اسمع من الناس، ولا أزال عن صعوبة تطبيق هذه الوصية التي طالبنا بها السيد المسيح. ورغم أن حياة الانسان لا تخلو من منغصات وتجارب مرة، وآلام مختلفة لكنها تعبر تارة ، أو يكون لعامل الزمن الدور الأساس في تجاوزها. كذلك يوجد أنواع من الضربات تستمر لزمن طويل، أو تتكرر، أو تكون قوية جداً، وخاصة تلك التي تتلقاها من أناس لم تتوقعها منهم، ولأنها ضربة فحال من يأكل العصي ليس كمن يعدها، وعبور الانسان في تجربة الضرب خير مقياس لمدى تطبيقه لهذه الوصية الصعبة جداً جداً، لكنها هامة ولازمة. لذلك فأولادك يارب يُشتمون ويُساء إلى سمعتهم. أولادك يُشتكى عليهم، لكنهم لا يرفعون الشكوى إلا لك وحدك. أولادك تحاك ضدهم الأكاذيب لكنهم لا يردون ويؤمنون أنك تحارب عنهم، وتنقذهم من كل ما يُدبر لهم في السر أو العلانية.
لقد صرنا ندرك أكثر فأكثر حال الشاة التي تساق إلى الذبح ولا تفتح فاها. صرنا نسامح سبعين مرة ونغض النظر عن إهانات نسمعها أو نقرأها من أناس يظنون أنهم يدافعون عن الحق والتاريخ، ونحن نصمت لأنه ليس خفي لن يعرف، والحق يعلو ولا يعلى عليه، والتاريخ لا يعترف بالظالمين، بل يذكرهم بالخيبة. نحن لسنا قديسين، ونعترف أننا خطاة، لكن أنت يارب ستدين سرائر الناس، ولم ولن تعطي الدينونة لأحد من أتباعك فكيف يتجاسر هؤلاء الضاربين أن يجلسوا في كرسي حكمك ويصدرون أحكامهم . نحن لا نبرر أنفسنا، لكننا لا زلنا نُدير الخد الأيمن، ونحن نختبر حلاوة الثقة بك والاتكال عليك.
نختبر حلاوة تسليمك المشيئة لتحمل أحمالنا، وترد عنا وتمتعنا بسلامك العجيب. نُدير خدنا الأيمن بشجاعة، ونرجو ألا يستغلوا ذلك، فيتمادوا أو يظنوا صمتنا ضعفاً. لذا أرجوك اكشف لهم يارب أن النور لا يجتمع مع الظلمة لذلك ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس. ليس لأجلنا فقط لأننا نُسر بتطبيق وصاياك بما فيهم هذه الوصية لكننا نطلب لأجلهم حتى لا يكونوا لعبة في يد ابليس اللعين الذي يدور ملتمساً من يبتلعه.
أرجوك احميهم من شروره وسمومه، احميهم من ضعفاتهم ومحارباتهم. أرجوك يارب ألمسهم بلمسة شفاء، واعطيهم كما أعطيتنا أن يعودوا إلى ذواتهم ويتحدثون معها بصدق، يدركون سلبياتهم وايجابياتهم، ويسألون أنفسهم: لماذا يضربون غيرهم؟ وهل يستحق ما يضربون لأجله أن يهينوا إخوة لهم . اكشف لهم أنهم يتعلقون بأرضيات ونسوك أنت الاله الحقيقي. اكشف لهم أرجوك أنهم يمجدون الأموات، ونسوك أنت الاله الحي المنتصر على الموت.عرفهم حقك وحررهم كما حررتنا من الانسان العتيق، أعلن لهم مجدك وألبسهم رداء التقوى واسكب عليهم من روحك القدوس. هم أولادك ولا ينقصهم فطنة وغيرة مقدسة لكن ما ينقصهم اتكال عليك، ومحبة خالية من الأنانية. علمهم أن لغتنا ستظل مقدسة إذا نطقوها بالحب والمسامحة والغفران.
علمهم أن تاريخنا سيكون ناصعاً إن عكسناه بالايمان والخدمة والايثار والكرم. علمهم أيضاً أن الأجداد كانوا رجالاً تعبوا واستشهدوا لأجل اسم المسيح العظيم، وليس لأجل الحجارة أو تمجيد البشر. علمهم أن لا يزاودوا على أنفسهم، والآخرين بالتاريخ والأصالة، فكلنا أولاد أصل ولسنا ورثة كفار بل أجدادنا كانوا زينة القوم وللأسف جاء اليوم من يحاول اضعاف قدرهم بالتعصب الأعمى لأن الفارق بسيط بين التعصب والانتماء، وهم عن غير دراية اختاروا الأولى ونسيوا الثانية. نعم يارب نسوها لأن المنتمي لجماعة وتاريخ وحضارة يحب إخوته، يلفت نظرهم للخطأ إن وُجد بالحسنى والحوار. المنتمي يغار على شعبه، على فرحهم وسلامهم، يسامحهم ولا يسعى لايذائهم. المنتمي الحقيقي الصادق يقضي وقته وجهده بل وماله لخدمة قضيته وأبناء جلدته، فلا يتهرب من الألتزام بأقل واجباته المادية. المنتمي يحضر للكنيسة دوماً ويخدم ويعبر عن الحب الموجود في قلبه ، ولا يدخلها في المناسبات كعنتر زمانه ومعه بادي غارد. يارب أنا اكتب الآن، وهم لا يزالون يضربون، يخططون، يرسلون سمومهم إلى دمشق وكأن سوريا لا يكفيها المتآمرون على أمنها واستقرارها حتى جاء هؤلاء ليزيدوا الوجع. اكتب رغم الألم الذي يسكنني، ورغم أن محاولاتهم باءت بالفشل لأنك لا تسمح يارب لمشورة الأشرار أن تنجح ، لكني لا زلت على قناعة أن أدير الخد الأيمن، واسامح ليس لأني أفضل منهم فهم اخوتي، وليتهم يدركون ما معنى أن يصلي أخ لاخوته ليعرفوا حقاً المخلص الذي له وحده الكرامة والاجلال، وليس بأحد غيره الخلاص وهذا ما فهمه أجدادنا الميامين فقدموا دمائهم لأجله، وأحفادهم اليوم يدافعون عن قشور تزيد الغشاوة على بصيرتهم وقلوبهم، لذلك لا يقدر إنسان أن يعيدهم إلى حظيرة المسيح إلا أنت يا من ضُربت على خدك الأيمن مراراً، لكنك صمت، وطلبت من أبيك السماوي أن يغفر لهم، ونحن اليوم على خطاك سائرون .
بقلم: كابي يوسف