الولادة: –
الوفاة: –
سبق لنا الحديث عن شهداء إسنا أثناء حديثنا عن القديس الأنبا أمونيوس أسقف إسنا، والقديسة الأم دولاجي، وسامان وهرواج وباخوش وأوسابيوس الأراخنة الشهداء وسورس وأنطوكيون ومشهوري الفلاحين.
أورشليم الجديدة
كتب الأنبا بولس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) وكان ربما معاصراً للفترة ما بعد الاستشهاد مباشرة، إذ عاصر الأنبا تاوضروس خلف الأنبا أمونيوس أب الشهداء.
[إن هذه المدينة المباركة إسنا كانت بتضحياتها مثلاً أنار للساكنين في بلاد الصعيد، إذ قدّم أولادها الشهداء الأبرار أنفسهم قرباناً نقياً وذبائح طاهرة، وأهرقوا دماءهم على الإيمان المستقيم. وسكنوا جميعاً باتفاقٍ واحدٍ في أورشليم السمائية، يسبحون ويرتلون مع الملائكة وهم ممتلئون من المواهب الروحية، مثل الحواس الطاهرة المتفقة مع بعضها… بالحقيقة يا أحبائي إن هذه المدينة الممدوحة إسنا تشبه مدينة السلام، أورشليم، لأن داود النبي قال عن هذه المدينة المقدسة في المزمور: “اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك، نجسوا هيكل قدسك، جعلوا أورشليم أكواماً، دفعوا جثث عبيدك طعاماً لطيور السماء ولحوم أتقيائك لوحوش الأرض، سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم, وليس من يدفن” (مز1:79-3).] بعد أن صدرت مراسيم اضطهاد دقلديانوس، قام إريانوس والي أنصنا بجولة في الصعيد الأعلى ليشرف بنفسه على تنفيذ أوامر اضطهاد المسيحيين.تردّد على مدينة إسنا أكثر من مرة وفي كل مرة كان يخرج بمحصول: في المرة الأولى استشهدت الأم دولاجي وأولادها الأربعة. وفي المرة الثانية استشهد بعض أراخنة المدينة. وفي المرة الثالثة كانت المذبحة الكبرى. في هذه المرة كان الشعب مستعداً ومشاعرهم معبأة خلف أسقفهم الأنبا أمونيوس، وأمضوا ليلة الاستشهاد في الصلاة وتناولوا من الأسرار المقدسة. لقد ألهب استشهاد الأم دولاجي وأولادها قلوب الشعب كله بالاشتياق نحو التمتع بإكليل الاستشهاد، لكن الوالي ترك المدينة لتأخذ درساً لمن لا ينكر السيد المسيح ويقدم الذبائح للأوثان. عاد فالتقى بالأراخنة الأربعة وقد خابت آماله إذ تلامس مع إصرارهم على التمسك بالإيمان فقتلهم.
إذ رأى شعب إسنا الأراخنة قد استشهدوا في سبيل محبتهم للسيد المسيح اشتهوا الفوز بإكليل الشهادة، مثل أراخنتهم الأبرار ومثل القديسة الأم دولاجي وأولادها. فقضوا الليلة يصلون معا ويسبحون منتظرين دورهم. لكن ملأ الحزن قلوبهم حينما علموا في الصباح أن الوالي بجنوده قد تركوا المدينة.
عودة إريانا للمرة الثالثة
توسل الشعب للّه أن يعيد إليهم الوالي لكي يتمتعوا بالأكاليل، وانطلقوا إلى أسقفهم في دير الأنبا اسحق واثقين أن الله يهبهم طلبتهم. وبالفعل عاد الوالي إلى المدينة للمرة الثالثة، واضعاً في قلبه أن يقتل كل من لا ينكر الإيمان.
الرشيدة
عبر الوالي بجنوده المدينة من الباب البحري (الشمالي) حتى بلغ الباب الجنوبي الذي كانوا يدعوه باب الشكر الذي خرجت منه الجماهير إلى جبل أغاثون (الجبل الصالح) مع أسقفهم يتعبدون، لكنه وجد عند هذا الباب عجوزًا نائمة على فراشها لم يسمح لها سنها وصحتها بمصاحبة الشعب، فسألها: “أين مضى أهل المدينة؟” فأجابته قائلة: “إنهم لما سمعوا بحضور إريانوس الوالي الكافر إلى هنا، ليقتل المسيحيين ويضطهدهم ويلزمهم بعبادة الأوثان ذهبوا إلى جبل أغاثون”. فسألها: “وأنتِ من تعبدين؟” أجابته: “إني مسيحية أعبد السيد يسوع المسيح خالق السماوات والأرض”. فأمر بقطع رأسها بحد السيف وأكملت شهادتها، وسُمّيت تلك العجوز بالرشيدة لأنها هي التي أرشدت إريانوس عن موضع أهل المدينة.
إلى دير الأنبا إسحق بجبل أغاثون
أمر إريانوس جنده أن يقتلوا كل من يجدوه من المسيحيين وهم في طريقهم إلى دير الأنبا اسحق بالجبل، وفعلاً قتلوا بعض الأفراد. كما قتل جماعة من المؤمنين وجدهم عند ساقية سُميت “ساقية كريم”. ولما وصل الوالي إليهم وجدهم مجتمعين مع الأسقف. كان الأب يثبتهم ويقوّي قلوبهم مذكراً إياهم بقول السيد المسيح: “لا تخف أيها القطيع الصغير فإن أباكم قد سرّ أن يعطيكم الملكوت”، كما قال لهم: “يا أولادي طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه.
اسبقوني إلى ملكوت السموات، لكي تستقبلوني عند خروجي من هذا العالم. وكما كنتم تخرجون للقائي من الكنيسة الأرضية كذلك تخرجون للقائي في كنيسة الأبكار، وأنتم رفاقاً رفاقاً، أحزاباً أحزاباً مختلطين بملائكة الله. إني أفرح بكم في ملكوت السموات، وأقول مع إشعياء النبي: “ها أنا والبنون الذين أعطيتني”. أخيراً إذ رأت الجماهير الوالي وجنوده قد بلغوا الموضع. رفعوا صوتهم وقالوا بصوت واحد: “نحن مسيحيون مؤمنون بالسيد يسوع المسيح خالق السماوات والأرض”. فأمر الوالي جنوده أن يقتلوهم بالسيوف والرماح، فظلّوا يقتلوهم حتى أفنوهم وكانوا آلافاً في عددهم، وكان ذلك في التاسع عشر من أبيب.
أما الأسقف فقد استشهد في أنصنا بعد أن أخذه الوالي معه. مقيّداً إلى أسوان في الجنوب ليعود به إلى أنصنا، مقدماً له مهلة أطول لعلّه يرجع عن إيمانه. العودة إلى إسنا للمرة الرابعة عاد الوالي إلى إسنا للمرة الرابعة وهو في طريقه من أسوان إلى أنصنا (أقام على أطلالها بلدة الشيخ عبادة بالقرب من ملوي). ولعلّه أراد أن يُمتع عينيه برؤيته للمدينة المُحبة للمسيح وقد صارت خاوية تماماً. التقى بثلاثة فلاحين وهم سورس وأنطوكيون ومشهوري، وقد سبق لنا الحديث عنهم. لا تزال أجساد الشهداء المقدسة التي بلا حصر مدفونة في دير الشهداء على بعد حوالي 5 كيلو في الجنوب من إسنا الغربي، إذ بنت لهم القديسة هيلانة أم الملك قسطنطين مقبرة عظيمة بجبل أغاثون تبلغ مساحتها حوالي 80 فداناً، وحفرت في وسطها عين ماء يشفي من يغتسل منه. بركة صلواتهم جميعا تكون معنا آمين.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت