الولادة: –
الوفاة: 1570
مضى وقت تردّت فيه الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر أثناء حكم الدولة العثمانية، ظهرت عناية رب الكنيسة في اختيار “مطيّب القلوب” الراهب “روفائيل” من دير السريان وهو نفس اسمه بالميلاد، وكان من قرية أبو عايشة من أعمال القوصية والدير المحرق.
وكان أبوه كاهناً لكنيسة الشهيد مرقوريوس بمصر القديمة وقد شجّعه على حياة الرهبنة، واتفقت عليه الآراء بسرعة ونال كرامة البابوية سنة 1525م باسم حامل البشارة “غبريال” وهو أول بطريرك يُختار من دير السريان، وذلك في عهد السلطان سليمان.
مُنَجِّم يهودي يثير السلطان العثماني
قد واجه في أول سني خدمته حسد الشيطان عن طريق منجم يهودي يلتجئ إليه السلطان العثماني سليمان الذي خلف والده سليم الأول، إذ أشار إليه هذا المنجم أن حُكمه سيكون في خطر طالما بقى النصارى في مصر وبلاد الشرق، إذ ربما يشجّعون الروم ضده.
وقد أخذ برأيه فعلاً، ولكن قبل أن يصدر أمره بالقضاء على القبط تجلت العناية الإلهية على لسان وزير هذا السلطان واسمه بيروز باشا إذ قال له: “إن فعلت هذا خربت مملكتك” فلم يستمر على رأيه. التجأت الكنيسة للصلاة والطلبة لأنه ليس لنا معين في شدائدنا وضيقاتنا سوى الآب السماوي.
تعمير الأديرة
من مآثر هذا البابا الجليل تعمير دير أنبا أنطونيوس بالأنفس والمباني وقد كتب عنه في سجلات في دير أنبا أنطونيوس العظيم: “كان هذا الأب طويل القامة معتدل الخلقة، والروح القدس حال عليه وكان له اجتهاد كبير في الصلاة والصوم والنسك، مع الاجتهاد الكبير في عمارة الأديرة وتشييدها، وفتح في زمانه دير القديس الطاهر أنبا أنطونيوس بالعربة، وعمَّره عمارة حسنة روحانياً ومادياً وكذلك دير أنبا بولا”. لما قام عرب بني عطية ونهبوا دير القديس بولا وضربوا وقتلوا أحد رهبانه وشتتوا بقية الرهبان، اهتم البابا بتعميره.
أعاد تعمير ديري أنبا بولا وأنبا أنطونيوس من رهبان دير العذراء السريان، وما زال بعض أواني الديرين تحمل اسم العذراء السريان، كما شرع في تعمير دير المحرق بجبل قسقام ودير الميمون.
إعادة الصلة بين كنيسة مصر وكنيسة أثيوبيا
من محبة اللّه للكنيسة أن أعاد الصلة بين كنيسة مصر وكنيسة أثيوبيا، التي كانت قد انقطعت بسبب المماليك واضطهادهم للقبط، مما دعا الأثيوبيبن لرسامة مطران برتغالي كاثوليكي، أطلق عليه بابا روما “بطريرك الإسكندرية”، ولكن عندما اعتلى الإمبراطور جلاوديوس (أقلاديوس) عرش أثيوبيا أوقف المطران البرتغالي، وطلب من البابا السكندري رسامة مطرانٍ لبلاده، فرسم لهم أنبا يوساب الثالث وتلقّاه الأثيوبيبن بكل ترحاب، وسمح للكاهنين الروميين اللذين كانا يخدمان في أثيوبيا بالبقاء في خدمتهما بناء على طلب البابا الروماني.
عاد المطران اللاتيني إذ رأى استحالة ضم الكنيسة الأثيوبية إلى الكنيسة الرومانية، وأخبر أسقف روما بذلك. استاء أغناطيوس أحد رؤساء الرهبنة في روما من هذا الفشل المعيب وطلب من أسقفه أن يرسله إلى أثيوبيا، لكن الأسقف خشي على حياته وأرسل شخصيًا آخر يُدعى نونو باريتو وكاهنين آخرين. ذهب الثلاثة إلى جوا فأقام باريتو فيها بينما أكمل الكاهنان طريقهما حتى التقيا بالملك إقلاديوس الذي قابلهما بكل لطفٍ وأفهمهما أنه يرفض قطعياً الخضوع لسلطة أسقف روما، وأنه لا يخضع إلا لكرسي مار مرقس الإنجيلي. بلطفه سمح لهما بالإقامة في بلاده وهو واثق من ثبات شعبه على أرثوذكسيتهم. إذ مات أقلاديوس خلفه أخوه مينا فأظهر سخطاً على الكاهنين، فأثارا أحد كبار الجيش لعقد محالفة مع المسلمين ضد الملك مينا. وإذ بلغ مينا الخبر قام بتأديب العصاة.
شعر أسقف روما بفشل إرساليته الثانية لأثيوبيا فبعث رسلاً إلى البابا غبريال يطلب منه الانضمام إلى الكنيسة اللاتينية، فقابلهم البابا بكل لطف وأخبرهم أنه لا ينحرف عن التمسك بالعقيدة قيد شعرة. طلب الرسل من البابا أن يسأل ملك أثيوبيا ألا يمس الكاهنين الرومانيين بسوء، وبالفعل سمح لهما الملك بالإقامة، لكنهما لم يُحسنا السير حتى كاد الأثيوبيون أن يقتلوهما. قدما تقرير لروما جاء فيه “إن إثيوبيا لا ترتد عن إيمانها إلا بقوة السيف”، فاستدعاهما الأسقف.
ضيق في الكنيسة
لم تهنأ الكنيسة في أيام حبريته بالاستقرار، إذ أصدر الحاكم التركي أمره بأن يدفع غير المسلمين ألفى دينار – بسبب سفر الجيش المتوجه به سنان باشا الوزير العثماني – واستعمال العنف في جمعها دون مراعاة لمقام أو لسن أو كرامة. فاعتكف البابا حزيناً في دير أنبا أنطونيوس، وظل في صلواته واعتكافه حتى فارق الحياة يوم الثلاثاء 29 بابة 1285ش/ 1570م، ونُقِل بعدها جسده الطاهر إلى كنيسة القديس مرقوريوس بمصر القديمة في مقبرة جديدة تحت جسد القديس مرقوريوس بعد تجنيزه للمرة الثانية.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت