الولادة: –
الوفاة: 230
زواج عجيب
وُلدت في بداية القرن الثالث. كانت من أشراف روما، ونشأت نشأة مسيحية، وكانت تلبس ثوباً خشناً تحت الملابس التي تليق بطبقتها. وكانت تصوم عدة أيام في الأسبوع، ووضعت في قلبها أن تظل عذراء من أجل محبة الله.
ولكن والدها كان له رأي آخر، إذ زوّجها من أحد شباب الأشراف اسمه فالريان Valerian. قبل زفافها بثلاثة أيام، دخلت سيسيل حجرتها، وأغلقت على نفسها، واعتكفت للصلاة تطلب مشيئة الله ومعونته لتحقيقها. طلبت منه أن يسندها في تحقيق نذرها له بأن تعيش بتولاً. كما طلبت منه أن يصنع رحمة مع خطيبها، فيقبل الإيمان بالسيد المسيح، وأن يحب حياة البتولية. بعد صلوات حارة نامت سيسيل، فرأت في حلمٍ ملاكاً يطمئنها بأن الرب قد استجاب طلباتها. في يوم عُرسِها، وسط الموسيقى وصخب المدعوين جلست سيسيليا في أحد الأركان ترنّم لله في قلبها، وتصلي طالبة المعونة منه. حين اختلت مع زوجها في حجرتيهما استجمعت شجاعتها، وقالت له برفق: “عندي سر لا بدّ أن أقوله لك.
يجب أن تعرف أن لي ملاكاً من الله يراقبني، وإذا اقتربت مني كزوج، فإنه سيغضب منك ويؤذيك، ولكن إذا احترمت عذراويتي، فسوف يحبك كما يحبني. أجابها فالريان: “أريني هذا الملاك، فإذا كان من الله فعلاً، فسوف أبتعد عنكِ كما ترغبين”. فقالت له القديسة: “إذا آمنت بالواحد الحيّ وقبلت المعمودية فسوف ترى الملاك”. وافق فالريان وذهب ليبحث عن الأسقف إربان Urban وسط الفقراء الذين استقبلوه بكل ترحاب، ثم ظهر الأسقف القديس يحمل المكتوب التالي: “رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. واحد هو الله أبو كل أحد وفوق كل أحد، وفي كل أحد”. سُئل فالريان: “هل تؤمن بهذا؟” ولما رد بالإيجاب عمَّده الأسقف، ثم عاد إلى سيسيليا فوجد إلى جوارها يقف ملاك، ثم تقدم الملاك ووضع على رأس كل منهما إكليل زهور.
وعبقت رائحة جميلة لم يسبق أن اشتمها من قبل.
إيمان أخ زوجها
كان لفالريان شقيق اسمه طيبورتيوس أو تيبورتيوس Tiburtius، فتكلم فالريان مع شقيقه عن الله الواحد الحقيقي. أظهر طيبورتيوس في البداية عنادًا وكان يسأل: “من هو الذي قام من القبر حتى يخبرنا عن تلك الحياة الأخرى؟” فأخذت سيسيليا تكلمه طويلاً وحدثته عن السيد المسيح، فآمن هو الآخر ونال المعمودية وللحال اختبر أشياءً مدهشةً. من تلك اللحظة كرَّس الشقيقان نفسيهما للكرازة بالسيد المسيح وأعمال البرّ.
القبض على الزوج وأخيه
بسبب غيرتهما وحماسهما في دفن أجساد الشهداء قُبِض عليهما، وأُحضِرا أمام ألماخيوس Almachius الوالي. بدأ الوالي يستجوبهما، فأجابه فالريان أنه هو وشقيقه يؤمنان بيسوع المسيح ابن الله، ثم بدأ يقارن بين أمجاد السماء الأبدية وأفراح العالم الزمنية. لكن ألماخيوس قاطعه وأمره أن يُخبِر المحكمة إن كان يوافق أن يذبح للآلهة فيطلق سراحه. أجابه الشقيقان بصوت واحد: “ليس للآلهة بل لله الواحد نقدم له ذبيحة يومية”. أمر الحاكم بجلدهما فذهبا فرحين، وكان فالريان يقول للمسيحيين الحاضرين: “لا تجعلوا تعذيبنا يخيفكم ويبعدكم عن طريق الحق بل اثبتوا في الله الواحد، واطرحوا تحت أقدامكم الأوثان الخشب والحجارة التي يعبدها لماخيوس”.
ومع هذا كان الحاكم مستعدّاً للعفو عنهما إن هما تراجعا.
استشهادهما
مستشار الحاكم أخبره بأنّهما سيستفيدان من الوقت في توزيع ممتلكاتهما وبهذا يحرمان الدولة منها، فحكم عليهما بالموت، وقطعوا رأسيهما على بعد أربعة أميال من روما. واستشهد معهما أحد المسؤولين في الدولة اسمه ماكسيموس Maximus الّذي أعلن إيمانه المسيحيّ حين عاين شجاعة الشهيدين وثباتهما.
سيسيليا الكارزة
دفنت سيسيليا أجساد الشهداء الثلاثة، ثمّ جاء دورها لكي يطلب منها أن تنكر إيمانها، وبدلاً من أن تفعل ذلك استطاعت أن تحوّل كلّ الّذين أتوا إليها لهذه المهمّة، حتّى إنّ الأسقف إربان حين أتى لزيارتها في منزلها عمد 400 شخصاً. كان أحدهم ويدعى جورديان Gordian رجل ذو مكانة في الدولة، أنشأ كنيسة في منزله كرّسها الأسقف إربان فيما بعد.
استشهادها
أخيراً أحضرت القدّيسة إلى المحكمة، فأخذ ألماخيوس يجادلها محاولاً التأثير عليها، فكانت تسخر منه ومن كلامه، فحكم عليها أن تخنق في حمّام منزلها، ومع أنّ النيران حميت سبعة أضعاف إلّا أنّ القدّيسة ظلّت يوماً وليلة دون أن يصيبها أيّة أذيّة، فأرسل الوالي إليها أحد الجنود ليقطع رأسها. ضربها الجنديّ ثلاث مرّات على عنقها وتركها ملقاة ظنّاً منه أنّها ماتت، إلّا أنّها ظلّت حيّة ثلاثة أيّام تنزف دماً، أتى خلالها المسيحيّون ليكونوا إلى جوارها، وسلّمت الأسقف إربان منزلها ليكون تحت رعايته، ثمّ دفنت بعد ذلك في عام 230م.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت