الولادة: –
الوفاة: –
كان طول حياته لا يضع على جسده سوى ثوباً خشناً، وعاش حياة إنكار للذات. ومع أنه لم يكن متعلماً لكنه حفظ الكتب المقدسة عن ظهر قلب، ولم يسكن في قلاية: بل كان يطوف ويعلم الجموع وبذلك كسب عدداً كبيراً للرب. باع نفسه لفرقة مسرحية كوميدية باع نفسه بعشرين ديناراً لفرقة مسرحية كوميدية في مدينة وثنية.
ولما حصل على المبلغ حفظه في حقيبة مختومة، وخدم الممثلين الذين اشتروه وكان يغسل لهم أرجلهم: واستطاع أن يصيرهم كلهم مسيحيين: وجعلهم يتركون المسرح. وكان القديس لا يأكل سوى الخبز الجاف والماء، ولم يتوقف لسانه عن تلاوة الآيات الكتابية.
تحريره
بعد فترة وجيزة أصبح كل هؤلاء الممثلين قديسين بعدما علّمهم وساعدهم على سلوك طريق البرّ، وسرعان ما عرفوا قدره فحرّروه من الرق لأنه حرّرهم من الوثنية.
فكشف لهم حقيقة أمره وطلب منهم أن يذهب إلى مكان آخر بعدما رد لهم المال الذي أخذه منهم.
في أثينا
سافر إلى أثينا وجاع هناك ولم يجد من يطعمه خبزاً ولم يكن يحمل مالاً ولا غطاء. ولما مرّ اليوم الرابع صعد إلى مكان عالٍ، حيث يجتمع أشراف المدينة وصرخ بصوت مرتفع: “يا رجال أثينا ساعدوني”. فلما تجمع حوله الناس قال لهم: “إني مصري الجنس وقد وقعت بين ثلاثة من الدائنين، رحل اثنان منهم عني بعدما أخذا مالهما، ولم يفارقني الثالث!” قال له الفلاسفة: “أرنا هؤلاء الدائنين لنساعدك”.
أجابهم قائلاً: “إنني منذ صباي أحببت المال والزنا وشهوة البطن التي تضغط عليَّ. وقد تحرّرت من الأولين، ولم أتخلص بعد من شهوة البطن، لأن لي أربعة أيام وهي تطالبني بالدين!” ظن الفلاسفة أنه اخترع ذلك لاحتياجه إلى المال فأعطاه أحدهم ديناراً اشترى به رغيفاً من الخبز. باع نفسه لهرطوقي في مدينة أخرى باع نفسه لمسيحي يتبع مذهب هرطوقي. فمكث معه في بيته سنتان، علّمه فيهما مبادئ الإيمان الصحيح. ولم ينظر إليه بعد ذلك كعبدٍ بل كأب وسيد وامتدح حكمته ومجّد إلهه الذي أرسله إليه. إلى روما مرة قرر الذهاب إلى روما وركب سفينة من الإسكندرية.
ومرّ اليوم الأول وجلس البحارة يتناولون طعامهم أما هو فلم يأكل، وهكذا حتى مرّ اليوم الرابع فسألوه عن سبب عدم أكله، فعرّفهم بأنه لا يحمل طعاماً ولا مالاً. فأشفقوا عليه وأطعموه إلى أن وصل إلى إيطاليا. كان هدفه من هذه الزيارة اللقاء مع راهبة اشتهرت بالبرّ الذاتي، فذهب لمن تخدمها وأعلمها بأنه قد أتى من عند الرب لزيارتها.
وبعدما انتظر يومين رآها وبادرها بالسؤال: “هل أنت حيّة أم ميتة؟” فأجابته قائلة: “إنني أؤمن أنني ميّتة”. فقال لها: “إنه من السهل على من مات عن العالم أن يفعل كل شيء ماعدا الخطية”، ثم أضاف قائلاً: “أخرجي من دارِك إلى خارج”، فقالت له: “إن لي خمسة وعشرين عاماً لم أخرج فيها إلى الآن”. فقال لها: “من مات عن العالم فخروجه ودخوله سواء”.
ثم أخذها وذهب إلى الكنيسة. في الطريق قال لها: “هل تستطيعين أن تخلعي ملابسك وتضعينها فوق رأسك في الشارع؟” فأجابته بأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك لئلا يتعثر الناس. فقال لها: “إن كنتِ قد متِّ عن العالم فهل يعنيكِ قول الناس أنك قد فقدتِ عقلك؟” ثم نصحها بألا تعتقد بأنها أصبحت أكثر كمالاً من غيرها. ولما وضع حداً لكبريائها ولقّنها التواضع الحقيقي عاد إلى البرية في وادي النطرون وعاش هناك ستّين عاماً، ثم تنيح بشيبة صالحة.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت