الولادة: –
الوفاة: 517
بعد نياحة البابا يوأنس الأول اجتمع الإكليروس والشعب للتشاور معاً كالمعتاد، فوقع اختيارهم على يوأنس الراهب المتوحّد الذي نشأ منذ نعومة أظافره على الفضائل المسيحية، وتشبّعت روحه بتعاليمها مما دفعه إلى أن يهجر العالم ليعيش في صومعة نائية طلباً للكمال المسيحي. قضى عدة سنوات مقيماً في دير الغار الذي كان على مقربة من بلبيس بمديرية الشرقية، وكان يُلقب بالحبيس. وقد ذاع صيته حتى بلغ المدن الآهلة بالسكان واجتذبت شهرته العدد الوفير من الناس الذين سارعوا إليه لينالوا بركته وليجدوا عنده العزاء الروحي. لما انتقل البابا يوأنس قصد إليه مندوبو الشعب ليعرضوا عليه كرامة الرياسة العليا في الكرازة المرقسية، وكان يوأنس كسلفه شغوفاً بالعزلة زاهداً في المظاهر العالمية، إلا أن إجماع الإكليروس والشعب أرغمه على قبول هذه الكرامة العظمى، وبذلك أصبح البابا السكندري الثلاثين وذلك في سنة 507م.
رسالة الشركة إلى اخوته الأساقفة الشرقيين
وكان أول ما قام به البابا الجديد بعد رسامته هو كتابة رسالة الشركة إلى اخوته الأساقفة الشرقيين الذين اصطلح معهم سلفاؤه بعد القطيعة التي نجمت عن مجمع خلقيدونية، وكان الأنبا تيموثاوس بطريرك القسطنطينية والأنبا ساويرس أسقف إنطاكية ضمن هؤلاء الأساقفة الذين كتب لهم وجاءه ردهما. عقب جلوسه على الكرسي المرقسي تلقى رسائل عديدة من رؤساء الأساقفة الأرثوذكس يهنّئوه ويؤيدون الاعتراف بالإيمان الصحيح ويرفضون كل هرطقة، خاصة هرطقات نسطور وأوطيخا وأبوليناريوس، معترفين بوحدة طبيعة السيد المسيح الكلمة المتجسد.
من مميزات البابا يوأنس سهره على رعيته، فلم يتوان عن كتابة الرسائل التي توضّح الإيمان وعلى الأخص الرسائل الفصحية التي كان يعين فيها موعد عيد القيامة المجيدة لبقية الأساقفة، عملاً بقرار مجمع نيقية وجرياً على تقاليد أسلافه. على أن الكتابة والتعليم والإرشاد لم تكن بالعمل الوحيد الذي انصرف إليه هذا البابا الجليل، لانه وجّه عنايته الخاصة إلى إعادة بناء الكنائس، التي كان أنصار خلقيدونية قد هدموها أو أصابوها بتصدع وإلى تزويدها بالأواني والملابس الكهنوتية، فازداد تعلق الشعب براعيه الأول حين رأى منه كل هذه العناية ببناء النفوس وبناء بيوت العبادة.
بعد أن قضى الأنبا يوأنس الثاني حوالي إحدى عشر سنة في قيادة الكنيسة دخل إلى فرح سيده بسلام في 12 بشنس سنة 241ش الموافق سنة 517م.
مقتطفات من رسالة تيموثاوس بطريرك القسطنطينية إليه [أما نحن فلا نأتي بإيمان جديد، بل نتأدب في كل شيء بحفظ الإيمان الجليل الذي سلّمه لنا آباؤنا الأطهار… نعترف بابن واحد، سيدنا يسوع من قبل أن يتجسد ومن بعد أن تجسد. هذا الغير متغير ولا مستحيل لم يأتِ بجسده معه من السماء ولا من شيء آخر كخيالٍ، بل صار جسداً، أي أنه تجسد وصار إنساناً من غير استحالة. الإله الكلمة الغير ذي جسد قبِلَ جسداً من جوهرنا الواحد، من مريم والدة الإله العذراء القديسة في كل زمان بنفسٍ ناطقة عاقلة، صيّره واحداً معه في أحشائها كالأقنوم… هو شخص واحد من اثنين لاهوت وناسوت كقول الحق، فنعترف بعمانوئيل أنه الوحيد رب واحد، مسيح واحد، الله الكلمة صار جسداً. هذا هو الواحد فقط، هو الذي قال الأصوات اللائقة باللاهوت وهو أيضاً الذي تكلم بتواضع كتدبير الناسوت الذي اتخذه، فلا نقسّم أفعاله إلى طبيعتين أو شكلين كمن يقسّم المسيح الواحد طبيعتين].
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت