– المسيحّية التي انطلقت من هذا الشرق، وشعّت أنوارها للعالم أجمع، صامدة قوية ثابتة لا تتزعزع، كما جاء بالوعد الإلهي: “وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (متى 16 : 18).
وقد أثبتت المسيحّية عبر تاريخها، أن الاضطهادات الوثنيّة والعواصف العاتية، التي حاولت أن تنال منها، قد تبددت وتلاشت أمام إيمان أبنائها وشهادة شدائها وقدّيسيها، الذين بنوا أساسهم على صخرة السيد المسيح.
– أحبّ أن أضع هذه الارشادات والتوجيهات التالية في عشر وصايا – أمام إخوتي في المسيح – في الشرق الأوسط، لتكون شهادة حياة، وخارطة طريق للمسيحيين أجمع.
– لا بدّ من الاشارة، إلى أن هذه الوصايا هي ثمرة تأمل وتفكير مستوحاة من” الارشاد الرسولي: شركة وشهادة” لقداسة البابا بندكتس السادس عشر، ومن رسائل بطاركة الشرق الكاثوليك.
1- أحبب ثم أحبب ثم أحبب (الله – الإنسان – الوطن)
رسالة المسيحية المحبة، محبة الله ومحبة القريب (مرقس 12: 30-31)، وبما أن حياتنا هي رحلة محبة، فلنحب دائماً ولنكبر بالمحبة. إنّ المحبة لله والإنسان والوطن، هي منظومة مترابطة ومتكاملة، لا يمكن عزل أحدها عن الآخر، فمن يحب الله يحب وطنه، ويحّب أخاه في الإنسانية، فالله وحده يجمعنا على المحبة، وحبّ الوطن يجذرّنا في محيطنا، ومحبة الآخرين تجعل حضورنا في مجتمعنا مثمراً.
2- أحبب كنسيتك حتى في محدوديتها، وكن مشاركاً في رسالتها
الكنيسة هي أم ّ، لأنّها تلدنا للمسيح. وحين نحبّ أمّنا لا نُلقي عليها التّهم، بل نتحاور معها ونلجأ إليها، لأننا بمحبتنا لها نستطيع شفاءها من أخطائها، وإعادة إشراق جمالها كعروس للمسيح. المسيحي، إذاً عليه أن يحب كنيسته، فيشارك في رسالتها واحتفالاتها الدينيّة ونشاطاتها الرعوّية.
3- أحبب وطنك، واسهم في بنائه وتقدمه
إنّ المعيار الحقيقي للمواطنة تكون في الانتماء والولاء للوطن، في العطاء والتضحية، أي أن المواطنة الصالحة تعني من يُعطي أكثر لا من يأخذ أكثر، وبمقدار ما لك من حقوق، فإنّ واجباتك تجاه وطنك وشعبك، أكثر وأهم، لذلك لا أحّد أفضل من غيره إلاّ بمحبـته لوطنه وخدمته له.
اعرف وطنك بتاريخه الضارب بجذور الأرض، وبجهود من ضحّوا من أجل رفعته وتقدمه، وأحببه فإنّ “حبّ الوطن من الإيمان”. ليس الوطن مصلحة نستثمرها، إنّما هو قيمة دائمة، ووديعة ثمينة. فلنحافظ على منجزاته، كما سلّمه الأسلاف والاجداد لنا. إننا نحبّ الوطن، لأنه يعيش بداخلنا ويحيا بنبض قلوبنا.
4- تعّمق في كتابك المقدّس وتراثك المسيحي
كُن من محبّي الكتاب المقدّس، لأنه رسالة الله الشخصية لك، واقرأهُ بروح الصلاة والفهم والخشوع، فهذا يساعدك على النمّو الروحيّ، لأنه أولاً: يعّرفك على حياة السيد المسيح ووصاياه وتعاليمه المقدّسة. وثانياً: لكي تحصل على الغذاء الروحيّ، فالكتاب المقدّس غذاؤنا اليومي.
ولأن لك رسالة ثقافية ابحث في كنوز تراثك العربيّ المسيحيّ، لأنه الوجه المُشرق للغنى الثقافي والفكريّ للمسيحيين العرب. فقد ساهم المسيحيون العرب مساهمة فعّالة في بناء الحضارة العربية في مجال العلوم والثقافة والترجمة والتأليف، فكان لهم الفضل الكبير في إذكاء شعلة النهضة العلميّة والفلسفية لدى العرب في العصر الإسلامي. لذا، وجب علينا أن نكتشف من جديد هذا التراث العربي المسيحي، لكي تصبح مسيحيتنا من صميم عروبتنا، وعروبتنا من صميم مسيحيتنا.
5- تفهّم الحركة المسكونية، وصلّ من أجل الوحدة المسيحّية
صلّ من أجل وحدة المسيحّيين، لأن الصلاة هي قمة العمل المسكونيّ، ووسيلة ناجعة لطلب نعمة الوحدة، وهي أيضاً فرصة مناسبة لتنّمي الوعي المسكونّي لديك. ومن الجدير بالذكر هنا، أنه يقام في كل سنة “أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس”، (من 18 إلى 25 كانون الثاني).
ومن هذا المنطلق، فالسعيّ لإتمام الوحدة المسيحية ليس مقتصراً على الرعاة ورجال الكنيسة، بل هي مسؤولية كل مسيحيّ معمّد. “نسأل الله أن يوفقنا جميعاً في طريقنا نحو الوحدة، وأن يملأنا بروحه القدوس ليجدّد قلوبنا ويقوّي وحدتنا”.
6- كن حاضراً في مجتمعك، كحضور النور والملح والخميرة
الحضور: يعني أن نكون في وسط المجتمع الذي نعيش فيه. فنتفاعل معه دون انعزالية، تأكيداً لرسالتنا المسيحية ودعوتنا القائمة على المحبة، وحفاظاً على هُوَيتنا المتأصلة في تراب الوطن.
أما الحضور الحقيقي، “فيعمق أمانتنا لله ولأنفسنا وللمجتمع الذي أراده الله مكاناً لمسيرتنا الأرضية” (راجع: رسالة بطاركة الشرق الكاثوليك، الحضور المسيحيّ في الشرق، رقم 17).
7- كن شاهداً للمسيح في كل مجالات حياتك
لقد حدّد السيد المسيح معنى حضورنا بقوله: “تكونوا لي شهوداً” (أع 8:1). إن المسيحيّ قبل كل شيء هو شاهد للمسيح. والشهادة أنواع: شهادة بالكلمة، وبالسلوك (شهادة حياة)، وشهادة الدّم. فلنكن شهوداً للمسيح في كل مجالات حياتنا، دون خجل أو خوف، فأنت شاهد للمسيح بقولك وعملك، أنت شاهد للمحبة والإخوّة الإنسانية في مجتمعك العربيّ.
8- كن مصّلياً وخادماً، وحرّاً ومسؤولاً
لا شيء أحب لقلبي من صلاة المسيحيّ العابد الخاشع، لأن الصلاة حوار ولقاء مع اللّه. فصلِّ لرّبك في كل زمان ومكان، بحوار متصل: يمجد الله، وينقي القلب، ويجّدد الحياة.
أيضاً المسيحيَ يكبر بمقدار ما يخدم الآخرين، لا بمقدار ما يُخدم، على مثال السيّد المسيح.
واعلم أيها المسيحي: أن الله قد وضع أمامك “الحياة والموت والخير والشّر”، ومنحك الحريّة والإرادة، فالحرية والمسؤولية توأمان متلازمان فأنت حرّ، إذ إنك مسؤول.
9- انشر ثقافة الحوار والسلام، لبناء حضارة المحبة
الحوار: هو أحد ضروريات الحياة، وأفضل الوسائل للتعارف والتعاون والتواصل مع الآخرين، في سبيل تدعيم القيم الإنسانية المشتركة، والعيش المشترك. فإذا كانت قاعدتك هي الصلاة والمحبّة والأخوّة، تكون لغتك لغة الحوار والسلام، لبناء حضارة المحبّة.
10- لا تخف، لا تحزن، لا تيأس
“لا تخف، أيها القطيع الصغير” (لوقا 12 :32) بهذه الآية الإنجيلية أتوجّه للمسيحّي العربيّ قائلاً:
– لا تخف أو تخجل من كونك مسيحيّاً.
– لا تقنط أبداً، لا يلج القنوط واليأس إلى قلبك.
– احتمل الضيق الذي يفرضه عليك وضع مجتمعك الإقتصاديّ والسياسيّ.
– عش إيمانك بفرح وسلام، بالرغم من الصعوبات.
– واحمل رسالتك بشجاعةٍ ورجاء، بالرغم من المحنّ.
وأخيراً، لكي تعطي هذه الإرشادات والتوجيهات، ثمراتٍ يانعة، علينا أن نكون متحدّين بالمسيح، وملتزمين بتعاليمه، وهذا يقودنا إلى عيش شهادتنا ورسالتنا المسيّحية، بوعي وإيمان، في العالم العربي، وحيثما وُجدنا.
بقلم:الأب نادر ساووق