هذه الايه الكريمة التي نطقها السيد المسيح أثارت كثيرمن التفسيرات وحملت ما لاتحمل لابل اصبحت علاقة علق الكثير ضعفهم وجبنهم لأنهم قرأوها قراءة حرفية مغلوطة ؟ نعم قراءة حرفية خاطئة لأن الفهم الحرفي للآية لا يؤدي الى ما يريدون ان ينسبوا اليها من ضعف ! عندما يفسرونها بأن من لطمك على خدك الايمن فأدرله الخد الثاني ليلطمك عليه ؟
ولكن لننتبه عندما يضربك انسان لا تأتي الضربة على الخد الايمن بل بالعكس على الخد الايسر (حيث اغلب الناس يستعملون اليد اليمنى) فأذا سياق الكلام يفترض التفيسر الروحي وليس الحرفي فليس الخد بمعنى خدود الوجه وليس اليمين بالمعنى الحرفي ؟
الوصية وردت في انجيل متى 38:5-39. فتفسير اي آية في الكتاب يجب تفسر في سياق الكلام الذي قيلت فيه، وليس تفسير لآية فردية.
هذه الايه قيلت في الاصحاح الخامس من البشارة بحسب القديس متى الرسول والمعروف بالعظة على الجبل وهنا اودون النص الانجيلي الذي قيلت فيه هذه الآية لكي تفهم في سياقها: ( لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمل. فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات. واما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات. فاني اقول لكم انكم ان لم يَزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات، قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. واما انا فاقول لكم ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم. ومن قال لاخيه رقا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا احمق يكون مستوجب نار جهنم. فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك. كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق. لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن. الحق اقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير. قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن. واما انا فاقول لكم ان كل من ينظر الى امراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم، وقيل من طلق امراته فليعطها كتاب طلاق. واما انا فاقول لكم ان من طلق امراته الا لعلة الزنى يجعلها تزني. ومن يتزوج مطلقة فانه يزني، ايضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث بل اوف للرب اقسامك. واما انا فاقول لكم لا تحلفوا البتة. لا بالسماء لانها كرسي الله. ولا بالارض لانها موطئ قدميه. ولا باورشليم لانها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف براسك لانك لا تقدر ان تجعل شعرة واحدة بيضاء او سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر ايضا. ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سالك فاعطه. ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده، سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا الى مبغضيكم. وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات.فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم. اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون. اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السموات هو كامل ) (متى 38:5-39.)
هنا يتحدث السيد المسيح عن الوصايا الالهية في العهد القديم وما يعلم هو من وصايا لعهده الجديد وهو يقول له المجد: (لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمل). كان هناك وصايا ولكنها كانت ناقصة وهو دعاها صغرى 19:5 فاعطاها فهما روحيا للارتقاء بالانسان الى حالة روحية سامية ودعى الى الكمال في عيش هذه الوصايا، لم ينقض الوصية بل اجتث اسباب الخطيئة وسمى بالوصية الى الكمال. تحدث عن القتل ، الزنى ، الحلف ، الانتقام ، محبة الاعداء .
فعندما تحدث عن القتل قال: سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. واما انا فاقول لكم ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم.
وعندما تحدث عن الزنى قال: سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن. واما انا فاقول لكم ان كل من ينظر الى امراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.
السيد المسيح هنا لم يلغي وصية لا تقتل او لا تزني أو غيرها من الوصايا ولكنه اعطاها فهما روحيا واجتث السبب المؤدي اليها، لاتغضب فلا تصل الى القتل ولا تنظر نظرة شهوة لئلا تصل الى الزنى وهكذا بقية الوصايا والتي منها:( سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر) هنا ايضا الوصية لم تُلغى ولكنه اعطى افضل منها ربما يعترض كثيرين على كلامي هذا ولكني اقول كما انه لم يلغي وصية لا تقتل او لا تزني او او ولكنه اعطى افضل واسمى منها، هكذا هنا: لئلا تصل الى الانتقام كن حكيما واكسب الاخر لتصل الى السلام؟ يجب ان يكون حكمة في التصرف، متى تقبل الضرب ومتى ترفض ومتى ترد ، ودائما الهدف هو السلام وكسب الاخر بالمحبة والتسامح.
حتى في العهد القديم كان القصد منها ردع الناس عن الخطيئة اذ تقول الوصية كما وردت في سفر التثنية: لا يقوم شاهد واحد على انسان في ذنب ما او خطية ما من جميع الخطايا التي يخطئ بها.على فم شاهدين او على فم ثلاثة شهود يقوم الامر. اذا قام شاهد زور على انسان ليشهد عليه بزيغ ،يقف الرجلان اللذان بينهما الخصومة امام الرب امام الكهنة والقضاة الذين يكونون في تلك الايام. فان فحص القضاة جيدا واذا الشاهد شاهد كاذب قد شهد بالكذب على اخيه فافعلوا به كما نوى ان يفعل باخيه. فتنزعون الشر من وسطكم. ويسمع الباقون فيخافون ولا يعودون يفعلون مثل ذلك الامر الخبيث في وسطك. لا تشفق عينك.نفس بنفس.عين بعين.سن بسن.يد بيد.رجل برجل.(تثنية 15:19-21)لاويين 20:24
لنفترض ان شخصين واعيين اختلافا في موضوع ما وتشاجرا الى ان وصلت حالة الغضب باحدهما ان يصفع الاخر، حكمة الذي ضُروب تجعله ان لايرد ضربه بضربة، وهنا الانسان (الواعي) الذي ضَرَبَ يندم على تسرعة وتهوره، كيف لجئ الى هكذا اسلوب ونزل الى هكذا مستوى، فيعتذر من الذي اساء اليه، وهنا كسب الانسان اخاه الانسان وبقيا في حالة سلام وتزداد اواصر المحبة اكثر مما قبل.
اما اذا شخص واعي واخر جاهل (مغسول الدماغ) تشاجرا، اكيد الجاهل سيضرب اولا واذا رد عليه الواعي بكلام وعتاب فأن الكلام لن يجد مستقر في ذهن الجاهل لان دور العقل مغيب عنده واذا ادار له الاخر فأنه سيضرب ويضرب الى ان يبقيه جثة هامدة ؟
فأين الحكمة في ان تترك انسان جاهل ينهي حياتك او يهدر دمك او يذرف دمعك ؟ حياتك الله وهبك اياه وله وحده السلطان عليها، ودمك ودمعك ليسا رخيصين حتى يتلاعب بها الجهال !
السيد المسيح عندما ضرب في يوم المحاكمة من الجندي لم يدر له الخد الاخر بل اعترض وقال : ان كنت قد تكلمت رديا فاشهد على الردي وان حسنا فلماذا تضربني.(يوحنا 23:18).
ويوم دخوله الى الهيكل وراى الممارسات الخاطئة وانتهاك المقدسات لم يقل لهم الله يسامحكم، بل دفعته غيرته ان يستعمل العنف ويطرد المسئين من بيت الله .
ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما والصيارف جلوسا. فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل. الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم، وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا.لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك اكلتني. يوحنا 14:2-17.
التسامح بحقي الشخصي لكي اكسب الاخر، والغفران على اهانة شخصية، والتنازل عن حقوق وممتلكات ارضية هو ترفع وتسامي للأنسان يدل على ايمان واخلاق رفيعة وحكمة سامية. ولكن عندما تداس المقدسات وتنتهك الاعراض فغيرة الانسان يجب ان تدفعه الى رد العنف ورفع الظلم بأي وسيلة ممكنة، فهذا حق مشروع والا يسمى جبن وليس تسامح.
والسيد المسيح لم يكن جبانا ابدا ولم يعلم التخاذل، بل كان شجاعا ثوريا فأي ثوري عمل ما عمل السيد المسيح؟ غير وجه العالم، قبله كان حال وبعده اصبح في حال افضل، صار هو حجر الزاوية ، مركز العالم، ميلاده اصبح المقياس لتاريخ العالم فاصبحوا يقولون قبل الميلاد وبعد الميلاد. ملوك ورؤساء، دول ومبراطوريات، امم وشعوب، قبائل وعشائر، دانت له واعترفت به فادياً مخلصاً ورباً.
لم يُهادن فاعلي الشر ابداً بل قَرَّعَ رجال الدين الذين كانوا يستغلون الدين لمئارب شخصية ويتسلطون على رقاب البشر قائلا لهم: ياولاد الافاعي …ويل لكم ايها المراؤون… انتم قبور مبيضة… يافاعلي الاثم.
وعندما جاء اليه الفريسيون يحذروه من ان الملك هيرودس يريد ان يقتله قال لهم: امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها انا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث اكمل. لوقا32:13
هنا وجّه تقريعا للسلطة الزمنية بشخص اعلى مرتبة، لانه فعلا كان محتالا، فقوله ليس شتيمة او اهانة انما جاء وصفا لحالة قاتمة،فاذا الحكمة في التصرف متى اقبل ومتى ارفض ومتى وكيف ارد، ودائما الهدف لكي اكسب الاخر ونصل الى السلام والامن والمحبة.
بقلم: الاب ايوب اسطيفان السويد