كانت بعض مناطق شبه الجزيرة العربية تدين بالمسيحية قبل ظهور الإسلام، حيث سافر التجار العرب قديمًا إلى القدس؛ لأغراض التجارة؛ فسمعوا الإنجيل. ومثلما هو الحال في مصر ولبنان وسوريا، حيث يعيش المسيحيون منذ ألفي عام، كانت بعض المناطق التي تقع الآن في المملكة العربية تدين بالمسيحية، فقد بنى المسيحيون خلالها الكنائس.
وكان أهل نجران حينها يدينون بالمسيحية، وذلك حتى القرن السابع؛ بعدما اعتنق معظم السكان الدين الإسلامي. كذلك كانت بعض القبائل العربية تدين بالمسيحية مثل «بني تغلب».؛ بينما ذهبت قبائل أخرى إلى الشام أو العراق؛ حيث بقوا مسيحيين.
أكثر من مليون ونصف مسيحي يعيشون في السعودية!
إلا أن المسيحية العربية القديمة تعتبر قد اختفت إلى حد كبير من المنطقة. وتعد الجاليات المسيحية الحالية في دول الخليج حديثة نسبيًا؛ فقد أدت صناعة النفط إلى هجرة ملايين العمال الأجانب إليها، كان من بينهم مئات الآلاف من المسيحيين. وكما يقول المطران بول هيندر، النائب الرسولي لجنوب شبه الجزيرة العربية، «يشكل المسيحيون في دول الخليج جماعة من نوع خاص؛ إذ إن جميعهم من الأجانب»، حيث لا يوجد مسيحيون محليون.
لا توجد بيانات سكانية موثوقة عن حجم الجماعات المسيحية في المنطقة، ويعتقد أنهم يشكلون ما بين 5 و10٪ من إجمالي عدد السكان في الخليج.
بينما ذكرت رويترز عام 2010 أن عدد المسيحيين يبلغ نحو 3.5 مليون وافد إلى دول «مجلس التعاون الخليجي» الذي بلغ عدد سكانه عام 2015 نحو 50.4 مليون نسمة. وتحوي السعودية أكبر تجمُّع مسيحي في دول المجلس. إلا أنه يصعب تحديد التركيبة السكانية من الناحية الدينية بدقة في المملكة العربية السعودية؛ فجميع المواطنين مسلمين من قبل الدولة، ويُعتقد أن هناك 1.5 مليون مسيحي على الأقل يعيش في البلاد، وتذكر مصادر أخرى أن العدد يصل إلى مليونين؛ فيما يبلغ عدد الوافدين من الديانات المختلفة نحو 30% من عدد السكان.
ويتشكل المجتمع المسيحي في المملكة العربية السعودية من أكثر من مليون من اللاتين، معظمهم من الفلبينيين المغتربين الذين تسمح لهم البلد بالعمل فيها، لكنها لا تمنحهم الجنسية العربية السعودية. حيث يوجد نحو 1.2 مليون فلبيني في المملكة العربية السعودية يشكل المسيحون منهم حوالي 60% من بين جميع الكنائس، وفقًا لتقرير الحرية الدينية العالمي لعام 2008.
السعودية الدولة الوحيدة بالعالم التي ترفض بناء كنائس
تستطيع أن ترى في يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع الكنائس المسيحية وهي تزدحم بمريديها في دول الخليج الصغيرة؛ فالكويت وقطر والبحرين والإمارات وعُمان تسمح ببناء الكنائس، كما تسمح بعمل رجال دين مسيحيين في دولها؛ بعكس السعودية.
فمع أن السعودية تسمح للمسيحيين بدخول البلاد بصفتهم عمالًا أجانب لعمل مؤقت، لكنها لا تسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية علنًا. فلا توجد كنائس رسمية في السعودية، وبالرغم من وجود كنيسة أثرية في منطقة «الجبيل»؛ إلا أن الحكومة تمنع المواطنين والأجانب من زيارتها.
علاوة على أن الحكومة لا تسمح ببناء الكنائس أول رجال الدين من غير المسلمين بالدخول إلى البلاد؛ لغرض القيام بالمراسم الدينية. ففي 9 حزيران 2006، اعتقلت الشرطة اثنين من الإثيوبيين واثنين من قادة الكنيسة الإريتريين في مكان خاص لممارسة العبادة المسيحية في مدينة جدة؛ ليتم ترحيلهم في تموز من ذات العام.
وتحظر الدولة المنشورات الدينية، وأية أشياء أخرى تخص أية ديانة غير الإسلام؛ مثل: الأناجيل، والصلبان، والتماثيل، والمنحوتات، أو أشياء تعتبر رموزًا دينية مثل: نجمة داوود أو غيرها. لذا يمارس المسيحيون شعائر عبادتهم داخل منازلهم، أو عن طريق الإنترنت، وغرف المحادثة أو الاجتماعات الخاصة. ويحظر على المسيحيين وغيرهم من غير المسلمين دخول مدينتي مكة المكرمة، والمدينة المنورة، واللتين تعتبران أقدس المدن في الإسلام.
13 ألف من المسلمين بالسعودية اعتنقوا المسيحية
تحظر «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؛ وهي الشرطة الدينية في البلاد، ممارسة أي دين آخر غير الإسلام؛ فيعتبر التحول من الإسلام إلى دين آخر «ردة»، وهي جريمة يعاقب عليها بالإعدام؛ إذا لم يتراجع «المرتد»؛ لكن ليست هناك أية تقارير مؤكدة عن عمليات إعدام.
وباستثناء المسيحيين الوافدين الأجانب، لا يوجد مسيحيون سعوديون رسميًا؛ فمن شروط منح الجنسية السعودية هو الإسلام. ومع ذلك، تقدر بعض المصادر، لم يمكننا التأكد من موثوقيتها بشكل مستقل، مثل «وورلد لريستيان داتا بيز» World Christian Database وجود حوالي 13 ألف مسلم سعودي ارتدوا عن الإسلام، ويمارسون الطقوس المسيحية سرًّا. وتقدر دراسة أجرتها جامعة «سانت ماري» الأمريكية ونشرتها عام 2015 أن هناك حوالي 60 ألف من المسلمين بالسعودية قد تحولوا للمسيحية بين السنوات من 1960 إلى 2015، لكن الدراسة لا تحدد إذا كان كل هؤلاء مواطنين سعوديين أم غير ذلك من الجنسيات.
وفي عام 2012 اشتهرت قضية محاولة مغادرة امرأة سعودية بطريقة «غير شرعية»؛ فالمرأة السعودية لا يمكنها ترك البلاد، دون موافقة آبائهن أو أزواجهن أو أولياء أمورهن. وجهت محكمة سعودية لرجلين، أحدهما مسيحي لبناني، وآخر سعودي، تهمًا بإقناع المرأة للتحول إلى المسيحية، والهروب من المملكة العربية السعودية؛ لتقضي المحكمة على الأول بالسجن ست سنوات و300 جلدة، وعلى السعودي بالسجن لمدة سنتين و200 جلدة.
أما عن نشر التغريدات؛ فقد يعرض صاحبها للجلد والحبس؛ فقد أدانت محكمة في المملكة العربية السعودية في شباط الماضي رجلًا يبلغ من العمر 28 سنة؛ بعد نشره مئات التغريدات؛ ينكر فيها وجود الله، وينتقد من خلالها الدين، رافضًا أن يرجع عنها؛ ليصدر الحكم ضده بالسجن 10 سنوات، وغرامة 20 ألف ريال، وألفي جلدة.
الحبس والجلد والترحيل عقوبة ممارسة الشعائر الدينية
بالرغم من الانفتاح الكبير للسعودية على العالم الغربي؛ إلا أن التسامح الديني محدود. فقد ذكرت منظمة «أي سي سي» International Christian Concern ICC المعنية بحقوق الإنسان والحرية الدينية ومساعدة ضحايا الاضطهاد المسيحيين، في تقريرها الصادر عام 2003 احتجاز 11 من معتنقي المسيحية في المملكة العربية السعودية؛ وذلك لممارسة شعائرهم الدينية في منازلهم.
واحتجت على إلقاء الشرطة السعودية القبض على 46 على الأقل من المسيحيين في حزيران عام 2004، وهو ما وصفته المنظمة بأنه «كمذبحة». وكانت قد تمت هذه الاعتقالات بعد فترة وجيزة من تقارير وسائل الإعلام حول ما جرى من تدنيس للقرآن في معتقل «غوانتانامو». في تشرين الأول 2006 اعتقلت الشرطة رجلًا مسيحيًا فلبينيًا في جدة، واتهمته بحيازة المخدرات، وفقًا لما ذكرته المنظمة. ثم أسقطت الشرطة لاحقًا تلك الاتهامات، واتهمته رسميًا بالتبشير؛ ليتم اعتقاله لمدة 8 أشهر، وتلقى 60 جلدة، ورحلته الدولة بعدها في أيار2007.
دعاء عبدالباقي – ساسة بوست