في يوم عيد الميلاد بعام 2008، حضر المسيحيون منذ الصباح الباكر الى كنيسة “القلب المقدس” في منطقة الكرادة ببغداد، وبالرغم من ان المسيحيين قد اصبحوا بالفعل هدفا للمسلحين في العراق نظراً للحرب الاهلية التي كان يشهدها البلد، الا ان الالاف منهم حضروا الكنيسة بدون تردد او خشية، وادوا صلاتهم وبعدها احتفلوا على طريقتهم الخاصة خلال استعراضهم لسانتا كلوز في الحديقة الامامية للكنيسة.
ولّت تلك الايام، ونعم العراقيون عموماً بنوع من الاستقرار النسبي في عامين 2009 و2010 بعد نجاح الخطة الامريكية في العراق، وتراجعت على أثرها الهجمات المسلحة بحق المسيحيين من قبل متمردين تابعين للسنة والشيعة في البلد. الفاجعة زادت على المسيحيين هذا الصيف بعد وصول مسلحي “داعش” مدينة الموصل امام انسحاب مفاجئ للجيش والشرطة الاتحادية، ليتركوا 200 ألف مسيحي عرضة للاستهداف من قبل المتمردين الذين يسيطرون على مدينة الموصل اليوم بالكامل.
المسيحيون بنزوحهم هذا، يعد الاول من نوعه منذ 1600 سنة عندما غادروا العراق بسبب الحروب القديمة التي القت بظلالها عليهم.
وقال المطران الكلداني فرنسيس قلابات الذي يقيم في ولاية ديترويت الامريكية، “كنت قد حضرت في الاسبوع الماضي جلسة استماع في مجلس الشيوخ الامريكي ودار النقاش حول كيفية انقاذ مسيحيي الشرق الاوسط من العنف ولاسيما في العراق بعد الهجمة الاخيرة التي لحقت بهم، فكان الإجماع في الجلسة، ان هناك جهود تسعى لإخراج المسيحيين من الشرق الاوسط عموماً والقضاء على مسيحيي العراق بشكل خاص، بدليل ان المسيحيين كانوا يمتلكون في العراق 350 كنسية، صارت اليوم 40 كنسية فقط في عموم العراق بعد تعرض غالبيتها الى التفجيرات فضلاً عن استهداف المدن الاثرية والتاريخية القديمة في الموصل”.
ويقدر المطران الكلداني قلابات، إن المسيحيين الموجودين في العراق قد قل تعدادهم من مليون الى 400 الف مسيحي لاجئ في عموم العراق او ما يسمى اليوم بالنازح الداخلي.
وانتقد المطران الكلداني، الولايات المتحدة ودورها السيء في العراق لان احتلالها للبلد كان سبباً وراء تهجير المسيحيين الذين هم ضحايا الغزو الامريكي على البلد، واعتبر المطران ان امريكا مارست خططاً سيئة، اهمها الانسحاب الامريكي من البلد الذي كان سبباً رئيسياً وراء الهجمات التي لحقت بالمسيحيين على مدى الاعوام الماضية، كون الانسحاب زاد من الانقسام المجتمعي والاحتقان الطائفي بسبب سياسات رئيس الوزراء السابق.
وعدّ قلابات، غياب الوحدة الوطنية الحقيقية في العراق هو السبب الاخر بصعود تنظيم “داعش” الى الموصل وظهوره بهذه الوحشية.
ويجمع الاسافقة والمطران في الكنائس المختلفة بالشرق الاوسط، ان الملوك والحكام العرب هم الاساس في استهداف المسيحيين وتعمد ازالتهم من المجتمع العربي، بدليل ما جرى في الانتفاضة المصرية بعام 2011 عندما استهدف رجال الامن المصري عدد كبير من المسيحيين في ميدان التحرير.
ويقول المسيحيون، ان ثورات الربيع العربي جاءت لتحطم التنوع الاجتماعي كون الانظمة الشمولية التي أزيلت تم استبدالها بأنظمة “إسلامية متشددة”.
ولجأ المسيحيون، الى اقليم كردستان العراق هرباً من بطش مسلحي “داعش” في حزيران الماضي عندما وقعت مدينة الموصل بيدهم، فنزحت نحو 200 الف عائلة مسيحية الى كردستان، لتبدأ هناك معاناة جديدة في ايجاد فرص عمل كون السلطات الكردية لا تستطيع استيعاب حجم العوائل الكبيرة في ظل ازمتها المالية التي كانت تمر بها، بسبب سياسات رئيس الوزراء المالكي عندما كان حاكماً للعراق.
وعانى المسيحيون الاضطهاد على يد العرب حينما كان صدام حسين في السلطة قبل الاحتلال الامريكي، اذ مورست بحقهم سياسات التهميش والتمييز العرقي التي كانت غير ملموسة بشكل واضح لكنها موجودة ولا يمكن إنكارها.
وبعد هذه المعلومات، تثير مسألة المسيحيين جملة من الاسئلة حول مستقبلهم المجهول في العراق، فهل المسيحيين سكان العراق الاصليون؟، وهل الموصل مدينتهم الاصلية؟، وهل سيستطيعون العودة في يوم ما الى ديارهم الاصلية؟، وماذا ستفعل امريكا والمجتمع الدولي والاكراد للمسيحيين في العراق، ام ان التنوع الاجتماعي انتهى بالعراق؟.
اجاب المطران الكلداني فرنسيس قلابات، على هذه الاسئلة المطروحة خلال مقابلته عبر “سكايب” قائلاً، “المسيحيون وبعد نزوحهم الى كردستان انشغلوا في كيفية توفير فرص عمل لهم، فكثير منهم اشتغل عامل نظافة في العاصمة اربيل فهم الان غير معنيين بهذه الاجابات بقدر ما هم منشغلون في كيفية تأمين لقمة العيش وتوفير المال الجيد لاطفالهم لدفعها كأقساط شهرية في المدارس الكردية لانها غالية، فضلاً عن انشغالهم في البحث عن مأوى جيد بدلاً من السكن بالمباني غير المكتملة في ظل برودة الشتاء هذا”.
صحيفة ميامي هيرالد الأمريكية، ترجمة: أحمد علاء