انتهى العصر المملوكى بمقتل طومان باى وتعليقة على باب زويله، وأصبحت مصر ولاية عثمانية منذ عام 1517م حتى 1798م، ودخلت مصر عصر من أظلم عصورها التاريخية، واستنزفت ثرواتها الزراعية والصناعية والتجارية.
حالة المسيحيين فى العصر العثمانى
شهد العصر العثمانى تطبيق الشروط العمرية على أهل الذمة تطبيقا مجحفا، فاق غيره من العصور السابقة، بل فُرض على الأقباط اتاوات استحدثتها الخلافة العثمانية بدون آى وازع من ضمير. فلم يتمكن الأقباط من تشييع جنازة البابا متاؤس الرابع إلا فى مقابل دفع مبلغ مالى كبير من المال لتسمح لهم الإدارة بذلك. وشهد تحصيل الجزية الكثير من مظاهر التعسف، حتى فرضت الجزية على الجميع، ولم يَسلم منها راهب ولا اسقف ولا قس ولا طفل. وفى سنة 1734م زادت ضريبة الجزية عما كانت عليه الى ضعفين تقريبا.
اتفقت الدولة العثمانية مع اليهود والمسيحيين على إعطائهم حكما ذاتيا فى الأمور الدينية وتنظيم الجالية والمكانة الشخصية، شأنها فى ذلك شأن غيرها من البلاد الإسلامية. ولهذا الامتياز كان عليهم أن يدفعوا الجزية أو الجوالى أو ضريبة الرأس وكانت هذه الضرائب تدفع للعلماء والصالحين الذين كانو يتلقون معاشات فى مصر.
ويروى المؤرخ أحمد شلبى أن هناك فرمان عثمانى من اسطنبول يتعلق بالجزية وضرائب أكثر ارتفاعا مما جعل حوالى 1000 مسيحى يتظاهرون احتجاجا عليها، وتعرضو لهجوم من الجنود مما أدى إلى قتل اثنين منهم، وتفرق الآخرون.
يخبرنا الدكتورعزيز سوريال فى كتابه ” تاريخ المسيحية الشرقية”، أن الباب العالى العثمانى كان يسعى إلى ضمان وصول الجباية الضريبية من “الملل” المسيحية، وإن كان السلطان قد منح المسيحيين فرمانا يقر فيه انتخاب البطريرك الذى يدفع للخزانة السلطانة أكبر قدر من المال. وقد أدى هذا إلى انتشار الفساد بين رجال الكنيسة اليعقوبية الطامعين فى منصب البطريركية، وتدهورت أحوال الكنيسة روحيا وثقافيا حتى صارت كنيسة اليعاقبة، مثلها فى ذلك كنيسة النساطرة ، تعانى من الجهل والعوز.
وفيما يختص ببناء الكنائس، فلم يسمح العثمانيون للأقباط ببناء آى كنائس جديدة، مع الإبقاء على ما تبقى من الكنائس التى كانت قائمة قبل دخول العرب مصر، والسماح أحيانا بترميم الكنائس القديمة من الأنقاض القديمة ذاتها، وإذا لم تكفى الأنقاض القديمة فى ترميم ما تصدع من البناء فيجوز استخدام مؤن معمارية جديدة من نفس نوع الأنقاض القديمة، بحيث يعود بناء الكنيسة إلى شكلها القديم، ولا يتم توسعات أو إحداث زيادة فيه” .
الحضور المسيحى فى العصر العثمانى
من أهم الوظائف التى شغلها المسيحيين فى عصر الدولة العثمانية وظيفة “المباشر” وتعنى كبير جُباة الضرائب، وهى أعلى الوظائف الحكومية آنئذ. ومن بين هؤلاء المباشرين يأتى المعلم ابراهيم الجوهرى، الذى عمل لدى الامير ابراهيم بك وكان غنيا وسخى العطاء على الفقراء والمحتاجيين وسعة صدره التى احتوت المسلمين والمسيحيين على السواء. ويذكر الدكتور محمد عفيفى ان المعلم ابراهيم الجوهرى بخدماته العديدة التى اداها للكنيسة القبطية لا يُعتبر حالة فردية، ولكنه يمثل ذروة التعاون بين المباشرين والكنيسة القبطية فى العصر العثمانى.
ومع حلول القرن الثالث عشر أصبح اليعاقبة (الأرثوذكس) يتقنون اللغة العربية، ولم يبقى إلا نفر قليل من الكتاب يستخدمون اللغة السريانية فى كتاباتهم. فقد أصبحت العربية هى الأداة الصالحة مع هذا التطور للانتاج الفكرى والأدبى بالنسبة للسريان جميعا. ويعتبر ” ابن العبرى” هو أخر الكتاب اليعاقبة الكبار الذى وضع مؤلفاته باللغتنين السريانية والعربية فى يسر واقتدار وكان يُجيد اللغة العربية ولكنه كان يجهل اللغة اليونانية.
وعمل المسيحيين فى وظيفة “كاتب” أو “صراف” فى دار سك العملة، وفى ادارة الجمارك، وفى ديوان الجوالى المختص بشئون الجزية، وفى ديوان الحسبة، وفى ادارة الشؤون المالية للاوقاف الاسلامية مثل المعلم جرجس بن شنودة. وفى حكم “خاير بك”، اول حاكم عثمانى لمصر (1517-1522)،عين رجلا مسيحيا يسمى الشيخ “يرنس” فى منصب المدير الأول لمكاتب الدولة، مما جعل المسلمين مرؤوسين لديه.
ولاحظ بوبك وهو يكتب فى أوائل القرن الثامن عشر أن جمارك دمياط كانت عادة ما يديرها المسيحيون. وكانت معظم التجارة فى القاهرة تتم داخل إطار نظام الطوائف، وكان أعضاء الطائفة عادة ما ينتمون إلى نفس الجالية الدينية أوالعرقية فنجد طوائف يهودية واسلامية ومسيحية وكان معظم الحائكين وأصحاب محلات الخمور من المسيحيين.
تطبيق عهد الذمة
يقول الدكتور عبد العظيم رمضان أن العصر العثمانى شهد الفصل الأخير من تطبيق عهد الذمة على الأقباط، قبل البحث عن صيغة جديدة للعلاقات بين المسلمين والاقباط فى القرن التاسع عشر ، هى صيغة الوطنية والمواطنة.
لم يؤدى وصول العثمانيين الى الحكم إلى تعديل جوهرى فى نظام مختلف الكنائس الشرقية وفى حياتها الداخلية، إلا أن تفاقم الوضع الاقتصادى أدى إلى المزيد من التدهور فى الحياة الدينية والأخلاقية والروحية . وهكذا، فإن اعتناق الإسلام قد أضعف الطوائف المسيحية، فتضاءل عدد الكهنة والرهبان وأقفلت الأديرة وأدرك الخراب العديد من الكنائس فى مصر .
أزياء خاصة
كان المطلوب من المسيحيين واليهود ارتداء أزياء خاصة، وعلى الأخص غطاء الرأس، فبناء على أمر أصدره حازم حسن باشا عام 1580م، تحتم على اليهود أن يرتدى قبعات حمراء وأن يرتدى المسيحيون قبعات سوداء، وأمر أغا الانكشارية بعدم السماح لليهود والمسيحيين أن يستخدموا خدما أو عبيدا من المسلمين. وارتبطت قوانين الحمامات بقوانين اللبس فكان من غير المسموح للمسيحيين واليهود دخول الحمامات العمومية دون أن يعلقوا جرسا حول رقابهم كى يفرق بينهم وبين المسلمين.
ويُسجل الجبرتى المراسيم التى تحظر على المسيحيين ركوب الخيل، واستخدام الخدم المسلمين، وشراء العبيد، وكذلك اجبارهم على مراعاة قواعد اللبس، ففتشت منازل المسيحيين بحثا عن العبيد، وكان من يوجد منهم يُباع فى المزاد فانتهز دهماء القاهرة هذه المراسيم لمضايقة المسيحيين، فكان على الحكومة أن تعلن انها تنوى حمايتهم.
مصادر
• المجتمع المصرى تحت الحكم العثمانى- ميكل ومنتر
• الأقباط فى العصر العثمانى- د.محمد عفيفى
• تاريخ المسيحية الشرقية –عزيز سوريال
• المسيحية عبر تاريخها فى المشرق- مجموعة مؤلفين
• الكنائس الشرقية واوطانها-الراهب القس اثناسيوس المقارى
• وطنية الكنيسة القبطية -الراهب القمص انطونيوس الانطونى