الولادة: –
الوفاة: 304
هو أسقف مدينة هراكليا Heraclea عاصمة إقليم تراقيا Thrace. استشهد سنة 304 م أثناء اضطهاد الإمبراطور دقلديانوس. وكانت المنطقة يحكمها حاكم يُدعى باسوس Bassus، ونظراً لأن زوجته كانت مسيحية فقد كان غير ميالٍ إلى اضطهاد المسيحيين بقسوة وعنف على النحو الذي كانت تطلبه الأوامر الإمبراطورية.
ومن ثمَّ فقد ظلّت اجتماعات المسيحيين تُُعقد فيها وبدون تدخل السلطات، حتى بعد صدور منشورات الاضطهاد التي أصدرها دقلديانوس بسنة.
نشأته
كان فيلبس أسقف هراكليا رجلاً وقوراً. بدأ خدمته شماساً ثم كاهناً، ثم ارتفع إلى كرسي الأسقفية، فكان يرعى الكنيسة بأمانة وفضيلة حين هزتها عاصفة الاضطهاد.
في خدمته
اهتم بحياة التلمذة لأولاده حتى أن اثنين من أشهر تلاميذه رافقاه إلى استشهاده ونالا الإكليل معه. الأول ساويرس Severus الكاهن والثاني هِرمس Hermes الشماس، وكان هِرمس في الأصل أول حاكم للمدينة، ولكن بعد ارتباطه بخدمة الكنيسة عمل بيديه حتى يكسب معيشته، وعلَّم ابنه أن يفعل نفس الشيء.
رفضه أن يتخلى عن شعبه حين أصدر دقلديانوس أوامره الأولى ضد المسيحيين، عند حلول عيد الظهور الإلهي نصح الكثيرون الأسقف أن يترك المدينة، لأنهم شعروا أن يوجد ضغط مستمر على باسوس الوالي من السلطات العليا لتنفيذ المنشورات الإمبراطورية. لكن الأسقف رفض أن يتخلى عن شعبه، وقال لهم أن الرب سيدبّر وسيلة للخلاص من الأعداء.
وأخذ يشجع أولاده على الثبات والصبر.
القبض على الأسقف
في أحد الأيام أتى الجنود بأمر الحاكم وأغلقوا باب الكنيسة وختموه، فقال القديس فيلبس لقائدهم: “هل تظن أن الله يسكن بين الجدران وليس بالأحرى في قلوب الناس؟” فكان يصلي مع الشعب خارج الكنيسة. لم يمضِ وقت طويل على ذلك حتى زار باسوس مدينة هراكليا، ووجد الأسقف فيلبس مع شعبه مجتمعين خارج أبواب الكنيسة المغلقة لخدمة القداس الإلهي دون اكتراث. جلس الحاكم وأحضر أمامه بعضهم باعتبارهم معتدين على القانون، ولما سألهم باسوس: “من منكم معلم المسيحيين؟” أعلمه فيلبس بشخصيته، فقال الحاكم: “أنت تعلم أن الإمبراطور قد منع اجتماعاتكم، فاعطني الآن آنية الذهب والفضة التي تستخدموها والكتب التي تقرأون فيها”. أجابه الأسقف: “سوف نعطيك الأواني لأنه ليس بالمعادن الثمينة ولكن بأعمال الرحمة والمحبة نمجد الله.
أما عن الكتب المقدسة فليس من حقك أن تطلبها أو من حقي أن أسلمها لك”.
تعذيب الأسقف فيلبس في أيام باسوس
أمر الحاكم بإحضار الجلادين وأمر أحدهم بتعذيب الأسقف فيلبس الذي احتمل التعذيب في شجاعة. تقدم هِرمس في شجاعة إلى الحاكم قائلاً: “ليس في سلطانك أن تدمّر كلمة الله حتى ولو أخذت كل الكتب المكتوبة”، وكان رد باسوس عليه أن أمر بجلده. ثم أمر بإحضار فيلبس وبقية المسجونين إلى الساحة حيث حضر أحد كهنة الأوثان استعداداً لتقديم ذبيحة.
حاول باسوس إجبار فيلبس للمشاركة، فأجابه القديس أن التماثيل المنحوتة لا تملك أن تساعد أو تؤذي أحداً. فالتفت الحاكم إلى هِرمس محاولاً إقناعه لآخر مرة، إلا أن القديس أجابه بأنه مسيحي ولن يذبح للأوثان، فأمر باسوس بإلقائهم في السجن مرة أخرى، وفي الطريق كانت الجموع من الوثنيين يدفعون فيلبس حتى وقع على الأرض، وحين وقف والابتسامة تعلو وجهه تأثر الكثير منهم بصبره ووداعته، وكان الشهداء يسيرون مترنّمين بمزامير وتسابيح الشكر للّه حتى وصلوا للسجن.
تعذيب الأسقف فيلبس في أيام جوستين
في تلك الأثناء أنهى باسوس خدمته وخلفه جوستين Justin أو يوستينوس في الحكم، وكان هذا التغيير سبب حزن المسيحيين لأن باسوس كان يميل أكثر إلى استخدام المنطق والعقل كما أن زوجته كانت مسيحية، بينما كان يوستينوس عنيفاً.
أُحضِر فيلبس أمام يوستينوس الذي أعاد على مسمع القديس أوامر الإمبراطور وحاول إجباره على الذبح للأوثان، فأجابه القديس: “أنا مسيحي ولا يمكنني عمل ما تطلبه. يمكنك معاقبتنا لرفضنا، ولكنك لن تستطيع إجبارنا على شيء”. هدّده يوستينوس بالتعذيب فرد عليه: “يمكنك تعذيبي ولكنك لن تهزمني، فليس هناك قوة تجبرني على الذبح للأوثان”. أمر يوستينوس جنوده فربطوه من قدميه وجروه فوق أرض صخرية حتى تهرّأ جسمه وامتلأ بالكدمات، فحمله المسيحيون وأحضروه للسجن. كان الجنود يبحثون لمدة طويلة عن ساويرس الكاهن الذي أخفى نفسه، وبإرشاد من الروح القدس سلّم نفسه أخيراً لهم فقادوه للسجن، وهكذا ظل فيلبس وهِرمس وساويرس محبوسين 7 شهور في مكان سيئ، إلى أن وقفوا مرة أخرى أمام يوستينوس.
أمر الحاكم فضربوا فيلبس حتى تهرّأ لحمه، وكان احتماله للعذاب مثار دهشة لمعذبيه بما فيهم يوستينوس نفسه الذي أمر بإعادته للسجن. ثم جاء الدور على هِرمس الذي عومِل معاملة حسنة بسبب منصبه السابق كحاكم لهراقليا ولأن شعبيته كانت كبيرة، ولكن في محاكمته ظل ثابتاً في الإيمان فأعادوه للسجن مرة أخرى. بعد ثلاثة أيام أعاد يوستينوس محاكمتهم في محاولة أخيرة لتغيير رأيهم، ولما فشل أمر بحرق فيلبس وهِرمس أحياء حتى يكونا عبرة للآخرين.
سار القديسان بفرح إلى مكان الاستشهاد، وكانت قدما فيلبس مجروحتين حتى أنه لم يستطِع المشي عليهما، وكان هِرمس أيضاً يمشي بصعوبة، فقال للأسقف: “يا سيدي دعنا نسرع للذهاب إلى الرب. لماذا نبالي بأقدامنا فإننا لن نحتاجها بعد ذلك”. ثم التفت إلى الجموع التي كانت تسير وراءهما وقال: “لقد أعلن لي الله أنني لابد أن أتألم. في نومي رأيت حمامة بيضاء أنصع من الثلج استقرت على رأسي، ثم نزلت إلى صدري ومنحتني طعاماً حلو المذاق، فعلمت أن الرب قد دعاني وشرّفني بالاستشهاد”. حين وصلا إلى مدينة أوريانوبوليس مكان الاستشهاد وُضِع الشهيدان في حفرة حتى رُكَبِهما ورُبطت أيديهما خلفهما.
وقبل أن يشعل الجنود النار نادى هِرمس على أحد أصدقائه المسيحيين وأوصاه قائلاً: “أستحلفك بمخلصنا يسوع المسيح أن تخبر فيلبس ابني على لساني أن يسدّد أية التزامات كانت عليَّ حتى لا أكون مرتكباً أي خطأ حتى ولو بحسب قوانين العالم. واخبره أيضاً أن يشتغل بيديه – كما كان يراني أفعل – حتى يكسب قوته، وأن يسلك سلوكاً حسناً مع كل الناس”. ثم أشعل الجنود النار فظل الشهيدان يسبحان الله ويشكرانه إلى أن فقدا القدرة على الكلام، وكان ذلك في 22 أكتوبر سنة 304م. وقد حفظ الله جسديهما حتى أن القديس فيلبس – الذي كان شيخاً – بدا كما لو أنه قد استعاد شبابه وكانت يداه مبسوطتين كما في وضع الصلاة. أمر يوستينوس بإلقاء جسديهما في النهر، إلا أن بعض المؤمنين نزلوا في مراكب واستعادوهما بواسطة شِباك.
حين أُخبِر ساويرس الكاهن – الذي تُرِك وحيداً في السجن – باستشهاد فيلبس الأسقف وهِرمس الشماس، تهلّل فرحاً لنوالهما إكليل المجد، وأخذ يتضرع إلى الله أن يجده مستحقاً أن ينال نفس المجد، بما أنه قد اعترف باسمه القدوس معهما قبل ذلك، وقد قبل الرب طلبته واستشهد في اليوم التالي. يشير التاريخ الروماني إلى أنهم استشهدوا في زمن يوليانوس الجاحد.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت