لا علاقة للآشوريين الحاليين الذين هم سريان شرقيين أو نساطرة بالآشوريين القدماء التي سقطت دولتهم سنة 612 ق.م.، ولم يرد اسم الآشوريون على السريان النساطرة في كل كتب التاريخ، لأن كنيستهم اسمها في التاريخ الكنيسة السريانية الشرقية أو المشرق أو الكنيسة الفارسية الساسانية، أو النسطورية، واسمهم واسم كل آباء كنيستهم في التاريخ هو السريان أو النساطرة، ولغتهم هي السريانية، وحتى في خضم الأحداث السياسية في القرن التاسع عشر فإن اسمهم في الوثائق المتبادلة بين الدول هو النساطرة أو أسماء قبائلهم وأشهرها تياري وتخوما أو القبائل المستقلة الجبلية (طورايا) أو وطن النساطرة أو الأمة النسطورية nestorian nation، وأن الاسم الآشوري ظهر في القرن التاسع عشر واقترن لأول مرة في التاريخ بصورة رسمية بأحد فروع الكنيسة فقط في 17 تشرين أول 1976م، أمَّا الفرع الآخر فاسمه كنيسة المشرق القديمة، وجميع الكتب التي أُلفت حديثاً من النساطرة الذين اعتمدوا الاسم الآشوري هي تبديل اسم النساطرة، السريان الشرقيين، أتباع كنيسة المشرق، التياريين، الجبليين، من كتب التاريخ إلى آشوري.
إن اسم الآشوريين أُطلق حديثاً على السريان الشرقيين النساطرة من الرحالة والمبشرين الانكليز الأنكليكان الذين أرسلهم رئيس أساقفة كارنتربري تحديداً، وأول من له علاقة بذلك هو الطبيب الانكليزي وليم آنسورث (1807–1896م) الذي قام في حزيران سنة 1840م برفقة المترجم العراقي عيسى رسام (1808–1872م)، بزيارة مناطق النساطرة في حكاري على رأس بعثة اسمها “بعثة استكشاف كردستان Expeditions For The Exploration Of Kurdistan وعلى حساب الجمعية الجغرافية الملكية Royal Geographical Society وجمعية تعزيز المعرفة المسيحية Society For Promoting Knowledge Christian التي كان قد أنشأها الانكليزي توماس بري سنة 1698م، والتقى آنسورث مع بطريرك النساطرة شمعون أبراهوم (1820–1861م) والشعب النسطوري وملك تياري إسماعيل وتبادل الآراء معهم بشأن تعزيز العلاقات بين الكنيستين النسطورية والأنكليكانية، ووعد آنسورث بنشر التعليم المسيحي وإنشاء المدارس وجلب مطابع لترجمة الكتب الدينية المكتوبة باللغة السريانية، ثم قدَّم تقريراً لرئيس أساقفة كارنتربري والجمعيات حول أوضاع وأعداد النساطرة، ونشر أبحاثه في مجلة الجمعية الجغرافية الملكية منها: زيارة الكلدان القاطنين في كردستان الوسطى وراوندوز في صيف سنة1840م.
1840م an account of visit to the chaldeans inhabiting central Kurdistan and of the peak of rowandiz in the summer of والرحلات والبحوث في آسيا الصغرى وميزوبوتاميا الكلدان وأرمينيا Travels and researches in Asia Minor Mesopotamia chaldea and Armenia
ثم قام رئيس أساقفة كارنتربري William Howley (1828–1848م)، وأسقف لندن Charles James Blomfield (1824–1857م) بإرسال بعثة تمهيدية إلى النساطرة برئاسة القس جورج بيرسي بادجر (1815–1888م) خبير المطابع واللغات الشرقية، يساعده زوج أخته عيسى رسام لمتابعة العمل وعلى حساب جمعية المعرفة المسيحية وجمعية نشر الإنجيل The Society for the propagation of The Gospel، فوصل بادجر أواخر 1842م حاملاً تحيات رئيس أساقفة كارنتربري وأسقف لندن، والتقى مع البطريرك السرياني الشرقي النسطوري أبراهوم أوائل سنة 1843م في قرية أشيتا (طورايا)، وبيَّنَ بادجر للبطريرك الفرق بين الأنكليكان والبروتستانت الذين كانت لديهم بعثات تبشيرية هناك، وحاول كسب البطريرك شارحاً له أن الأنكليكان أفضل من البروتستانت ونبَّهه من الانسياق ورائهم لأنهم يشرحون الكتاب المقدس كما يحلو لهم، وحثَّ بادجر البطريرك بالاعتماد على الكنيسة الأنكليكانية لتساعده روحياً وثقافياً لتستعيد الكنيسة الشرقية عزتها السابقة، فارتاح البطريرك لكلام بادجر وقال له إنه يحتاج بعض الوقت لدراسة تعاليم الأنكليكان والبروتستانت، وساند بادجر بعض كلدان الموصل الذين كانوا متمردين على بطريركهم نيقولاس زيعا فاستغل بادجر ذلك وحَرَّضَ الكلدان أكثر بهدف كسبهم إلى الكنيسة الأنكليكانية معتقداً أنه يكسب ود النساطرة في نفس الوقت. (المطران يوسف غنيمة، بطاركة الكلدان في الجيل التاسع عشر (مجلة النجم عدد 4 سنة 3/1930م، ص163)، والتقى بادجر مع البطريرك النسطوري خمس مرات لغاية 1850م، حصل خلالها على معلومات ومخطوطات سريانية كثيرة حول النساطرة، ونشر أبحاثه في كتاب طُبع في لندن سنة 1852م بعنوان النساطرة وطقوسهم Nestorians and their rituals The قال فيه إنه يجب على كنيسة انكلترا أن تساهم في مساعدة النساطرة روحياً.
[ads1]
بعدها جاء دور السياسي والآثاري الانكليزي هنري لايارد الذي قام من 1845م بعدة زيارات لاكتشاف آثار العراق، ولُقَّب لايارد”أبو الآشوريات وابن نينوى”، لأنه هو الذي أطلق على النساطرة لأول مرة اسم الآشوريين وساند لايارد عالم الآثار هنري راولنصون (1810–1895م) أبو الخط المسماري، ثم تعاون راولنصون ولايارد في إنشاء قسم الآشوريات لأول مرة في التاريخ في المتحف البريطاني الذي كان قد أُنشئ سنة 1753م، ولم يكن لايارد يعرف شيئاً عن الآشوريين في البداية إلاّ ما ذُكر عنهم في الكتاب المقدس والتاريخ عموماً، ولم يستعمل اسم الآشوريين بل النساطرة، ومنذ أن بدأ رحلته من حلب إلى الموصل يقول لايارد: يعيش بين السكان الأكراد عائلات من مختلف الطوائف المسيحية كالأرمن والكلدان والنساطرة، وقبل عدة سنين قامت مذابح بحق النساطرة، كما لم يكن يُفرِّق بين بابل وآشور وبين النساطرة والكلدان، إذ يقول في بداية رحلته من بغداد إلى مناطق النساطرة: “أجبرتني أحوالي الصحية للبحث عن مكان بارد ومنعش لأستريح فيه هرباً من حرارة الصيف، فقررت التوجه إلى الجبال التيارية المسكونة من قِبل المسيحيين الكلدان”، (لايارد، البحث عن نينوى ص15)، كما لم يكن يعرف لايارد شي عن اللغة الآشورية المسمارية القديمة وسَمَّاها في رسالة لوالدته في نيسان 1846م بلغة غبر معروفة أو الكلدانية، ثم كتبَ مذكراته سنة 1853م عن زياراته للشرق بعنوان “المغامرات المبكِّرة في بلاد فارس وبابل/انكليزي”.
عندما وصل لايارد إلى منطقة النساطرة الجبلين، لاحظ أنهم يمتازون بالبساطة في الاحتفالات والمراسيم الدينية على النقيض من الكاثوليك والطوائف الأخرى التي سمَّها خرافات وسخافات، لذلك فالنساطرة يستحقون حقاً أن يلقَّبوا “بروتستانت الشرق”، ( لايارد، السيرة الذاتية ج2 ص 108–175/انكليزي). ثم عَلِم أن مذابح كثيرة جرت بحقهم كان آخرها مذبحة بدر خان بك الكردي سنة (1843–1847م) التي ذهب ضحيتها الآف النساطرة، ولاحظ لايارد بأم عينه كيف يُعذِّب الأكراد النساطرة ويضربونهم بالعصي، وفوق كل ذلك انتبه أن النساطرة غير محبوبين حتى من الكلدان لأسباب عقائدية، وعلى إثر هذه الأمور بدأ لايارد يستعمل كلمة الآشوريين على النساطرة مفترضاً أنهم أحفاد الآشوريين القدماء، وخلال جولاته في مناطق النساطرة ذكَّرهم بالمأساة التي حلت بسقوط الدولة الآشورية، بعدها أصدر لايارد سنة 1849م كتابه “بقاياها نينوى أو البحث عن نينوى Nineveh and its remains” وحاز الكتاب على شعبية واسعة في انكلترا، ولقي تجاوباً عميقاً في نفوس النساطرة حيث قال أنهم وبقايا نينوى صنوان وهي تمتاز بالكيف وليس بالكم ويجب إنقاذ الصفوة الآشورية الذي طالما تغنى به بدرخان وحلفائهُ وذلك بالتأثير على الباب العالي من خلال السفير البريطاني، ثم قامت مجلة الشهر الجديد اللندنية magazine the new monthly بنشر مقال في عددها رقم (87–1849،344م)، قالت فيها “إنه يجب إنقاذ المسيحيين النساطرة ذو الماضي المجيد الذين هم أحفاد الآشوريين العظام، ومنذ ذلك الحين بدأت بريطانيا اهتمامها إلى النساطرة الآشوريين”، (الآشوريين في التاريخ، إيشو مالك خليل جوارو ص153).
في 11 نيسان سنة 1852م قدَّم عالم الآثار الانكليزي هنري كريسوك رولنصون بحثاً إلى الجمعية الآسيوية الملكية بعنوان “تاريخ آشور المستقى من الكتابات التي اكتشفها لايارد في نينوى”، وبين (1854–1855م) وصلت إلى بريطانيا نحو (25000) قطعة أثرية من التي اكتشفها لايارد، وأحدث وصول هذه الكمية ضجة شعبية واسعة في انكلترا ألهمت خيال الناس، فالمتدينون أعجبوا بها بعد أن رأوا التشابه بينها وما ورد في الكتاب المقدس عن الآشوريين، وأنها جاءت شاهداً مُبيناً على صحة الكتاب المقدس، وأصبحت تُنشر الاكتشافات الآشورية مقرونة بآيات من الكتاب المقدس، ومن جهة أخرى جعلت هذه الآثار المسرحيات والقصائد والأساطير عن بلاد آشور صورة حقيقة على أرض الواقع، وصارت بلاد آشور موضوع الإنشاء المُفضَّل لطُلاب المدارس في انكلترا ومادة دسمة للكُتّاب وراح قسم من الشعراء مثل ولتر سافج لاندر يتغنى بليارد واكتشافاته ويقول: سترتفع أغنيتي، ستردد في خرائب نينوى، لايارد! يا ذاك الذي أخرج المدن من التراب..الخ، وانتشرت القصص التي تتحدث عن قوة وشقاوة بابل وآشور مثل مغامرات حجي بابا لجيمس مورير وكتاب تسليات الليالي العربية (مأخوذة عن ألف ليلة وشهرزاد)، وقصيدة الشاعر جورج بايرون (1788–1824م) المنتشرة في انكلترا آنذاك بعنوان “هجوم سنحاريب” التي تقول إحدى أبياتها “هجم الآشوري كما يهجم الذئب على القطيع”، وغيرها.
كان رؤساء أساقفة كارنتربري قد تلقوا بين سنة (1844–1868م) رسائل كثيرة من النساطرة من بينهم ثلاثة مطارنة و 48 شخصية تدعوهم لمساعدتهم، وعلى إثر ذلك قام رئيس أساقفة كارنتربري Charles Thomas Longley (1862-1868م) بإرسال بعثة تمهيدية دينية سنة 1866م، قابلت البطريرك النسطوي في جوله مرك وبعض الأساقفة، وقد وجدت البعثة أن الشعب جاهل وحتى الأساقفة لا يجيدون القراءة والكتابة، وأن رجال دينهم أعرف بأقسام البندقية من الأمور الدينية، ومع ذلك فهم يتفانون من أجل معتقدهم.
ثم قام رئيس أساقفة كرنتربري كامبيل تايت Campbell Tait (1868–1882م) بتشكيل لجنة دائمة برئاسة إدورد لويس كوتس E.L.Cutts (1824–1901م) وإرسالها سنة 1876م لتفقد وضع النساطرة في جبالهم شمال تركيا والعراق وإيران، ومحاولة استمالتهم لتبديل مذهبهم، وفي الرسالة التي وجهها رئيس أساقفة كارنتربري إلى بطريرك النساطرة روئيل بنيامين (1860–1903م) قال: إن الهدف من إرسال البعثة هو تدعيم الكنيسة القديمة والاستنارة بها. وتحملت جمعية نشر المعرفة المسيحية نفقات البعثة، فقام كوتس بجهود تبشيرية كبيرة، وعمل إحصاء نُشر سنة 1877م بعنوان “المسيحيون تحت حكم الهلال (المسلمون) في آسيا”Christians under the Crescent in Asia، وقدم تقريره إلى الجمعية موضحاً فيه أن المرسلون الأمريكان يقومون بأعمال غير حكيمة بين النساطرة، واستاء الأمريكان من إشاعة مفادها أن كوتس اتفق مع البطريرك النسطوري على حصر تبشير النساطرة الجبلين بالانكليكان فقط.
[ads1]
سنة 1881م تأسست إرسالية باسم بعثة رئيس أساقفة كارنتربري إلى الآشوريين Mission Archbishop of Canterbury to the Assyrians وهي أول مرة في التاريخ تُطلق كنيسة ما على النساطرة اسم الآشوريين، وانتظمت البعثة سنة 1886م بوصول الراهبين جون ماكلين ووليم بروان الذي أصبح مقرَّباً للبطريركين روئيل بنيامين وبنيامين إيشاي (1903–1918م)، وقام بجهود كبيرة في تعليم القراءة والمبادئ الدينية إلى وفاته سنة 1910م، وأحبَّ بروان النساطرة كثيراً واكتسب تقاليدهم فجاراهم في مأكلهم وملبسهم مفترشاً الأرض مثلهم وبدا وكأنه رجل دين من القرون الوسطى، وكان من بين طلابه سورما وبنيامين، ويقول ميشيل هورنس +1982م المختص بتاريخ الشرق إن الراهب براون هو الذي لَقَّب سورما (1883–1975م) “lady أي السيدة”، (بعثة رئيس أساقفة كارنتربري للآشوريين، الدراسات الشرقية الآشورية 1967م، ص20–21)، وفي سنة 1890م وصلت اروميا راهبات من بيث عنيا sisters of bethany برئاسة مايلدرد ومساعدتها جوانة وكذلك ماري ومارثا وأخريات قمن بتعليم البنات الدين واللغة السريانية والجغرافية والتدبير المنزلي وغيرها.
استمرت البعثات الأنكليكانية بحيث لم تكن مناطق النساطرة تخلو من أعضاء بعثة كرنتربري إلى الآشوريين (وليم ويكرام، مهد البشرية ص 218)، ولم تنجح تلك البعثات بإقناع النساطرة بترك مذهبهم، لكنها نجحت بإقناعهم بعدم لياقة الاسم النسطوري وإن تسميتهم بالآشوريين ترفع من منزلتهم التاريخية في الأواسط العالمية (احمد سوسة، ملامح من تاريخ القديم لليهود العراق ص59)، وأخذت التسمية الآشورية تلقى اهتماماً كبيراً من الكُتّاب والمبشرين والسياسيين الانكليز في بداية القرن العشرين مثل، تيرو دانغان الذي زار سنة 1912م النساطرة وقام بترجمة الوصف الملحمي للملك الآشوري سرجون الثاني، وآرثر جون ماكلين (1858–1943م) الذي لعب دوراً ثقافياً وألّف سنة 1895م كتاب قواعد اللهجة السريانية الشرقية المحكية للنساطرة ووضع قاموساً لها سنة 1901م، والعقيد مونسيل قنصل بريطانيا في وان الذي تجول في المنطقة سنة 1900م وأصدر أكثر من كتاب حول النساطرة، ومس بيل (1868–1926م) مستشارة المندوب السامي البريطاني، والعقيد ستافورد صاحب كتاب مأساة الآشوريين سنة 1935م، وغيرهم.
وأهم الذين روجوا للاسم الآشوري هو وليم ويكرام (1872–1953م) الذي أرسله رئيس أساقفة كارنتربري سنة 1898م، وبقي هناك 24 سنة، واتخذ قرية بيباد غرب العمادية مقرَّاً لبعثة كارنتربري، وأقام علاقات مع البطريرك والشعب وأتقن اللغة السريانية وأسس مدرسة في قوجانس كان البطريرك بولس إيشاي (1918–1920م) أحد طلابها، وتمتع بمكانة خاصة لدى النساطرة لأنه ساعدهم كثيراً لدرجة أن قام بعض الكلدان سنة 1910م بتقديم عريضة له راجين منه نقلها إلى رئيس أساقفة كارنتربري يطلبون فيها تمكينهم العودة إلى الكنيسة النسطورية، وبناء على تطلعات الكنيسة الأنكليكانية واستجابةً لرغبة البطريرك بنيامين إيشاي الَّف ويكرام سنة 1909م كتاباً سَمَّاه “مقدمة في تاريخ الكنيسة الآشورية أو كنيسة الإمبراطورية الساسانية الفارسية”، وكان إهداء الكتاب إلى البطريرك نفسه، ويبدو من صيغة اسم الكتاب أن ويكرام كان ذكياً وحاول التوفيق بين توجهات الأنكليكان ورغبات البطريرك من جهة وبين الاسم التاريخي الدقيق من جهة أخرى، فركّز على الاسم الساساني الفارسي أكثر من الآشوري، لأنه يعلم أن هذه الكنيسة سُميت الفارسية في عهود كثيرة، ولم يرد اسم الكنيسة بالآشورية في المصادر التاريخية إطلاقاً، أمَّا سبب تأليف ويكرام للكتاب فيقول مُقدِّم الكتاب (van): إن هذه الكنيسة عُرفت في التاريخ باسم الكنيسة الشرقية أو السريانية أو الكلدانية أو النسطورية، وهذه مشكلة للقارئ الانكليزي الذي لا يُفرِّق بين الكنيسة الشرقية كالروسية واليونانية وبين الكنيسة الشرقية النسطورية (ويكرام، الكتاب المذكور، طبعة انكليزية 1909م، ص3)، ثم عدَّ ويكرام في كتاباته أن النساطرة هم أحفاد الآشوريين القدماء سالكاً طريقة الدكتور غرانت التي عدَّ فيها أن النساطرة هم أحفاد الأسباط العشرة من اليهود المسبيين إلى آشور، واستدلَّ على ذلك بمقارنة صور الإنسان الآشوري القديم على الألواح الأثرية وبين ملامح أحد كهنة النساطرة بلحيته في الوقت الحاضر، وعلى لغة وتقاليد النساطرة وغيرها، والمهم أن ويكرام لم يستعمل الاسم الآشوري للدلالة على النساطرة قبل بداية الحرب سنة 1914م، باستثناء كتابه أعلاه بل كان يستعمل دائماً الاسم النسطوري والسرياني وأسماء العشائر مثل التياريين وجيلويا، ويُسمِّي قراهم بالمسيحية أو النسطورية، وعدَّ أن الكنيسة النسطورية هي سريانية شرقية أساساً، وهذا اللقب أسنده لها مسيحيو أنطاكية والقسطنطينية ليميزوا منطقتهم في مملكة الساسانين عن الإمبراطورية الرومانية. (ويكرام، مهد البشرية أو الحياة في شرق كردستان ص 168،100،94،70،68 ،219/1920م)، ويجب ملاحظة أن اسم الكتاب شرق كردستان وليس آشور، وفي هذا الكتاب لم يستعمل ويكرام الاسم الآشوري في الفصول الستة عشرة الأولى التي نُشرت سنة 1914م، بل استعمل الاسم النسطوري مئات المرات بما في ذلك قوجانس والعمادية معقل القبائل النسطورية، وينطبق هذا على صور الكتاب إذ أن صور الفصول الأولى لا تحمل الاسم الآشوري بينما الفصول الأخيرة تحمل ذلك، والسبب سياسي وهو وقوف النساطرة إلى جانب الانكليز في الحرب ولذلك بدأ ويكرام يستعمل الاسم الآشوري بشكل مُركّز للدلالة على النساطرة في كتابه “حليفنا الصغير The smalles ally سنة 1920م، مقتبساً التعبير من رئيس أساقفة كارنتربري Randall Davidson (1903–1928م) الذي استعمله إبان الحرب في خطابه أمام مجلس العموم البريطاني حيث استعمل تعبير (حلفاؤنا الآشوريون) إشارة إلى النساطرة. (يوسف مالك، الخيانة البريطانية للآشوريين ص62)، علماً أن كتاب حليفنا الصغير أُضيف كجزء 17 إلى كتاب مهد البشرية عندما طُبع سنة 1920م.
بسبب الحرب نزح إلى العراق سنة 1918م هرباً من أرمينيا وإيران وتركيا حوالي (35000) نسطوري و (15000) أرمني، وقام الانكليز بإسكانهم في مخيمين الأول قرب بعقوبة (مخيم الآثوريين)، والثاني قرب الموصل (مندان)، وكان مخيم بعقوبة بإمرة الجنرال هنري اوستن وتحت إمرته آمر سرية الحماية جورج ريد الذي ساعد الآشوريين سياسياً وقومياً، فأتقن لهجة النساطرة السريانية، وألّف كتاب البعثة التبشيرية لرئيس أساقفة كارنتربري لدى الآشوريين، وتم تعيين ويكرام لمساعدة اللاجئين، فاقترح على رئيس أساقفة كارنتربري إعادة فتح الإرسالية التي توقف نشاطها مؤقتاً بسبب الحرب على أن تُفتح في مدينة الموصل، لكن المندوب السامي البريطاني برسي كوكس رفض الفكرة، وعلى إثرها أُنهيت خدمات ويكرام وغادر العراق في آذار سنة 1922م، وصدر له كتاب آخر سنة 1929م بعنوانThe Assyrians And Their Neighbours, وترجمه الآشوريين “الآشوريون وجيرانهم” بينما ترجمه السريان “السريان وجيرانهم”.
معلومات جميلة ونادرة وبحث رصين