سمي كذلك نسبة إلى مدينة (( نينوى ))عاصمة الآشوريين ، وهي اليوم أطلال بجوار مدينة الموصل بشمال العراق . وقد صامت هذه المدينة لمدة ثلاثة أيام بعدما أنذرها يونان النبي ابن أمتّاي أيام ملكها تغلاثفلاسر،وذلك حوالي عام 825 قبل ميلاد الرب ، وهو لمدة ثلاثة أيام ويبدأ قبل الصيام الخمسيني الكبير بعشرين يوماً ، ومنها اقتبسته بعض الطوائف الشقيقة مثل الأرمن والأقباط أيام البابا أبرام بن زرعة السرياني عام 968 ميلادية .
والقصة كما هي واردة في العهد القديم
أن أهل نينوى ازدادت شرورهم فأراد الرب إنذارهم بواسطة النبي يونان بن أمتّاي وكان في أيام الملك يربعام الثاني بن يوآش ، وكان يونان من قرية(( جث حافر )) في شمالي فلسطين .
وعندما أمر الرب يونان أن ينطلق إلى (( نينوى )) عاصمة الآشوريين ويعلن عن خرابها بسبب شرورها خاف ، وحاول أن يتملص من هذه المهمة الصعبة فهرب في سفينة منطلقة إلى ترشيش( وهي مدينة فينيقية في اسبانيا ) فحدث في البحر نوءٌ عظيم عزا البحارة سببه إلى يونان الهارب من وجه آلهه كما كان قد أخبرهم ، فألقوه في البحر فابتلعه حوت كبير مكث في بطنه ثلاثة أيام ،وفي الأخير لفظه الحوت ورماه على ساحل البحر .
فاقتنع يونان بأن ذلك كان عقاباً له لعصيانه أمر الرب ، فانطلق إلى نينوى وأنذر سكانها بخراب مدينتهم العظيمة وغادرها إلى ظاهرها وهو ينتظر خرابها . فكان أن صامت المدينة بأسرها وتابت ، حتى الصغار والحيوانات صاموا ، فغفر الرب لهم وعفا عن سيئاتهم ، إلا أن يونان اغتم لذلك متوهما بأن مصداقيته لدى أهل المدينة اهتزت . فظل في مكانه مغتماً وهو يراقب المدينة وكان الجو حاراً عندما غفا ، فأنبت الرب يقطينة نمت بسرعة وظللته فارتاح ، إلا أنه وهو نائم أيبس الرب اليقطينة فضربت الشمس رأس يونان فاستيقظ مزعوجاً ، فخاطبه الرب قائلاً : (( إذا كنتَ قد حزنت على يقطينة إشفاقاً عليها ، أفلا أشفق أنا على مدينة عظيمة كنينوى يقطنها هذا العدد الكبير من الناس ؟ )) .
حدث هذا في العهد القديم ، في القرن التاسع قبل الميلاد ، أما في العهد الجديد فأن أبناء الكنيسة ورعاتها ، رأوا أن تصوم الكنيسة مثل أهل نينوى عندما تعرضت الكنيسة للضيق والاضطهاد .
من ذلك مثلا ما فعله القديس ماروثا التكريتي المتوفى عام 649 ميلادية عندما تعرضت تكريت لغزو خارجي ، فإن هذا الراعي الصالح طلب من أبناء رعيته أن يصوموا لمدة ثلاثة أيام نظير أهل نينوى، فصاموا ولجأوا إلى كنائس المدينة وانصرفوا إلى الصلاة وتناول القربان ، وكان الأسقف القديس خلال ذلك يرأس الخدمات وفي نفس الوقت يفاوض الغزاة الذين كانوا يحاصرون المدينة ، وتمكن من إقناعهم بدخول المدينة سلمياً ، وكان كذلك إذ لم ترق نقطة دم بسبب حكمةهذا الراعي الحكيم .
ومن ذلك أيضاً أنه في القرن السابع الميلادي وجد في مدينة الحيرة بجنوب العراق أمير فاجر طلب بأن تنضم مجموعة من عذارى النصارى إلى حريمه .
فاستولى الجزع على نصارى الحيرة ولجأوا إلى أسقفهم يوحنا الأزرق ، فطلب منهم راعيهم بأن يصوموا لمدة ثلاثة أيام مثل أهل نينوى حتى يزيل الرب هذه التجربة القاسية عنهم ، فتدفق المؤمنون إلى الكنيسة الكبرى ولجأوا إليها مع أسقفهم وهم صائمون ، وفي ما كان الأسقف يوحنا يتلو الإنجيل المقدس خلال القداس في اليوم الثالث دخلت حمامة بيضاء إلى الكنيسة ورمت بورقة على الإنجيل المفتوح وغادرت الكنيسة ، فتوقف المطران بين دهشة المصلين وفتح الورقة وقرأها بهدوء، ثم رفع رأسه وخاطب المؤمنين والبشر يعلو وجهه قائلاً : (( أبشركم يا أولادي ، لقد مات الأمير الفاجر )) . ابن العبري أحد كبار علمائنا ذكر هذا في تاريخه .وهكذا دخل (( الباعوث )) الكنيسة وسمي (( صوم نينوى )) .
معلومات أخرى اضافية
فمنذ سقوط الأبوين الأولين آدم وحواء في الخطيئة , وعد الله الإنسان بالخلاص وحقق هذا الوعد الإلهي عندما أرسل ابنه الحبيب , فادينا يسوع المسيح , حيث قدم ذاته فداء لنا بصلبه على الصليب . الرب لا يريد موت الخاطئ وإنما خلاصه .
أهل مدينة نينوى العظيمة خالفوا تعاليم الله فغمرتهم الشرور . أراد الله خلاصهم بواسطة نبيه يونان , ولكن يونان عوضاً أن يسافر إلى أهل نينوى ليعظهم ويرشدهم ويدعوهم إلى التوبة وممارسة فضائل الصلاة والصوم , هرب من وجه الله إلى ترشيش بسفينة نقل . أراد الله أن يبين لنبيه أنه يراه أينما كان , فأحدث هيجاناً عظيماً في البحر كادت تغرق السفينة فخاف الملاحون وصرخوا , عرف يونان أنه هو السبب فأمرهم بطرحه في البحر لكي يهدأ , معترفاً بخطيئته . وفي البحر أعد له الرب حوتاً عظيماً ليبتلعه وبعد ثلاثة أيام قذفه إلى البر . دخل يونان مدينة نينوى العظيمة عاصمة الآشوريين ونادى بالصوم والصلاة والتوبة , وإلا ستنقلب المدينة وتصبح خراباً.ً آمن أهل نينوى بالله ونادوا بالصوم والصلاة ولبسوا المسوح كبيرهم وصغيرهم, بما فيهم ملكهم وعظمائه , وحتى البهائم . ولما رأى الله ندامة أهل نينوى ورجوعهم عن طريق الشر وتوبتهم الحقيقية , أبعد عنهم الشر .
بقاء يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وخروجه حياً. يرمز إلى بقاء المسيح في القبر ثلاثة أيام وقيامته ظافراً منتصراً على الموت. (صوم نينوى ) بهذا الاسم معروف الصوم لدى السريان الغربيين إلى اليوم أما عند السريان الشرقيين فمعروف بصوم العذارى وعند الأقباط بصوم يونان وعند الأرمن بصوم سورب سركيس , كان الصوم في بادئ الأمر ستة أيام ثم تحول إلى ثلاثة أيام .
أما نشأة الصوم في الكنيسة السريانية الشرقية فقد اختلف فيه الرواة . فعبد يشوع جاثاليق المشارقة يذكر في مخطوطة منسوخة بيده ومحفوظة في مكتبتنا المرقسية بالقدس , عن طقس الباعوث ( الطلبة ) ما ترجمته ( طقس باعوث العذارى الذي وضعه مار يوحنا ازرق أسقف الحيرة حينما طلب أحد الملوك من المسيحيين . بنات عذارى فاجتمع أهل الحيرة في الكنيسة مع الأسقف وبعد ثلاثة أيام نجاهم الله ومات ذلك الملك , وقد قبل الرب دعاءهم كأهل نينوى وأمر الآباء من ذلك العهد أن يصنع ( الباعوث ) لأجل التذكار والمساعدة ) .
وفي رواية ثانية لأبي الفرج ابن العبري في كتابه الكنيسة الشرقية , ما ملخصه : وفي ذلك الزمان تجدد صوم العذارى الذي يصومه المشارقة ثلاثة أيام بعد الدنح ويقال أن أحد الملوك لما بلغه وصف جمال نساء الحيرة أرسل إلى عامله الذي كان هناك وأمره أن ينتخب جميع العذارى اللواتي يصلحن للرجال ويرسلهن ولما وصل هذا الأمر وبدأ العامل بجمعهن اجتمع المسيحيون جميعهم في الكنيسة وصاموا ساهرين أمام الرب لكي يزيل عنهم هذه المحنة وفي اليوم الثالث بينما كان يوحنا ازرق يقرأ الإنجيل أوحي إليه موت الملك الذي طلب العذارى فبشر الشعب وبعد تحقيق الخبر, شرع المؤمنون يمسكون هذا الصيام ).
انتقل الصيام من الكنيسة السريانية إلى الكنيسة القبطية على عهد الأنبا أبرام السرياني البطريرك الإسكندري حينما حل أوان صوم يونان صام البطريرك فاقتدى به أبناء كنيسته ثم احتفظت البيعة القبطية بهذه العادة إلى يومنا هذا .
والرأي الأرجح أن الأرمن أيضاً أخذوا هذا الصوم عن الكنيسة السريانية ولكن قبل الأقباط بزمن بعيد ولم يزالوا يصومونه ستة أيام على ما كان جارياً في كنيسة الرها وبلاد شميشاط وملطية ويسمى عندهم صوم القديس سركيس لوقوع عيده في نهايته . والقديس سركيس هذا قائد استشهد في النصف الأخير من الجيل الرابع وهو غير سركيس رفيق باخوس الذي استشهد بالرصافة سنة (303م) وحكاية القديس هذا المسمى صوم نينوى باسمه عند الأرمن وصلت إليهم عن مصدر سرياني على هذا الوجه , في الجيل الثاني عشر كان راهب في دير اختمار يدعى جورجي , هذا كتب رسالة إلى نرسيس الجاثاليق الذي كان في كيليكية لكي يبعث إليه بقصة مار سركيس ولما لم يجد الجاثاليق هذه القصة بين كتبه , كتب إلى دير مار برصوما للسريان الواقع بجوار ملطية يطلب هذه القصة فنقلها له أحد رهبان الدير المذكور إلى الأرمنية وربما أن لغته كانت ركيكة اضطر الجاثاليق أن ينقحها بقلمه ومن ثم أرسلها إلى الراهب جورجي المذكور بدير اختمار .
ونحن عندما نمارس فضيلة الصيام إيماناً منا بأنه انتصار النفس على شهوات الجسد , فصوم الفكر والضمير والقلب والنفس والجسد عن كل الشرور والمعاصي . كقول ابن العبري : الغاية من الصوم إذلال الجسد والأهواء المختلفة , وإخماد الميول الجسدية , لكي تضيء النفس التي أظلمت بظلام المادة , وتتنقى كالمرأة من الأقذار التي تشوهها.
المراجع : السريان إيمان وحضارة ـ كتاب المواعظ