أن ترتيب الخدم الليتورجية المرافقة للميلاد وما قبله وما بعده تشبه إلى حد بعيد الخدم المرافقة للفصح. الكنيسة حددت صوم الميلاد لتهيئ لكل فرد المستوى الروحي الذي يستطيع من خلاله قبول سر الخلاص والمعلن في التجسد الإلهي، أي في ميلاد المسيح، لأنه يستحيل على الإنسان الطبيعي المنغمس في الأكل والشرب والملاهي أن يقبل هذا السر الفائق الطبيعة، لذلك إذا لم يرتفع الإنسان إلى ما فوق الطبيعة بكل كيانه بالصوم حتى يتهيأ العقل للتفكير في فن الأيقونة، مع الطفل الإلهي موضوعا في المغارة في أعماق الأرض، تذكرنا بالمثل الذي قاله الرب نفسه عن ملكوت السماوات، وهو حبة الخردل اصغر حبوب النبات على الأرض والتي تزرع في الأرض لتصبح فيما بعد شجرة كبيرة .
المسيح هو الملك السماوي الأخذ جسدا بشريا وضع كبذرة خردل في أعماق الأرض المظلمة انه الملح الذي ملح أعماق الأرض.
أن تلك المغارة التي تقبّلت في أعماقها حياة الكل تظهر بكل بساطة عبارة عن فتحة في الأرض شديدة الظلام مثل فم مفتوح للأرض. أنها ظلمة لا تُنار بشيء، أنها تأتي في تضاد تام مع نور المخلص المنبعث من هالة المجد حول رأسه، أم من بياض الأقمطة التي لُفَّ بها من قبل والدة الإله، أي إمكانية التجسد وضرورته فلن يستطيع أن يدرك هذا السر الذي نعيش، مع فرح الميلاد بذكرى تجسد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح .
عيوننا تتجه الى المغارة حيث ولد يسوع. ننشد ترانيم الفرح المعبرة عن هذا الحدث الهام الذي قلب نواميس الطبيعة. جاء يسوع وفتح لنا أبواب الخلاص ونحن الذين في هذه الأرض المقدسة نفتخر بان المخلص قد مشى على ترابها. ابتهجوا ورنّموا تسبيحاً لائقاً المسيح يشرق من مشرق المشارق. هليلوليا.
في مذودٍ بسيط ومتواضع سيولد رب المجد ولا نمتلك نحن إلا أن نقول ونسبح مع الملائكة : المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة. بتسابيح لا تفتر وبقلوب مستنيرة بنور المخلص ومع النجم المتلألىء في السماء هلموا يا مؤمنون ننظر أين ولد المسيح.
اليوم تقرع الأجراس للذين لم يروا النور بعد. لأولئك الذين غمروا أنفسهم في الكراهية والحقد. لكل هؤلاء نقول أن المخلص سوف يولد في مغارة ليرشد البشر من عليائه بأنه متواضع. ويلف بالأقماط ويوضع في مذودٍ ليس كما يحتفلون بأمسية الميلاد من طعام وشراب ولهو …الخ. يولد رب المجد ليصالح الإنسان مع أخيه الإنسان. لنصرخ صرخة مدوية كي يسمع الذين فقدوا حاسة السمع أن المخلص يولد من البتول في بيت لحم حتى يتنازلوا ويكونوا متواضعين كالمخلص. الذي جاء إلى العالم وخاصته لم تعرفه. استيقظوا أيها النائمون فالأجراس قُرعت وصوتها وصل إلى كل العالم.
في يسوع وُلدت خليقة جديدة. عملَ روحُ الله مع مريم العذراء لكي يولد ذاك الذي هو النور والنهار. لقد حوّل ميلاد يسوع الليل إلى نور، كما أن جسد يسوع الموضوع في القبر عند بداية الليل ولّد حياة جديدة للقائم من الموت وللذين اعتمدوا فيه.
أمنيتي للجميع بأنّ الطفل الإلهي المولود في بيت لحم أن يحفظكم.
وكل عام والجميع يرفلون بأثواب الصحة والعافية.
بقلم: الأب الايكونومس بطرس ميشيل جنحو