هذا المقال بقلم أندرو دوران، مؤسس في مجموعة الدفاع عن المسيحيين، وكان ضمن الأمانة التنفيذية للجنة الوطنية الأمريكية لليونسكو في وزارة الخارجية الأمريكية. الآراء الواردة أدناه تعبر فقط عن رأيه.
بغداد، العراق — يقف الكلداني صفاء إلياس جاجو، ذو الأربعين عاماً، وسط حطام منزل في تلسقف بمحافظة نينوى العراقية. استُخدم المنزل كمقر لتنظيم داعش في المنطقة حتى هدمته غارة جوية للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في العام الماضي.
فوق جاجو، مروحة سقف تتدلى إلى الأسفل، ذائبة ومتفحمة؛ عند قدميه، صاروخ أطلقه داعش على المنزل بعد تراجع الجماعة الإرهابية ورزنامة احترقت أطرافها من الانفجارات، تحمل أيقونة “بشارة” مريم العذراء -الدلالة الوحيدة على أن المنزل كان يعود لمسيحي.
تلسقف هي موطن جاجو، وحتى عام 2014، كانت موطنا لـ12 ألف مسيحي. كان جاجو آخر مسيحي يغادر البلدة عند تقدم داعش إليها في العام الماضي، وكان أيضاً أول من عاد إليها بعد اتجاه التنظيم نحو الموصل.
يقف جاجو بصمت، بجانبه جندي مسيحي شاب يحمل بندقية كلاشينكوف. جاجو من عائلة محلية معروفة، وقد خدم في جيش صدام حسين قبل عقدين من الزمن مما يجعله الأنسب لقيادة قوات سهل نينوى المحلية، التي هي إحدى الميليشيات المسيحية في شمال العراق .
تفتقر تلسقف لعلامات الحياة الأساسية، فالعشب ميت والمنازل مهدمة. يشير جاجو إلى منزل قائلاً: “اتصلت داعش بصاحب هذا البيت”، الذين كانوا قد هربوا “، وأخبروه انهم سيطبخون فيه.”
حاول جاجو إقناع بعض جيرانه الذين غادروا العراق بالعودة إلى تلسقف. يقول: “لن يعودوا حتى تتحرر”. يأمل جاجو ورجاله أن يساهموا في هذا التحرير. ويقول جاجو عن وحدته: “لدينا ما يقرب من 500 عنصر”. غير القوة الصغيرة في تلسقف التي لربما هي 12 عنصرا ينتشر سائر أفراد القوة في بقية أنحاء نينوى وإقليم كردستان وتعمل تحت إشراف حكومة إقليم كردستان وميليشياتها، البشمركة.
لكن الوضع نظري أكثر منه عملي: فقد مضت أشهر على انتظار جاجو لوزارة البشمركة لتجهيز معاملته .
مثل البشمركة، ترتبط الميليشيات المسيحية بالأحزاب السياسية. مكاسب داعش في العراق العام الماضي أدت إلى وحدة سياسية أكبر بين الفصائل الكردية المتنافسة، الأمر الذي أدى بدوره إلى مزيد من التعاون بين وحدات البشمركة. ولكن المسيحيين مازالوا منقسمين، حيث أنه لا توجد ميليشيا مسيحية واحدة، ولا إجماع بين المسيحيين على الدور العسكري أو السياسي في تلسقف. ويرى جاجو أملا لمسيحيين في إطار كردستان، بدلاً من الحكومة المركزية العراقية.
كآخرين كثر، يقول جاجو إنه يتطلع إلى لغة دستور حكومة إقليم كردستان بأن يدعو إلى “الحكم الذاتي الخاص” للأقليات. كما يطلب أيضاً المساعدة من الولايات المتحدة والغرب قائلاً: “نحن بحاجة للدعم، ونحن في حاجة إليه بسرعة. نريد للقتال.”
البشمركة أيضاً لديهم نفس الطلب، لكن المشكلة هي أن القانون الأمريكي يحظر شحن الأسلحة إلى أي حكومة غير شرعية، لذلك يجب أن تأتي الأسلحة من بغداد. من جانبهم، فإن الأكراد يفضلون خدمة المسيحيين في قوات البشمركة. هناك عدد قليل من المسيحيين الذين يخدمون بالبشمركة، في حين يتدرب آخرين لحماية نينوى بعد تحريرها من داعش.
جاجو مُصر أن الحصول على الخبرة قتالية للقتال جنباً إلى جنب مع البشمرجة مهم جداً، قائلاً: “لقد طلبنا العمل في الجبهة ولكن لم نعط الفرصة… إذا كان هناك خطة لتحرير المناطق المسيحية، نحن نريد أن نكون جزءا منها”.
يعترف جاجو بأنه جند “ربما 30 أو 40” رجلا من عشرات آلاف المسيحيين الذين يعيشون في عنكاوا، على الطرف الشمالي من أربيل، حيث هرب العديد من المسيحيين إلى عنكاوا من بغداد ومناطق أخرى في العراق بعد غزو عام 2003.
يقول جاجو: “هذه هي المشكلة الكبرى: 670 أسرة فقط من تلسقف انتقلت إلى بلدان أخرى، الحل الوحيد هو تحرير نينوى”. ولكن من غير المرجح أن يحدث ذلك قريبا. إذ يفتقر الأكراد قوة النيران والتدريب، حيث اعتادوا أكثر على الحرب الدفاعية. أما الجيش العراقي، بالرغم من كونه أكثر تجهيزا من داعش أو البشمركة، قد أثبت أنه أقل فعالية منهما.
كما أنه من غير المرجح أن تضع الولايات المتحدة قواتها على الأرض، باعتبار أنها مشكلة على العراقيين حلها. الخسائر التي ستنجم عن القتال في المناطق الحضرية لإخراج داعش من الموصل تفوق ما يمكن للأكراد والجيش العراقي أو الولايات المتحدة تحمله.
بصرف النظر عن أن بعض المسيحيين يفضلون حكومة كردستان على الحكومة في بغداد، يعتقد بعضهم أنه يتم استخدامهم كرهان سياسي من قبل الأكراد لكسب ود الحكومات الغربية.
وقف جاجو لالتقاط صورة مع قواته، رجال مسيحيون في عشرينياتهم. تلقوا تدريبا أساسيا وحصلوا على أسلحة، ولكن لم يتم اختبارهم. يرى المرء في وجوههم مزيجا من الشجاعة والخوف والشدة والإحباط.
يقول مترجم أميركي: “يمكن أن يكونوا بسهولة في عنكاوا، ولكنهم هنا، ليسوا هناك.” إنه معجب بشجاعتهم بالرغم من قلة عددهم. وضع المسيحيين في كردستان العراق سوف يناقَش كثيرا في الأشهر المقبلة. السياسيون المترددون في تأييد استقلال كردستان علناً سيكونون أكثر ترددا في تأييد حقوق الأقليات.
في تلك الأثناء تبقى العديد من بلدات نينوى إما تحت احتلال داعش أو مهجورة تماما. تلسقف قد تقدم لمحة عن مستقبل المسيحية في العراق.
– See more at: http://www.ishtartv.com/viewarticle,61864.html#sthash.0B2xgIqN.dpuf