الولادة: –
الوفاة: –
عمل فترة موظفاً بالسودان ثم انتقل إلى الإسكندرية. كان متزوجاً من سيدة فاضلة ولم يكن لهما أولاد، وكان الاثنان يعيشان في تقوى ومخافة الرب. وكانت له أختان عذارى عاشتا معه. وقد كان هذا البيت نموذجاً للحياة المسيحية في الحب والتواضع.
وكان عبد الملك هو سرّ بركة البيت، إذ كان الرجل شديد الصلة بالله وكان كاملاً في جيله.
الإنجيل في حياته
عاش عبد الملك منظماً جداً في حياته، وقد اتسمت حياته بهذا النظام الدقيق. فكان يصلي بانتظام صلوات السواعي ويحفظ مزاميرها، ويقرأ الكتاب المقدس بكامله مرّتين كل سنة، وقد قرأه أكثر من مائة مرة حتى صار يحفظ كثيراً من فصوله عن ظهر قلب، وكان دائماً مشغولاً بالإنجيل في حديثه وسط الناس وفي خلوته، إذ ملأ الإنجيل عليه حياته كلها.
واظب على حضور القداس الإلهي يومياً في الكنيسة المرقسية، وكان دائماً من أوائل المبكرين بالحضور رغم بُعد المسافة من منزله إلى الكنيسة. ترجم محبته إلى عمل، فقد اعتاد أن يُحضر معه يومياً سلّة طعام يضعها بهدوء أمام قلاية الأب الراهب وكيل البطريركية دون أن يراه أحد من الناس، وكلّف أحد الفراشين بإحضار السلّة فارغة كل يوم، وقد شدّد عليه ألا يُعلم أحداً بذلك، وإذا سُئل أجاب “أحد أفراد الشعب هو الذي أحضره”.
صداقته مع البابا كيرلس السادس
حين جلس البابا كيرلس السادس على الكرسي المرقسي كان يفرح بعبد الملك وبمواظبته على حضور القداسات.
وقد أحسّ البابا بما له من ورعٍ وتقوى وحياة روحانية، فقرّبه إليه في مودة شديدة. وكان في أيام كثيرة يستضيفه في قلايته ويتآنس بوجوده. في قربه من البابا أحبّه الجميع، لأنه كان يرفض الكلام عن الناس، لقد كان رجل سلام، وكان يرفض الانحياز إلى أية تيارات، فاحتفظ بقلبٍ طاهرٍ، وهكذا كان سبب بركة لكثيرين.
قوة الصلاة
كان بمنزل أحد أصدقائه وفي تلك الليلة كان بعض الرفاق يتسامرون، وكان أحدهم رجل ذا حيلة جنّده الشيطان لأعماله، فكان يبهر الحاضرين بأعمالٍ خارقةٍ ومنها إحضاره لكلٍ من الحاضرين شيئاً من منزله. ولما أتى دور عبد الملك أجاب بتواضع أنه لا يريد شيئاً، فألحّ الرجل وقد شجّعه الشيطان متصوراً إحراج عبد الملك، فطلب منه إحضار كتاب صغير تحت الوسادة في حجرته، وكان هو كتاب الإجبية. غاب الرجل أكثر من المعتاد ثم أفاق ليقول أنه لا يستطيع إحضار هذا! فامتلأ الجميع دهشة واعتراهم خوف عن الشيء الذي لم يستطع الشيطان الاقتراب منه، فأجابهم عبد الملك ببساطة وتواضع إنها الحجرة التي يصلي فيها وهذا كتاب الصلوات، والشياطين تخاف من الصلاة وتهرب من علامة الصليب.
نور المسيح الذي معنا
حكى عبد الملك مرة عن كاهن يعرفه شخصياً بالريف، وكان شيخاً وقديساً ومملوءً من ثمر الروح. أتاه رجل مرّة يخبره بأن أحدهم سيسافر إلى القدس، فلما سأله الكاهن عن السبب أجاب: “لكي يرى نور المسيح”. فما كان من الكاهن إلا أن طلب إلى الشماس فأعطاه شمعة مطفأة، ورفع اللفافة عن الكأس وقرب الشمعة من الكأس فأضاءت. فدفعها إلى الرجل قائلاً: “هذا هو نور المسيح الذي هو معنا كل يوم على المذبح”. وقد كان عبد الملك يحتفظ في ذاكرته بتذكارات لأبرار كثيرين مثل هذا الكاهن، عايشهم وأحبهم وتمثَّل بهم. رويّ لي هذه القصة: في أيام الحاكم التركي كانت إحدى قريباته (علي ما أذكر جدّته) مريضة جداً. اشتد بها المرض جداً حتى لم تحتمل شدة الآلام، وإذ عبر بالطريق رجل مغربي مشهور بالسحر قيل لها عنه.
تحت ضغط الآلام
بالرغم من تقواها وافقت علي حضوره. دخل المغربي ووضع قطعة من العملات الذهبية في طبق وملأ الطبق ماءً وبدأ يتمتم. بعد قليل جرى بسرعة فائقة وأمسك بقطعة الذهب وانطلق نحو الباب ليخرج. تعجب الكل لتصرفه هذا، فسألوه لماذا فعل هذا، هل أساءوا إليه في شيء؟ أجابهم بالنفي. إنما قال لهم: “منذ عشرين عاماً دخل إنسان في الحجرة وبقي الليل كله يصلي بالمزامير، لذا لا تستطيع الأرواح أن تقْدم إلى الحجرة!” عندئذ تذكروا أنه منذ عشرين عاماً كانت المطرانية باسنا تُجدّد، وإذ حضر المطران من الأقصر تركوا له البيت وبات في نفس الحجرة.
هكذا بعد عشرين عاماً لم تستطع الشياطين أن تتحرك أو تدخل الحجرة بسبب صلوات المزامير! أخيراً بعد أن أكمل سعيه الصالح رقد في الرب في شيخوخة صالحة بدون مرض، انتقل هكذا بسلام وهدوء وطمأنينة وانضم إلى الأحضان الأبوية.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت