كنيسة اللة غريبة على الأرض، وغريبة من كل أرض. حُرّة من كل قيد أرضي، لا يحُدّها إلا الله الذﻱ في وسطها كي لا تتزعزع؛ هو يجمعها من أربع رياح الأرض، عندما يوحِّدها ويسير معها؛ ويسيِّج عليها ويتقدمها. يسير فنسير متغربين (لكنه معنا)، وهو مصدر وجودنا وحياتنا وراحتنا، ولولاه لابتلعونا ونحن أحياء.
مشقات وأنين وتهديدات ودماء واستقواء ومخادعات خسيسة وكراهية ومظالم لا حصر لها؛ دفعت بملايين المسيحيين في الشرق إلى الهجرة والتشريد والمبيت في غربة العَراء والعوز، يعانون الخسارة والاغتراب الظالم… سواء داخل أوطانهم أو منفيين خارجها، خسروا كل شيء، خسروا أوطانهم وممتلكاتهم وتاريخهم وذاكرتهم؛ ماضيهم وحاضرهم، هاربين من الوحشية والهمجية البربرية؛ لكنهم واثقون بعين الإيمان أن مولود المذود سيحملهم كما يحمل النسر وحيده على جناحيه ليضعهم من قمة موضع إلى أخرى، وسيستودعهم عُشَّهُ بأمان وسلامة؛ ”لأَنَّ الذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بالكَلِمَةِ“ (أع ٨ : ٤)، وفي هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذﻱ أحبنا.
إننا في هذه الآونة الصعبة نذكر ونتذكر إخوتنا الذين فرُّوا راحلين من العراق وسوريا وباكستان وفلسطين ومن ومصر، هاربين من الفساد والتضييق ومن وجه الشر الكريه، ومن أمام المتنمِّرين الضامرين القتل والسفك والسلب والنقمة، ومن هؤلاء الإرهابيين الذين خطفوا البلاد وجعلوها لا خريفًا مصغر؛ بل شتاءًا عاصفًا طويلاً مخضَّبا بدماء الأبرياء وصراخ النساء وعويل الأرامل والأطفال. لكننا بعين الرجاء نشارك إخوتنا الذين تشتتوا جراء هذه الضيقة الكبيرة، رسالة مسيح المذود المولود وسط معاناة الاغتراب والعوز والصقيع.
واثقين أنه لن يتركهم، وهم غير منسيين عنده، إذ أنهم بسبب اسمه الحسن الذﻱ دُعي عليهم؛ صاروا متجردين من مقتنياتهم؛ وفي استغناء عن كل مالهم من أجل الاحتفاظ برجاء خلاصهم؛ منبوذين مطرودين؛ لكنهم مطوَّبون مع كل الذين طردوهم وعيَّروهم وقالوا فيهم كل شر كاذبيين.
إن مسيحنا الحي يمكِّنهم ليكونوا فرحين متهللين لأجل أجرهم العظيم الذﻱ في السموات، ويضيء بصليبه على كل الربوع، بنور لا تُخفيه السنون، ونار تحرق كل المضادين. طالبين من الملك المولود أن يحل بروح الحرية والحياة وقوة السلام؛ لتحل محل الحروب والسيوف والرماح والخراب؛ جاعلاً هذه الأرض التي للدوس والعداوة والدماء، أرضًا للعيش والرحمة والسجود والإطلاق.
مصلين كي ينقذنا الله مخلصنا؛ وينجينا إله خلاصنا من الدماء. وهو وحده القادر أن يُخرجنا من الظلمة إلى نوره العجيب؛ حتى يختم صفحات التاريخ؛ وتبرز صورته مرسومة في أعمال شهوده وشهدائه ومعترفيه ومُتَّقيه؛ حتى تكتمل صورة الكنيسة كإنطباق المثيل على المثيل