الولادة: –
الوفاة: 1797
ارتفع الراهب يوسف الأنطوني إلى رأس الكنيسة المنظورة، في مصر وأثيوبيا والشرق الأوسط باسم أنبا يوأنس الثامن عشر، وذلك لما عرف عنه من طلاقة اللسان وعذوبة الصوت والمحبة الغامرة، وحب الخير للغير والسيرة العطرة والحياة الملائكية، وكانت سيامته بالإجماع بعد ستة أشهر تقريباً من نياحة البابا مرقس السابع.
في عصر هذا البابا البسيط نسمع لأول مرة نمو المذاهب والطرق الصوفية، وهذا الاتجاه الديني له تفسيران: إما أنه هروب من الواقع والانطواء في قوقعه خاصة مع فئة أو جماعة تختار لها طريق حياتها ومظاهرها بعيداً عن أرض الواقع، أو أنه نوع من الهلوسة الدينية. ومن عجب أن نجد أن الحكام يشجعون مثل هذه الطرق كوسيلة للهو الناس عن مساوئ الحكم واتجه الناس للغناء الشعبي، وتباروا في تقديم الموشحات والعروض، ومن ضمنها الفروسية ورقص الخيل والألعاب النارية، وانشغل الجميع عن الدولة العثمانية بمفاسدها وعن الفتن والمؤامرات.
من أشهر رجالات الكنيسة في هذا العصر المعلم نيروز كاتب رضوان كتخذا الذي نجح في الحصول على فتوى صريحة من الشيخ الشبراوي شيخ الإسلام بحق الأقباط في زيارة الأماكن المقدسة، وكانت هذه الفتوى سبباً في ضيق المسلمين وتعسّفهم مع الأقباط.
وكانت مظاهر ذلك تحريم ركوب الخيل عليهم وتحريمهم استخدام المسلمين في خدمتهم. ووسط هذا وذلك تحمُّل الكنيسة نيرها وتلقي بثقلها في أحضان الآب السماوي، معلنة مع المرنم الذي يقول: “نصيبي هو الرب قالت نفسي”.
أرسل الحبر الروماني رسولاً راهباً اسمه “برثلماوس” يطلب من البابا السكندري الانضواء تحت لواء الكرسي الروماني لحماية الكنيسة القبطية من بطش حكام وولاة الدولة العثمانية، ناسين أو متناسين أن حامي الكنيسة هو رب المجد وأنه “مبارك شعبي مصر” وأن “أبواب الجحيم لن تقوَ عليها”. وقابل البابا الرقيق رسول العاهل الروماني بأدبٍ جم ومحبة متناهية، وأرسله بمندوبه إلى أنبا يوساب الأبح أسقف جرجا الذي طلب منه البابا أن يرد على رسالة الحبر الروماني بالرفض في أدب رفيع. وقد رد عليه رداً حازماً حاسماً قاطعاً لكل شك، مؤيداً بأقوال الآباء الكبار وقرارات المجامع المسكونية التي أكدت الطبيعة الواحدة للإله الكلمة المتأنس، وكان لهذه الرسالة رد فعل عجيب إذ توقف بعدها العاهل الروماني عن إرسال مبشرين إلى مصر، تلك البلد الذي حباها الله هذا الإيمان العميق والتفسير اللاهوتي الدقيق.
صراعات سياسية
أما أحوال مصر في أثناء حبرية البابا يوأنس الثامن عشر فقد كانت سلسلة من الصراعات بين أتباع على بك الكبير والسلطان. وإن نجح السلطان العثماني عبد الحميد الأول في إخضاع مكة بحملة قادها أبو الذهب كما قادها على دمشق، إلا أن علي بك الكبير نجح في استمالة أبو الذهب وانضم إليه عند الصالحية، وبعدها مات علي بك الكبير دون أن يحقق حركته الانفصالية عن الدولة العثمانية، لأنه لم يشغل طاقات الشعب المصري الذي كره حكام الأتراك، وإن كان قد نجح على بك الكبير دون قصد في إزكاء الوطنية في المصريين، إذ تطلعت أنظارهم إلى استقلال مصر عن الحكم العثماني، وأشهر مظاهر استقلاله أنه صك النقود باسمه.
أراخنة القبط
من أشهر الأراخنة القبط في ذلك العصر المعلم غبريال شنودة الذي كان وكيلاً لسلطان دارفور ومكلفاً بتجهيز الكسوة الشريفة لإرسالها لمكة كل عام. والمعلم رزق الذي ائتمنه على بك الكبير على صك النقود. والمعلم إبراهيم الجوهري محب الكنيسة وعمارتها في وقت اشتد فيه حسن باشا التركي على القبط، وأمرهم بعدم ركوب الخيل وعدم استخدام المسلمين، وعدم بناء عمارات فخمة أعلى من المسلمين، ولا يلبسون ملابس زاهية، ولا يحملون اسماً مشتركاً مع المسلمين. ومنهم أيضاً المعلم رزق أغا المتضلع في الحساب والفلك والتعاليم الكنسية، وكان نزيهاً خادماً للكل، اعتمد عليه على بك الكبير في تسيير دفة الأمور، وكان مسئولاً عن المحافظة على النظام في مديريه الشرقية، ونجح في القضاء على العابثين والناهبين في تلك البقاع.
وارتفع شأن النصارى في عهد على بك الكبير بفضل كاتبه رزق ومساعده المعلم إبراهيم الجوهري، الذي اغتاله محمد بك أبو الدهب رغم خدماته الجليلة، وعلق جثته على باب زويلة يومين. والأرخن الكبير المعلم لطف الله أبو شاكر ناظر دير كوكب البرية أنبا أنطونيوس، الذي بنى كنيسة الرسل ورمم كنيسة أنبا مرقس وقام البابا بتكريسها، والمعلم تكلا سيداروس والمعلم ميخائيل فرحات.
من الأساقفة المشهورين أيضًا بالإضافة إلى أنبا يوساب الأبَحْ أنبا بطرس أسقف منفلوط الذي وضع كتاباً خاصاً بتكريس الكنائس، والقس عطية صاحب الصيت الحسن والخط، الذي نسخ معظم الكتب لينفق الرهبان من بيعها على احتياجات الدير واحتياجاتهم.
ظل هذا البابا الوقور مجاهداً في حفظ كنيسة الله من المتاعب الداخلية، ممثلة في هجمات الغوغاء والرعاع على الكنائس والأديرة، والتعب الخارجي ممثلاً في كنيسة روما، والأسقف الروماني المُرسل إلى مصر، حتى أسلم روحه الهادئة في يد باريها سنة 1797م، بعد جهاد دام ما يزيد على الربع قرن، ودفن في مقابر البطاركة في مصر القديمة.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت