يراد له أن يكون أكبر صليب في آسيا. فالصليب الاسمنتي الضخم، الذي يرتفع 43 متراً، قد بدّل أفق كراتشي، المدينة الساحلية في جنوب باكستان، وهي عاصمة إقليم السند.
وتنصهر في بوتقة كراتشي، المدينة ذات الـ23 مليون نسمة، جماعات عرقية ودينية، إضافة إلى استقبالها مجموعات كبيرة من المهاجرين. وتعيش الغالبية المسلمة الناطقة باللغة الأردية، جنباً إلى جنب العديد من الأقليات مثل: السندين، البلوش، البنجاب، البشتون، الغجر، الكشميريين، وأكثر من مليون لاجىء أفغاني. كما يتواجد الآلاف من البنغال والعرب والإيرانيين واللاجئين المسلمين من بورما.
يسود في مجتمع كراتشي العنف والجماعات الإجرامية، وتتواجد على الساحة قوى معارضة، تتنافس فيما بينها على إدارة عمليات الإتجار بالبشر الغير مشروعة. ففي السنوات الأخيرة، دقّت الكنيسة الكاثوليكية ناقوس الخطر، داعية إلى العيش السلمي في المنطقة.
وفي خضم تعدديتها الفطرية والفوضوية، تمثل كراتشي المكان الذي تتمتع فيها الجماعات الدينية الحريات، والتي يصعب العثور عليها في مكان آخر في البلاد. وهو ما يشهد لهذه الفكرة رجل الأعمال المسيحي، برفيز هنري جيل، من مدينة كراتشي.
فبرفيز، الذي يقول أنه تصرف بإلهام من الله، موّل لإنشاء صليب يعلو 43 متراً في مقبرة مسيحية، وسط المدينة، موضحاً أن الصليب الاسمنتي، الذي “سيصمد حتى أمام إطلاق النيران”، “يظهر أن لدى المسيحيين حرية دينية”. وقد أثار البناء شبه المكتمل النقاش داخل المجتمع المسيحي أولاً، وقبل كل شيء. فالكاثوليك يقولون أن المبادرة هي “أكثر من أجل الظهور، من كونها علامة حقيقة للإيمان”.
وفي تصريح لموقع “الفاتيكان إنسايدر”، لم يتردد الكاهن الكاثوليكي في كراتشي، ماريو رودريغيز، الذي كان رئيساً للأعمال الإرسالية البابوية في باكستان، في التعبير عن معارضته على إنشاء الصليب. يقول “ما هي الحاجة من إقامة هذا الصليب؟ المسيحيون في باكستان لديهم إيمان قوي ومتجذر بعمق. لدينا ما هو أروع؛ الكنائس الشامخة. فنصب من هذا القبيل يمكن أن يفسر على أنه محاولة للسيطرة ويحفز الجماعات الإسلامية المتطرفة للرد عليه”.
ومع ذلك، أظهرت ردود فعل العكس تماماً. وفقاً لبعض المسلمين فإن الصليب “يثبت أن الأقليات في باكستان تتمتع بحرية كاملة”، والبعض يرى على أنها “قدرة هائجة” بدلاً من التعبير عن المشاعر الدينية بشكل نقي.
تقول اللجنة الأسقفية ’عدل وسلام‘: “كراتشي هي مدينة من دون سلام. فالجماعات الإرهابية آخذة بالتفشي. ويبدو أن الحكومة عاجزة، وغير قادرة، على وقف العنف”.
وتبدو الأرقام الحالية لتكون كراتشي المدينة الأكثر عنفاً في باكستان. فحوالي عشرة أشخاص يقتلون في المدينة كل يوم نتيجة لأعمال العنف، وقد تم تسجيل 2500 ضحية عام 2012، وقد ارتفع هذا ليصبح 3200 عام 2013، و2900 عام 2014. وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2015، تم تسجيل 400 حالة وفاة، وقد قتل 42 شخصاً في مجزرة أيار الماضي عندما أطلق إرهابيون النار على حافلة تقل مصلون ينتمون إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي.
كما تجري اشتباكات بين الأحزاب السياسية وأجنحتها الإرهابية المسلحة، في حرب دموية لا تتجنب منها الأقليات الدينية. وقد أعلنت حالة التأهب القصوى عندما وصلت تأكيدات تفيد بأن فصائل طالبان بدأت تعمل بنشاط في المدينة. والجدير ذكره، أنه تم استهداف المسيحي عيسى ناجري، في أحد الأحياء الفقيرة التي يسكنها 50 ألف مؤمن.
وكراتشي هي موطن لبعض الكنائس الأجمل والأقدم في باكستان. فالطراز القوطي الحديث لكاتدرائية القديس باتريك الكاثوليكية هو دليل على عظمة الحكم البريطاني خلال العصر الذهبي للكاتدرائية. وتعمل الكنيسة، التي تأسست عام 1878، في خدمة أقدم الرعايا المتواجدة في البلاد.
وكنيسة القديس أندراوس هي أيضاً جديرة بالملاحظة. فقد بنيت من قبل الاسكتلنديين عام 1868، بجرسية ترتفع 41 متراً، وهي رمز للعلاقات بين إقليم السند واسكتلندا. كما تتميز كنيسة القديس لورنس بلونها الوردي وهندستها المعمارية على الطراز المغولي. ففي عام 1981، احتفلت بيوبيلها، وقد بارك البابا يوحنا بولس الثاني الحجر التذكارية خلال زيارته إلى باكستان في العام ذاته.
ويتذكر الكثير من المسلمين، انضمام محمد علي جناح، مؤسس دولة باكستان، إلى الجماعة المسيحية في احتفال خاص بمناسبة استقلال البلاد في 14 آب 1947. وقد أقيم الحفل في كاتدرائية الثالوث الأقدس الأنغليكانية، الكنيسة الأقدم في باكستان، وقد أقيمت عام 1849، وهي تعرف باسم “كنيسة الشفاء”.
وفي الختام، يؤكد برفيز هنري جيل أن “الصليب يرمز فقط إلى الله”. ولكن حجم الصليب يؤثر في الرسالة. وأن إقامة الصليب في مقبرة كراتشي يمكن أن يكون له نتائج عكسية في حقيق الوئام بين مختلف الأديان.
بقلم: باولو أفاتاتو ، ترجمة خاصة لموقع أبونا