما سمعوا هذا الكلام تعجبوا، لأنه أجاب على ما جال في فكرهم قبل أن يسألوه، فمجّدوا اللَّه. كيف يمكنني أن أصير راهباً؟ قال الأب بيمن للأب يوسف: “قل لي كيف يمكنني أن أصير راهباً؟” قال له: “إذا أردت أن تجد راحة هنا وهناك، قل في كل شيء “من أنا؟، ولا تدن أحداً”.
زاره الأب لوط وقال له: “يا أبتِ، على قدر طاقتي احتفظ بأفكاري نقية، فماذا بقى عليّ أن أعمل؟” فنهض الأب يوسف وبسط يديه نحو السماء، فصارت أصابعه كعشر شموع من نار، وقال له: “لا تستطيع أن تصير راهباً إن لم تصبح ناراً ملتهبة بالكلية”.
حرب الشهوات
سأله الأب بيمن: “ماذا أعمل عندما تدنو الشهوات مني؟ هل أقاومها؟ أم أتركها تدخل؟” قال له الشيخ: “اتركها تدخل ثم حاربها”. ثم عاد وأقام في الإسقيط. وحدث أن قدُم واحد من أهل طيبة إلى الإسقيط وقال للاخوة: “لقد سألت الأب يوسف قائلاً: هل أقاوم الشهوات متى دنت مني، أم أتركها تدخل؟ فقال لي: “لا تدعها تتسرب إليك البتة، إنما اقطعها للحال”. فلما سمع الأب بيمن أن الأب يوسف أجاب الأخ هكذا، نهض للحال ومضى إلى بنفو وقال له: “لقد وثقت بك يا أبتِ وسلمتك أفكاري. إلاّ أنك أجبتني بخلاف ما أجبت الأخ الذي من طيبة”. قال له الشيخ: “ألا تعلم أني أحبك؟” قال: “نعم”. قال له الشيخ: “في الواقع إذا دخلت إليك الشهوات وحاربتها تجعلك ذا خبرة أعمق. لقد كلمتك كنفسي. لكن يوجد أناس لا يوافقهم دنو الشهوات منهم وعليهم أن يقطعوها فوراً”. لما شارف الأب يوسف على الموت، كان هناك آباء كثيرون عنده، نظر إلى النافذة فرأى الشيطان جالساً هناك، فنادى تلميذه وقال له: “إليّ بالعصا، لأن هذا يظن أنني قد هُزمت ولم أعد قادراً عليه”. ولما أمسك عصاه، لاحظ الآباء أن الشيطان نزل من الشباك ككلبٍ واختفى.
زاره القديس يوحنا كاسيان مع صديقه جرمانوس. وقد قدم لنا الكثير من أقواله في مناظراته مع الأب أولوجيوس.
كان الأب أولوجيوس يحيا حياة صارمة التقشف في مدينة القسطنطينية حتى نال صيتاً وشهرة عظيمة. وإذ سمع عن الأب يوسف جاء ومعه بعض تلاميذه. رحب بهم الأب يوسف وأوصي تلميذه أن يصنع لهم طعاماً شهياً تليق بالضيوف. وإذ حان وقت الطعام تعجب أولوجيوس مما فعله الأب يوسف، وجلس على المائدة مطرق برأسه إلى أسفل ولم يرد أن يشارك الاخوة هذا الطعام الشهي. أما الأب يوسف فكان يأكل في صمتٍ. بقي هذا الحال لمدة ثلاثة أيام، وقد لاحظ الضيوف أن الأب يوسف متهلل الوجه، يشاركهم الطعام، ولم يسمعوه قط يصلي أو يرتل بالمزامير إذ كان يصنع هذا خفية دون أن يعلم به أحد. يبدو أن الاخوة خاب ظنهم وتركوا أنيفو آسفين أنهم وجدوا الأب يوسف علي غير ما سمعوه عنه تماماً. وقد سمح اللَّه لهم بأن يضلوا الطريق فاضطروا أن يعودوا إلى قلاية الأب يوسف.
وكم كانت دهشتهم إذ سمعوه يسبح بالمزامير. توقفوا طويلاً حتى ينتهي من مزاميره فلم يتوقف قط. وإذ اضطروا أن يقرعوا الباب بعد طول انتظارهم قابلهم ببشاشة ومحبة عجيبة. كان أحدهم يشعر بعطش شديد فانطلق يشرب من الماء الذي في القلاية فلم يستطع لأنه كان مالحاً. ألح الأب أولوجيوس مستفسراً عن سبب تصرفه هذا، فصمت الأب يوسف. أخيرا تحت الإلحاح قال أنه يمكن للإنسان أن يكون متقشفاً جداً دون أن يُحمل زائريه متاعب تقشفه.
من كلماته لا يجوز لأحدنا أن يعتمد على حكمه الخاص متجاهلاً رأي أخيه، وذلك إن أردنا التحفظ من خداع مكر الشيطان.
يمكن إظهار الحب الذي يتكلم عنه الرسول قائلاً: “فإذاً حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولاسيَّما لأهل الإيمان” (غلا10:6). إننا نحب آباءنا بطريقة، وزوجاتنا بطريقة، وأولادنا بطريقة ثالثة. فهناك فارق شاسع بين مشاعر المودة وبعضها البعض. هكذا ربنا غيور جداً ألا نتجاهل تكدر الغير علينا، حتى إنه لا يقبل تقدمتنا متى كان أخونا لديه شيء ضدنا، بمعنى إنه لا يسمح لنا أن نقدم له صلواتنا ما لم يتم صلح سريع بنزع التكدر الذي في ذهن أخينا تجاهنا، سواء كان على حق أو باطلاً. باطلاً نلجم ألسنتنا إن كان صمتنا يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الصراخ.
وبواسطة إيماءاتنا الكاذبة نجعل ذاك الذي نشفيه في حالة أكثر غضباً، بينما يمتدحنا الناس من أجل صمتنا… وبهذا يكون الإنسان أكثر إجراماً، لأنه يحاول أن يمجد نفسه على حساب سقوط أخيه… يمكن أن يوجد الاتفاق الحقيقي والوحدة غير المنحلة فقط بين الذين يحيون حياة نقية ومتشابهين في الصلاح والهدف.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت