إن الرهبان والراهبات كالجنود. والجنود لا يهربون”. هذا ما تقوله الأخت لويزا، مشيرة إلى حجر الشرفة المحيط بالطابق الثاني في مدرسة الفرح للأرمن الكاثوليك، في حي الميدان. الحجر ذو اللون الفاتح هو القسم الذي تهدم بعد أن قصفه المتمردون في حزيران المنصرم. وقالت: “لقد تهدم كل شيء، الشرفة، الجدار، الدرج. لقد كان الأمر في غاية الصعوبة، لكن تمكنا من تدبير أمر إعادة البناء قبل بداية السنة الدراسية الجديدة”. وقد تم تعيين الأخت لويزا مديرة للمدرسة عام 2010، عند اندلاع الحرب الأهلية. وأثناء حديثها، يمكن للمرء سماع أصوات الانفجارات التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد. وتضيف قائلة: “يعترينا الخوف أكثر من الأولاد، فهم قد اعتادوا على كل شيء. لقد نصحني الكثيرون بالمغادرة. لكننا مسؤولون عن الطلاب مهما كلف الأمر”.
وتشمل المواد التي يتم تعليمها في المدرسة اللغات الأرمنية، العربية، الإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى المواد التقليدية. “من حسن الحظ أنه لم يكن هناك أحد في الغرف الصفيّة عندما ضربت القذيفة المدرسة. لقد كان نوعًا من الانتقام بعد إعلان ألمانيا اعترافها بالإبادة الأرمنية. فما إن انتشر الخبر في محيط أحياء منطقة الميدان حتى انفتحت أبواب جهنم علينا”. وكانت القذائف ونيران المورتر تأتي من حي بستان الباشا القريب منا (حديقة الباشا) وهو عقار يقع تحت سيطرة ثوار أحرام الشام المقربين من الأتراك. حقد الأتراك الموجّه نحو الأرمن، إضافة إلى الحقد المنتشر بين الثوار والقوات الموالية للنظام. معظم الشوارع في الميدان مغلقة بحواجز مكوّنة من الأنقاض والسيارات المحترقة، الأمر الذي يظهر إلى أي مدى قد وصلت إليه الأمور. وقد تم نشر أغطية بين المباني لحجب الرؤية عن القناصين، وعندما تزيلها الرياح، يخاطر الناس بحياتهم لإعادتها إلى مكانها.
وتضم مدرسة الفرح 265 طالبًا يأتون إلى المدرسة بزيهم الأزرق والزهري الأنيق. 99% منهم مسيحيون. وتوضح الأخت لويزا إن ذلك فقط كون الأرمنية هي لغة إجبارية في المدرسة، وهي صعبة للغاية إذ كان لا أحد في العائلة يتكلمها. لكن الأمر بعكس ذلك في باقي المدارس المسيحية. فكلية السالزيان التقنية في حلب هي مؤسسة حقيقية، رغم أنه جرى تأميمها منذ عام 1967. لقد عمل الأب جورج على إدارتها على مدى أربعين عامًا، وكان فيها العديد من التلامذة المسلمين. ويتذكر الأب جورج أن حلب هي مدينة يقوم فيها المسيحيون بتقديم التهاني لجيرانهم المسلمين في الأعياد الإسلامية، كما كانوا يدعونهم لمشاركتهم بالاحتفال في أعيادهم المسيحية أيضًا. ويضيف: قدّمت سوريا للكنيسة سبعة بابوات. وأن كثيرًا من الكنائس، مثل الموارنة، قد ولدت هنا. بدون سوريا لا وجود للمسيحية.
ويرى الساليزيان أن الحرب قد فُرضت عليهم من القوى الأجنبية. يقول الأب بيير جابلويان: “عندما يتقاتل الفيلة، فإن العُشب هو الذي يتم سحقه”. وفي اليوم الأخير من يوم الشبيبة العالمي قدم الأب بيير إلى فرنسيس البابا علبة من الشظايا كانت قد وجدت في المدرسة التي تم الهجوم عليها من قبل الثوار. ويظهر أن البابا فرنسيس يحملها معه في كل مكان يقصده. ولكن في الوقت الذي يلقى فيه البابا لفرنسيس الاحترام من قبل الكنائس الـ11 المتواجدة في حلب، فإن العكس هو الصحيح لباقي قادة العالم. يقول رئيس الكنيسة الإنجيلية العربية في حلب القس إبراهيم نصير: “لقد بعثت بخطاب مفتوح إلى باراك أوباما، حاثًا إياه على فتح عينيه، وطالبًا منه ألا يدعم الجماعات الذين هم ليسوا ثوارًا ديموقراطيين بل هم مجرد عصابات متطرفة ومجرمين”.
لقد تم تدمير مبنى الكنيسة الإنجيلية بواسطة قذائف الثوار، وكانت الكنيسة قد أسست من قبل الإسكتلنديين عام 1843. كما تم تدمير 20 كنيسة أخرى بنفس الطريقة. لقد منحتنا الحكومة الأرض والدعم المالي لإعادة بنائها. يوجد في مدارسنا 850 طالبًا، وأكثر من 90% منهم مسلمين. الإرهابيون ليسوا مسلمين، صدقني، إن الإيمان المتعدد عاش بتناغم في سوريا لأكثر من 1500 عام. ويقول القس بامتغاض وحسرة: “المشكلة أن أوروبا وأمريكا لم تعودا دولتين مسيحيتين، ولا يوجد تفسير آخر لهذه اللامبالاة”. ويردف قائلاً: “لقد تراجع عدد المسيحيين في حلب من 130000 إلى 35000 في غضون خمس سنوات. وهذا يشكل أقل من 2% من نسبة السكان، سواء كانوا قد قتلوا أو أجبروا على الفرار، فإن هذا يعتبر تطهير عرقي”. وقد استمرت عمليات ذبح المدنيين مؤخرًا أيضًا. ففي الفجر كان هناك هجوم تم تنفيذه فجرًا -ربما من الطيران الروسي- استهدف مستشفى آخرًا شرقي حلب، بينما قام الثوار بإلقاء قنبلة على المنطقة التي تحت سيطرة النظام، في العزيزية، أصابت مدرسة وجرحت 17 تلميذًا.
بقلم: جوردانو ستابيلي ، ترجمة: سامح مدانات
أبونا