لست من عشاق الرجوع إلى مقالات الماضي، لكنّ تشابه الأحوال والظروف، جعلني أعود إلى مقال نشرته قبل اثنتي عشر سنة (في 27\9\2001)، وتحديداً عندما كانت طبول الحرب تقرع، رغبة من أكبر دولة في العالم، بالانتقام بعد الهجمات الارهابية، مثل يوم أمس. وكان البابا يوحنا بولس الثاني يقول لا للحرب، فيما كان يزور وقتها كازخستان وارمينيا، فأعلن ساسة العالم ان لا طلقة ستطلق ما دام في زيارته الراعوية الى هذه الدول.
وكتبت في المقال أقول: شكراً قداسة البابا: لأنّك جعلت العالم يسكت طبول الحرب، ولو إلى حين، لانّ ذلك أكد انّ العالم ما زال فيه بعض من ميول خير وسلام. شكراً، على بعض لحظات سلامية عاشها أبناء القرن الحادي والعشرين، على أمل ان تطول زيارتك لتصمت كلّ طبول الحرب. فقد حزن قلبك مع العالم للضحايا الأبرياء، وقد غادروا ذات صباح ثلاثاء (11\9) بيوتهم دون أن يعودوا، هذا ما يشجبه كل ضمير حي، ولكن لا لمزيد من الدمار والهلاك.
وقد كان صوتك من بين الأصوات القليلة الجرئية – ولكن الضائعة – قبل حرب الخليج، فدعوت مراراً ألا تكون أصوات البنادق والطائرات هي المسيطرة، بل صوت العقل والضمير الحي، لكنّ العالم لم يصغ إليك، فكان ما كان من الدمار فظاظة وشناعة. وها أنت اليوم، وبعد عشر سنين تدعو إلى أخذ العبر ممّا حصل وعدم الوقوع في فخ الدمار الذي ما زالت الأطراف كلها بغير استثناء – تجني مرارته وعلقمه.
فملياً أيها العالم، يا ساسة الأرض وحكامّها تعقلوا ويا سلاطينها تريّثوا، فليست الأرواح التي اؤتمنتم عليها برخيصة في سبيل تنفيذ مآربكم. الجرح كبير… كبير، في دولة عظمى ولكن التريّث والتعقل سيبقى لهما الأهمية الكبرى، والتأثير الايجابي لعدم زجّ العالم مجدّداً في حروب ودماء بريئة.
شكراً، قداسة البابا، لأنك قد بذرت مزيداً من بذور الخير التي ما فتئت توزعها فوق تراب الأرض، وما إيقاف لغة الحرب، سوى ثمرة من بقايا الخير في العالم. أمّا أنتم يا قضاة الأرض، فاحتكموا للعقل، فهو نعمة من لدن الله تعالى ولا تتسرّعوا… لا تتسرّعوا… لا تتسرّعوا!…
انتهى الاقتباس.
قلت، ما أشبه اليوم بالأمس… فبالأمس طبول الحرب كانت تنطلق من كل الأرجاء، وكان صوت البابا واضحاً وجريئاً… لا للحرب… نعم للسلام، وقد تجدّد ذلك الصوت قبل الحرب الأمريكية على العراق 2003، وكان يقول: “الحرب لا خاسر ولا رابح فيها، الكل سيخسر”. وقد أرسل وقتها مندوبه إلى الرئيس الأمريكي يقول له: “رجاء، ضع اسم الله بعيداً عن حربك”!. واليوم كذلك، طبول جديدة للحرب تقرع، وتحديدا في شرقنا العزيز، وفي وطننا العربي الذي لا يحتمل مزيدا من التشظي والتفرقة، إلا أنّ صوت البابا فرنسيس قد دعا العالم في السابع من هذا الشهر إلى يوم صوم وصلاة، وقال معه ملايين الناس في العالم: لا للحرب، نعم للسلام.
شكرا قداسة البابا، شكراً لكلّ أصوات المحبّة والسلام.
بقلم: الاب رفعت بدر