الولادة: –
الوفاة: –
عاش في برية شيهيت المقدسة وكان شيخاً قد ضعف جسمه ووهن من شدة التعب والجهاد في الصوم والزهد. وكان عظيماً في صلواته وسهره الروحي وصبره، وكان يلبس لباساً من الليف الخشن. وكان لا يفتر عن الصلاة الدائمة والتسبيح ليل نهار، فنال من السماء العناية الكاملة، كما أرسل الله إليه الطعام كل حين، بل صار يركب السحاب وينتقل به إلى أي مكان، وهكذا كان عظيماً في روحانياته ممتلئاً من الروح القدس مشتملاً بالفضائل المقدسة.
من يماثلني في الأبدية
مع ما اتسم به السائح يوساب من تواضع، وشعوره بيد الله العجيبة التي ترفعه إلى السماء، اشتهى يوماً أن يعرف من يماثله في الأبدية، فتضرع وابتهل للرب يسوع أن يحقق له هذه الشهوة، فأتاه صوت يقول له: “السلام لك يا يوساب رجل الله. أنا ملاك الرب جئت إليك لأحقق لك أمنيتك في أن ترى من يماثلك في حياة القداسة””.
سأله يوساب: “ومن يكون هذا القديس؟” أجاب الملاك: “ملك إنطاكية وزوجته أيها الحبيب يوساب، فاذهب إليهما لتعاين مجد الله فيهما”. تساءل في أعماقه هل يمكن للملك والملكة وهما يعيشان في قصر ملكي، يملكان الكثير، ويحوط بهما رجال الدولة ورجال القصر يكرمانهما، ويخضع الكل لهما، أن يصيرا مثله في ملكوت السموات. حينئذ ركب أنبا يوساب السحاب ووصل إلى مدينة إنطاكية، فنزل خارج المدينة وأخذ يسير بعكازه حتى باب المدينة، ولما دخلها شاهد الملك ممتطياً جواده لابساً أفخر الملابس وعلى رأسه تاج مرصع بالجواهر، وحوله الجنود والحرس يقدمون له الاحترام والتبجيل. وعندما شاهد القديس هذه عظمة الملك تشكك السائح في أمر الصوت الذي سمعه، وحزن على الملك الذي يعيش بهذه العظمة الفائقة، وحسب أنه يستحيل أن يكون نصيبه في السماء كنصيب راهبٍ سائحٍ في البرية. عندئذ التفت إليه الملك قائلاً: “يا أنبا يوساب لقد اشتهيت لنفسك تعباً ما كنت في حاجة إليه بعد”، ثم أمر جنده أن يأخذوا القديس ويمضوا به إلى قصره ويكرمونه لحين عودته إليه. في قصر الملك دخل أنبا يوساب القصر، ثم بعد حين جاء الملك الذي أخذ بيده ودخل إلى قاعة كبيرة، هُيئ فيها طعاماً فاخراً حيث جلسا على طرفها، بينما جلس حرس الملك حولها يأكلون ويشربون إلى أن شبعوا وانصرفوا.
أمسك الملك بيد السائح يوساب ودخل معه إلى جناح الملك والملكة حيث استقبلته الملكة بالترحاب، وبعد أن انصرف كل الخدم خرج الملك والملكة وعادا لابسين مسوحاً من الشعر. ذهبوا جميعاً إلى موضع آخر من القصر وهناك رأى راهباً يجلس على الأرض وهو يعمل في شغل اليدين، وما أن رآهم الراهب حتى انتصب واقفاً ودنا من السائح القديس وقبَّله ثم حيّا الملك والملكة. وبعد ذلك وقف الجميع في خشوع وانسحاق للصلاة والسجود. وبعد انتهاء الصلاة جاء خادم إليهما وقدم لهما عمل كل واحد منهما، وأخذا يعملان في صمت وتسبيح حتى وقت الساعة التاسعة حيث جاء الخادم بمائدة عليها خبز وطعام قليل فصلوا وأكلوا وشكروا الله. عرف السائح أنهما لا يأكلان إلا مرة واحدة عند الغروب، يسهران معاً في الصلاة إلى ما بعد منصف الليل، ويعيشان معاً في حياة البتولية. كانا أيضاً يمارسان العمل اليدوي تشبهاً بالرهبان. بعد أن تناول السائح الطعام معهم خرج من القصر تبارك منه الملك وزوجته والراهب، ثم عاد إلى الإسقيط وهو يقرع صدره حيث عاش في فرح حتى تنيّح بسلام.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت