بعد الاتفاق النووي مع إيران رفع الغرب عقوباته ضد الجمهورية الإسلامية. فهل تكون هذه بداية الأمل للمسيحيين المضطهدين في إيران كي تتحسن ظروفهم؟ أمر غير متوقع كما يقول الخبراء. فما هي أبرز خروقات إيران ضد مسيحييها؟
في إطار مشاركته بمنتدى اقتصادي إيطالي – إيراني في روما، سيزور الرئيس الإيراني حسن روحاني الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس. ومن بين أهم المواضيع المطروحة سلفا للنقاش بين الجانبين وضعية حقوق الإنسان في الجمهوية الإسلامية، وخاصة حقوق الأقلية المسيحية هناك. وتقدر الإحصائيات الرسمية نسبة المسلمين بإيران ب 98 بالمئة، فيما يلبغ عدد المسيحيين 90 ألف شخص. غير أن المنظمة الخيرية الكاثوليكية (MISSIO) تقدر أعدادهم بأكثر من ذلك. ومن جانبها ترى منظمة حقوق الإنسان “الأبواب المفتوحة” أن عددهم يصل إلى 500 ألف مسيحي من طوائف مختلفة كالبروتستانتية، الرسولية الأرمنية، والآشورية، والكلدانية. ووفقا لتقديرات الكنيسة الكاثوليكية يصل عدد المنتمين إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية إلى 15 ألف شخص.
الشعائر الدينية ممنوعة بالفارسية
ويصف ماركوس روده، الخبير في الشؤون الإيرانية لدى منظمة “الأبواب المفتوحة”، وضع المسيحيين الإيرانيين ب”المأساوي جدا”. ويضيف ماركوس روده، في حديث مع DW، أن وضع المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية “أسوأ بكثير”، بسبب تعرضهم “لمتابعة شديدة” من قبل السلطات. ويتم الزج بالكثير منهم في السجون، كما يتعرضون للتعذيب أو للإعدام لأسباب واهية. أما الطوائف الأرمنية والآشورية فرغم أنها تمارس شعائرها تحت مراقبة الشرطة والمخابرات، ولكن تلك الشعائر لا يجب أن تقام إطلاقا باللغة الفارسية. فالسلطات الإيرانية تمنع تداول كل أنواع الكتب المسيحية باللغة الفارسية، بهدف منع العمل التبشيري. وبالنسبة لماركوس روده فتلك الممارسات “ستؤدي بكل تأكيد إلى خنق الكنائس التقليدية”. ونتيجة لذلك “لا يبقى أمام المسيحيين الإيرانيين المعنيين إلا إمكانية التواري عن الأنظار”، كما أن العديد منهم يجتمعون في كنائس منزلية صغيرة داخل البيوت لأداء شعائرهم الدينية.
وضع محرج لمعتنقي المسيحية
ويروي ماركوس روده قصة أحد المسيحيين الإيرانيين من العاصمة طهران: “تم جذب الرجل في الشارع إلى داخل سيارة أجرة، وقيل له يجب عليك الآن أن تتخلى عن المسيحية وتعود إلى الإسلام أو تموت!”. وضع مختطفو الرجل مسدسا على جبهته وضغطوا على الزناد. لكن المسدس لم يكن بداخله رصاص. وبعد عملية “الإعدام الوهمية في وضح النهار”، زُج به في أحد السجنون في طهران، وتعرض للتعذيب عبر إحراق جسمه بالسجائر. وفي الأخير دفع أقاربه الكثير من المال كفدية من أجل إطلاق سراحه. وحاليا يعيش الرجل في ألمانيا لكن الخوف لا يفارقه من المخابرات الإيرانية التي لها ذراع طويلة.
على نحو مشابه لما وصفه ماركوس روده، يعتبر ماتياس فوغت، باحث في علوم الإسلام ومستشار شؤون الشرق الأوسط لدى منظمة التبشير الكاثوليكي (MISSIO)، حالة المسلميين الذين اعتنقوا المسيحية بالحرجة جدا. فبسبب التهديد بالسجن، أو تنفيذ عقوبة الإعدام يُمنع المسلمون من اعتناق المسيحية. وحسب التصور الإيراني فحتى المسلمين الإيرانيين الذين اعتنقوا المسيحية يظلون مسلمين. كما لا يُسمح في إيران لأي مسلم أن يدخل إلى كنيسة مسيحية. ف”الضغط على الكنائس يبقى عالياً” على حد تعبير ماتياس فوغت في مقابلة مع DW. ووصف الموقع الإلكتروني الكاثوليكي (katholisch.de) إيران بهذه “الدولة المستبدة”. ومن جانبه وصف بيرتولد بيلستر، المتحدث باسم منظمة “مساعدة الكنائس المضطهدة”، إيران بأنها “دولة رقابة، ودولة بوليسية تحاول حجب كل ما ليس له علاقة بالثقافة الإسلامية الشيعية عن السكان”.
شكوك في تحسن أوضاع حقوق الإنسان بعد الاتفاق النووي
ومن بين الأسئلة المطروحة في الوقت الحالي، هل سيؤثر الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران على الوضع السياسي الداخلي في طهران؟ فماركوس روده وماتياس فوغت يستبعدان حدوث تحسن مبكر في مجال حقوق الإنسان. من وجهة نظر غربية يبدو وكأن هناك “فرصة تاريخية” أمام إيران لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، كما يقول روده، الذي يضيف أن دافع إيران هو “المصالح الاقتصادية، لأنها بحاجة إلى الأسلحة، وبالتالي إلى توقيع اتفاق نووي مع (الشيطان الأكبر) الولايات المتحدة الأمريكية”. وهذا لا يعني أنها ستتوقف عن اضطهاد المسيحيين الإيرانيين داخل البلاد. ورغم أن السلطات الإيرانية أطلقت مؤخرا سراح قسيسين مسيحيين، ولكنها اعتقلت في فترة أعياد الميلاد أعدادا أخرى من المسيحيين، وهو ما جعل فوغت يشكك في مساعي إيران لتحسين أوضاع حقوق المسيحيين.
ويعتبر الغرب الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي يبدأ أول رحلة له إلى أوروبا بعد عامين على توليه المنصب، “محط الآمال” لتحسين العلاقات بين إيران والغرب. ويرى العديدون أن روحاني نجح من خلال الاتفاق النووي مع الغرب في إخراج بلاده من عزلتها السياسية، ما سيفتح المجال أمام الانفتاح الاقتصادي. غير أن المحامية والناشطة الحقوقية الإيرانية الحاملة لجائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، لها رأي مخالف: “روحاني لا توجد لديه أي صلاحية أو سلطة”. وأضافت عبادي خلال اجتماع مع منظمة التبشير الكاثوليكي (MISSIO) بمدينة آخن بولاية وستفاليا شمال الراين، أن “السلطة توجد في يد المرشد الأعلى لوحده، والشريعة الإسلامية ذات التوجه الشيعي تتعالى على القانون الوضعي العلماني”. أما ماركوس روده فينتقد تغير طريقة تعامل الغرب مع إيران بعد الاتفاق النووي: “لقد صُدمت لمّا رأيت كيف بدأ الغرب فجأة يجري وراء المشاريع الاقتصادية بدل استغلال المفاوضات من أجل حث إيران على الالتزام باحترام حقوق المسيحيين الإيرانيين”.
الاذاعة الالمانية DW