الاحتفال بالفصح في كنيسة القيامة بحدِّ ذاته مؤثر وبليغ المعاني، وقد عدت هذا العام لأداء شعائر العيد هناك بعد غياب 20 عاماً، فشاركت ليلة العيد مع رعية كنيسة المخلص للفرنسيسكان في مدينة القدس التي يديرها الكاهن الاردني فراس حجازين. وفي نهار العيد شاركت مع المصلين في كنيسة القيامة ذاتها بقداس احتفالي ترأسه البطريرك فؤاد طوال . إلاّ أنّ هذا «الفخر» الطبيعي، قد شابته كذلك أفكار كثيرة، منها الإيجابي ومنها السلبي، ومن هذه الفئة الثانية، أسرد ثلاثاً:
أولاً: أين الإعلام العربي؟ نتغنى بالقدس، وبحجارتها ومقدساتها. إلاّ أننا غائبون عنها إعلامياً. وكم مرة نضع أغنية فيروز وهي تغني للراحل نزار قباني: «يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي، عيوننا إليك ترحل كل يوم»، إلا أن كاميراتنا وأقلامنا لم ترحل إلى القدس في يوم الاحتفال بالعيد فيها. أذكر أنّ أحد المسؤولين العسكريين في اسرائيل قد وضع قبل حين صورة القدس على حسابه على الفيسبوك، وكتب عندها: «عيوننا إليك ترحل كل يوم». وقد انتقده كثير من المعلقين العرب، وقالوا لا يجوز له ان يقتبس شعرا عربيا قيل في القدس العربية. إلاّ أنّ غياب الاعلام العربي -ولدينا الأردني- في كنيسة القيامة، يجعلنا نقول بأنّ القدس تحتاج منا إلى التضامن الإعلامي على أرض الواقع، وليس اشباع القارئ أو المشاهد بالخطابات الرنانة عن بُعد.
ثانياً: غياب المواطن العربي بشكل عام، والمواطن الفلسطيني بشكل خاص. لقد لمست في القدس هذه المرّة، أكثر من ذي قبل، عقلية الخوف المسيطر. وبعد أن سمعت أنّ أكثر من عشرة آلاف تصريح قد أعطيت لسكان فلسطين (وان شاء الله يأتي يوم لا يحتاج المواطن الى تصريح من أحد)، إلاّ أنّ قداس العيد قد خلا من العرب. وعندما سألت أصدقاء في بيت لحم وفي رام الله، قالوا: إننا خائفون لأن الجرائم في القدس بازدياد. ويمكن أنّ ندخل الى المدينة ولا نستطيع أن نخرج منها. القدس إذاً تعيش برعب مضاعف ولا سبيل للخروج حالياً من هذا الصندوق، فالعالم وضع القضية الفلسطينية على الرف، وبالاخص بعد تصريح الرئيس الأمريكي الذي بدأ يوظب حقائبه، بانّ «لا حلّ لقضية الشرق الاوسط في عهده». ويعكف «كبار العالم» منذ سنوات على محاولات لايجاد حل للمعضلات العربية الأخرى. غاب المواطن الفلسطيني وغاب المواطن العربي عن احتفالات العيد في أرض العيد، اللهم إلاّ من الكهنة والرهبان المتواجدين أصلاً هناك.
ثالثاً: السياحة ككل متأثرة، فلم يشعر المصلي في القيامة هذا العام، انّ هنالك زخماً سياحياً أو حجاً مميزاً لائقاً بالمدينة المقدسة. وما يحصل على القدس يحصل كذلك على سائر المقدسات في فلسطين وكذلك هو اشارة لنا في الأردن، انّ التراجع في السياحة مردّه أنّ المنطقة مشتعلة وليس هنالك سبيل بتحسين ذلك، ما لم تخمد النيران في الدول المجاورة، وما لم تتراجع –أو تزول- حدّة التطرف والتعصب والارهاب. وهذا بالطبع ليس حاصلاً في الوقت الحالي.
بلا شك، للعيد في القدس طعم خاص. إلأّ أن أجواء العالم الأمنية، تجعل الاحتفال متأثراً بالجمعة الحزينة أكثر من الفصح السعيد. اللهم انقل قدسك الى فرح القيامة.