في كلمته الإفتتاحية لسينودس أساقفة كنيسة السريان الكاثوليك، صباح الإثنين 26/10/2015، والذي يستمر حتى مساء يوم الخميس 29/10، ويُختتم بجلسة مشتركة يشارك فيها بطاركة الكنائس الشرقية الكاثوليكية والأرثوذكسية، وذلك في المقرّ البطريركي بدير سيّدة النجاة ـ الشرفة ، درعون ـ حريصا ـ لبنان، توجّه غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في الكلمة الإفتتاحية إلى جميع المسؤولين والذين بيدهم سلطة القرار، بالدعوة إلى “انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية، بغية توطيد الإستقرار وتفعيل المصالحة الشاملة الصادقة في لبنان البلد الغالي على قلوبنا. فلا أحد من اللبنانيين المخلصين ومن أصدقاء لبنان يقبل باستمرار الفراغ في سدّة الرئاسة وقد زاد على السنة، مع ما يتسبّب به من تفكّكٍ في المؤسّسات الدستورية والعامّة، ومن خرابٍ وفقرٍ وفوضى، وشعورٍ بالخيبة العميقة من قبل المواطنين”.
وناشد غبطته “جميع الأحزاب اللبنانية والمرجعيات الدينية، أن يبغوا أوّلاً وأخيراً خير لبنان، ويسعوا لتطويق النزاعات المكشوفة كما الخفية، فيُنتخَب رئيسٌ للبلاد ويوضع قانون جديد للإنتخابات، دعماً للدستور وحفاظاً على الصيغة التي توصّل إليها أسلافهم. فيشعّ لبنان حضارةً وازدهاراً، ومنارةً لمحيطه في شرقنا هذا المتخبّط والمهدَّد بهويته وكيانه”.
كما صلّى غبطته “من أجل إنهاء الصراعات المفجعة في سوريا والعراق بالطرق الديبلوماسية، لإيجاد الحلول السياسية التي تنبذ كلّ أنواع العنف. ونحن، كمسيحيين يتبعون إنجيلهم، رسالة الحب والسلام، مدعوون إلى عيش المحبّة نحو الجميع. ولسنا من هواة العنف والإنتقام، ولكن من الغباء أن نظنّ، كالمنظّرين الذين يطالعوننا من حينٍ إلى آخر بآرائهم ومقولاتهم الخيالية، بأنّ داعش وغيرها من العصابات التكفيرية الهمجية، تنتظر من يأتيها للتحاور العقلاني أو التواصل الإنساني. نحن، الذين عانوا ويعانون من نكباتٍ وإبادةٍ واقتلاعٍ من أرضنا على أيدي تلك العصابات. ولسنا من الذين “يعدّون العصي” صاغرين”.
واعتبر غبطته أنّ “من حقّنا بل من واجبنا أن ندعو جميع المقتدرين الشرفاء أن يدحروا عن أهلنا وشعبنا قوى الظلامة والظلم، ويمنعوا برابرة الشرّ والهمجية في عصرنا هذا، من الإستمرار بالقتل والتنكيل والسبي والتهجير والهدم والتدمير في سوريا والعراق. فليس من واجبٍ أقدس من أن يدافع الإنسان بكلّ الوسائل المتاحة عن نفسه وعرضه، عن أرضه وموطنه، عن إيمانه، هبة السماء لكلّ المتّكلين عليه تعالى. فالصلاة تبقى الوسيلة الأقدر التي نستحقّ بها تدخُّل الله في تاريخنا الملطَّخ بالدم والحرب والعنف والإرهاب”.
وعبّر غبطته عن فرحه وسروره ومعه آباء السينودس بعودة الأب جاك مراد إلى الحرية، وصلّى من أجل إطلاق سراح جميع المخطوفين، من المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي والكهنة والعلمانيين، ومن بينهم أبناء القريتين، وقرى الخابور في الجزيرة السورية.
واستعرض غبطته أبرز أعمال البطريركية ونشاطات الطائفة خلال العام المنصرم، ولعلّ أبرزها الإحتفال بإعلان تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي في 29 آب الماضي، وإحياء السنة اليوبيلية في الذكرى المئوية لمجازر إبادة السريان “سيفو ـ السوقيات”. فضلاً عن الزيارات الراعوية التي قام بها غبطته إلى أبنائه المتألّمين في سوريا والعراق، وكذلك إلى أبناء الكنيسة السريانية في بلاد الغرب، في أوروبا وأميركا. وكذلك مشاركة غبطته في عدد من المؤتمرات وإلقائه المحاضرات حول الحضور المسيحي في الشرق، وذلك في باريس ومدريد وبرشلونة وروما وواشنطن وسواها. كما أشار غبطته إلى اللقاءات العديدة التي جمعته مع بطاركة الكنائس الشقيقة خدمةً لأبنائنا المتألّمين في الشرق.
واستعرض غبطته المواضيع الملحّة والمدرجة على جدول أعمال المجمع، وأبرزها الأوضاع في سوريا والعراق، وشؤون الأبرشيات السريانية في الشرق والغرب، وأحوال الكهنة، وآخر مستجدّات الإصلاح الليتورجي، ونتائج السينودس من أجل العائلة الذي عقده البابا فرنسيس وانتهى الأسبوع الماضي، وإعلان سنة الرحمة الإلهية.
الكلمة الإفتتاحية لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان في المجمع السنوي العادي (سينودس) للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
دير سيدة النجاة، الشرفة 26 ـ 29 تشرين الأول 2015
إخوتي الأجلاء، آباء سينودس كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية الأساقفة الجزيلي الإحترام،
حضرات الخوارنة والآباء الكهنة الأفاضل:
ܚܽܘܒܳܐ ܘܰܫܠܳܡܳܐ ܒܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܡܫܺܝܚܳܐ، ܕܒܰܫܡܶܗ ܡܶܬܟܰܢܫܺܝܢܰܢ ܐܰܟ̣ܚܰܕ ܒܗܳܕܶܐ ܣܽܘܢܳܗ̱ܕܽܘܣ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ
أرحّب بكم بتحيّة السلام وعاطفة المحبّة الأخوية، ونحن نفتتح بنعمة الرب مجمعنا السنوي العادي في ديرنا المبارك، تحت أنظار شفيعتنا العذراء مريم “سيّدة النجاة”.
شؤونٌ أساسيةٌ عديدةٌ تنتظرنا، ولكن قبل عرض المواضيع الخاصة بمجمعنا، أردتُ أن أستعرض معكم أولاً، أهمّ الأحداث التي عرفتها كنيستنا السريانية، خلال الأشهر العشرة التي مرّت منذ مجمعنا السابق الذي عقدناه ما بين 8ـ10 كانون الأول المنصرم في روما، لكي أقدّم ثانياً جدولاً لأهمّ المواضيع التي سنناقشها أثناء هذا المجمع، راجياً أن نتقيّد بمواعيده حتى اختتامه.
أولاً: الأحداث التي عرفتها كنيستنا السريانية:
هي تلك المفرحة وتلك المؤلمة، التي مرّت على كنيستنا في الأشهر العشرة الأخيرة، ولعلّ أبرزها:
أـ طوباوي جديد لكنيستنا:
بمزيدٍ من الفرح والإفتخار، نستعيد الذكرى العذبة للإحتفال المهيب الذي شاركنا فيه مساء السبت الواقع في 29 آب المنصرم، وفيه أصغينا بخشوعٍ إلى رسالة الأب الأقدس وهو يعلن على الملأ بفم ممثّله الكردينال أنجلو اماتو، مطراننا الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، طوباوياً. وإذ ترفع كنيستنا آيات الشكر للرب لإنعامه علينا بهذه البركة المميّزة، ترى في هذا الطوباوي مثالاً ورمزاً لجميع شهدائنا وشهيداتنا، الذين سفكوا دماءهم عبر العصور حبّاً بالرب الفادي، وتعلّقاً بإيمانهم، وبأمانةٍ بطوليةٍ لإنجيل المحبّة والعدل والسلام.
علينا أن نفخر بهذا الطوباوي، ونرفع أيقونته على مذابح كنائسنا، تكريماً لفضائله، وإجلالاً لاستشهاده، وطلباً لشفاعته، كي يتحنّن الرب علينا وعلى شعبنا المسيحي المعذَّب، ويكلّل درب آلامنا بنور قيامته المجيدة.
وكما تعلمون، لقد تمّ هذا الإحتفال التاريخي بمشاركة سلفنا مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد الذي أثلج حضوره المفاجئ قلوبنا، مع البطاركة رؤساء الكنائس الشرقية: البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، والبطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، والكاثوليكوس آرام الأول كيشيشيان. كما تمثّل أخونا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني الغائب خارج لبنان، بالأسقف موريس عمسيح، مع ممثّلين آخرين عن بطاركة الروم الأرثوذكس والأقباط الكاثوليك والكلدان والأرمن الكاثوليك.
وممّا زاد في فرحنا بمناسبة هذا التطويب الإحتفالي، أنّنا استطعنا أن نؤمّن مشاركة عددٍ فاق الخمسمئة من الإكليروس والمؤمنين، جاؤوا من أبرشياتنا في سوريا والعراق والأراضي المقدّسة وتركيا ومصر والسويد وألمانيا وبريطانيا وسائر البلاد حيث تنتشر كنيستنا. وجاءت مشاركتهم مع أكثر من ثلاثة آلاف شخصٍ من أبناء أبرشيتنا البطريركية ومن المهجَّرين النازحين في لبنان، مدعاةً لسرورنا واعتزازاً بشهدائنا وتعبيراً عن وحدة كنيستنا إنطلاقاً من أبرشياتنا ورعايانا، فكان لها الوقع العميق في قلوب الجميع.
ب ـ احتفالاتٌ في ذكرى مئوية الإبادة لشعبنا السرياني، التي افتتحناها بقداسٍ احتفالي مهيب، مساء السبت الواقع في 7 شباط المنصرم، في كاتدرائية سيّدة البشارة في بيروت، بحضور بطاركة الكنائس الشرقية. وقد تلتها مشاركتنا مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة في تنظيم وعقد مؤتمرٍ هام تناول إحياءَ هذه المئوية، وذلك ما بين 2ـ4 تمّوز في جامعة الروح القدس ـ الكسليك، تحت عنوان “إبادة السريان: شهادة وإيمان”، وشارك فيه باحثون واختصاصيون في هذا المجال. وجاء هذا المؤتمر دليلاً على أنّ كنيستينا حقّقتا خطواتٍ هامّةً على درب الوحدة في الإيمان واللغة والتراث والتاريخ والحضارة، كما في وحدة الشهادة حتى سفك الدم لإنجيل الفادي، حسب اعتراف قداسة البابا فرنسيس.
وها نحن نستعدّ لاختتام هذه المئوية في أعقاب انتهاء مجمعنا هذا بتدشين النصب التذكاري الذي
سيخلّد الذكرى في باحة هذا الكرسي البطريركي، ثمّ باحتفالٍ روحي وأمسية ترانيم وصلاة في كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد يوم الجمعة القادم بعونه تعالى.
كما سنحتفل مساء السبت القادم في 31 تشرين الأول الجاري بالقداس الإلهي في الكاتدرائية عينها بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لمذبحة سيدة النجاة، وفيه سنطلق دعوى تطويب الأبوين الشهيدين ثائر عبدال ووسيم القس بطرس.
ج ـ الزيارات الراعوية لأبرشياتنا في سوريا والعراق:
خلال هذا العام، قمنا بزياراتٍ أبويةٍ لتشجيع أبنائنا في سوريا والعراق على مواصلة أداء شهادتهم لإيمانهم المسيحي رغم هول المآسي والمصاعب.
استطعنا أن نقوم خلال شهري آذار وتمّوز المنصرمين، بزيارتين راعويتين لأبرشية حمص وحماة والنبك، حيث تفقّدنا شؤون رعاياها وإكليروسها ومؤمنيها، من المقيمين فيها ومن النازحين إلى الأماكن المطمئنة بعد حصار حمص القديمة ودمارها.
كذلك قمنا خلال شهري شباط وأيّار الفائتين بزياراتٍ إلى أبرشية بغداد، حيث قابلنا رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وزرنا أبناء رعايانا الثلاث فيها، وإلى أبرشية الموصل وكركوك وكردستان، حيث تفقّدنا أبناء شعبنا في كردستان العراق، النازحين والمهجَّرين من الموصل وبلدات سهل نينوى.
وهنا عليّ أن أذكر لقاءً خاصّاً عقدناه في الكرسي البطريركي في بيروت، مع قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني وغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو في شهر نيسان، بغية توحيد المساعي الآيلة إلى تخفيف المآسي التي يقاسيها شعبنا السرياني والكلداني في العراق، والتطلّع إلى خدمته بعد النكبات التي حلّت به منذ 15 شهراً بسبب الهجمات المتوحّشة واقتلاع عشرات الآلاف من بيوتهم وأراضيهم، ونحن نبذل الجهود كي يتكّرر مثل هذا اللقاء.
دـ لقاءات ومشاركات مختلفة:
شاركنا في الجلسة العادية لمجمع الكنائس الشرقية في روما في شهر شباط. كذلك شاركنا في شهر نيسان في القداس الذي احتفل به قداسة الأب الأقدس البابا فرنسيس في بازيليك مار بطرس، بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية. وقمنا بزيارة رعيتنا السريانية في باريس، وكذلك أبناءنا الذين وصلوا حديثاً إلى مرسيليا.
وشاركنا في مؤتمراتٍ عن الحضور المسيحي في الشرق في انجي Angers ـ فرنسا، وفي مدريد وبرشلونة ـ إسبانيا، وفي باري ـ ايطاليا، وفي واشنطن ـ الولايات المتّحدة.
كما زرنا في شهر أيلول الماضي، 12 رعية وإرسالية في أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، حيث احتفلنا بالذكرى العشرين على تأسيس هذه الأبرشية، وأحيينا الذكرى المئوية لمذابح الإبادة.
ومن الفعاليات المسكونية، شاركنا في اجتماعات بطاركة الكنائس الشرقية، في البطريركية المارونية في بكركي، وفي بطريركية الروم الأرثوذكس ـ المريمية بدمشق.
وفي إطار العلاقات الأخوية المميّزة مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة، شاركنا في اختتام أعمال مجمعهم الأسقفي، وفي رتبة تقديس الميرون، وتقديس مذبح الشهداء السريان، وتدشين النصب التذكاري للإبادة، وفي سيامة أسقفين جديدين في دير مار أفرام بمعرة صيدنايا. كما التقينا مع قداسة أخينا البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، في الصلاة المسكونية حول قداسة البابا فرنسيس، أثناء زيارته الأولى للفاتيكان، في خطوةٍ فريدةٍ من نوعها في تاريخ العلاقات المسكونية التي تربط الكنيسة الكاثوليكية بالكنائس الأرثوذكسية، وهي دليلٌ ساطعٌ على وحدتنا وعلى المحبّة الأخوية التي تجمعنا.
ثانياً: المواضيع الملحّة:
سنعالج في هذا المجمع شؤوناً عديدةً أبرزها الأوضاع الراهنة في أبرشياتنا في سوريا الجريحة والعراق المتألّم، حيث لا يزال أبناؤنا وبناتنا يكابدون أنواعاً لم تعد تُطاق من المعاناة جراء جرائم العنف من قبل داعش وأخواتها، وبسبب الحرب العبثية التي طالت هذين البلدين موئل السريان لسنوات عديدة.
ولكنّنا في غمرة الحزن والألم هذه، لا بدّ لنا من أن نبتهج بعودة ابننا الروحي الأب جاك مراد إلى الحرّية، بعد خطفٍ قارب الأشهر الخمسة. وإذ نشكره تعالى على هذه البركة، نرجو أن يفكّ أسر أخوينا المطرانين مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة والمؤمنين، وبخاصة أهلنا في قرى الخابور وفي القريتين، وأن ينعم على أبناء الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى بعودةٍ سالمةٍ إلى أرض الآباء والأجداد، بعد تحريرها من ربقة البرابرة الذين عاثوا ولا يزالون يعيثون فيها الفساد والإجرام والإرهاب.
كما سنتناول أوضاع أبرشياتنا وإرسالياتنا في أوروبا والولايات المتّحدة وكندا وفنزويلا وأستراليا، للوقوف على حاجاتهم في ظلّ المتغيّرات في بلاد المنشأ في الشرق. ونحن نشهد بأسى ازدياداً مطّرداً للمهجَّرين الذين ينشدون الأمن والحرّية في بلاد الإغتراب. وعلينا أن نراجع بجدّيةٍ ما يترتّب علينا، نحن الرعاة، من مسؤوليةٍ أبويةٍ وراعويةٍ استثنائيةٍ، إزاء هذه الظاهرة المخيفة للهجرة، فندرس سبلَ رعايتهم والإهتمام بشؤونهم.
كما سنتطرّق إلى موضوع خدمة الكهنة وتنشئة الشمامسة في الإكليريكية وخلال السنة الرعوية، ورسامة شمامسة (إنجيليين) غير مدعوّين للكهنوت، وذلك بهدف جني الثمار المرجوّة من خبراتهم وتهيئتهم للخدمة بأفضل وجه.
وسنتناول موضوع إعادة إصدار الشرع الخاص بكنيستنا السريانية، فندرس النص الذي أصدره المثلّث الرحمات البطريرك الكردينال مار اغناطيوس موسى الأول داود، عام 1999، ونشكّل لجنةً من الإختصاصيين لتجري عليه التعديلات اللازمة بغية إعادة إصداره، تمهيداً لرفعه الكرسي الرسولي.
وسندرس التحضيرات اللازمة لعقد مجمعٍ عام لكنيستنا إسوةً ببعض الكنائس الشقيقة. كما سنتناول موضوع الزيّ الرسمي لإكليروس كنيستنا بمختلف درجاته.
ولن يغيب عن بالنا استعراض آخر المستجدّات على صعيد الإصلاح الليتورجي.
وسنتّخذ تدابير كنسيةً على مستوى الأبرشيات، وسنقوم بالتفكير في خطّةٍ روحيةٍ وراعويةٍ استعداداً للدخول في سنة الرحمة الإلهية التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس، وهي حاجةٌ ملحّةٌ لعالمنا.
ولن نغفل عن التطرّق إلى نتائج السينودس العام من أجل العائلة الذي عقده قداسة البابا فرنسيس مؤخّراً وانتهى منذ يومين في الفاتيكان، وقد شاركنا فيه مع سائر البطاركة الشرقيين، وكرادلة وأساقفة، وبحضور مراقبين عن الكنائس الشقيقة.
كلّ هذه القضايا، الموضوعة بين أيدينا في تقارير مفصّلة تقتضي منّا اتّخاذ التدابير اللازمة بشأن النقاط المطروحة. إنّنا نعالجها بروح المسؤولية أمام الله وحاجات الكنيسة الجامعة وكنيستنا السريانية، بعيداً عن أيّ غايةٍ أو مصلحةٍ خاصّةٍ، وبتجرّدٍ وتحرّرٍ من أيّة ضغوطٍ وارتباطاتٍ وشروط.
فمن الضرورة أن يُدلي كلّ واحدٍ منّا برأيه حراً صريحاً، وبروح الموضوعية المسؤولة. فنحن كنيسةٌ سينودوسيةٌ تحتاج إلى مشاركة الجميع ورأي الجميع. ومن الواجب الضميري حفظ السرّ، حيث تدعو الحاجة وتوجب القوانين، تجنّباً لأيّ ضررٍ قد يلحق بالكنيسة والسينودس والأشخاص المعنيين.
لقد صلّينا، ونواصل صلاتنا من أجل انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية، بغية توطيد الإستقرار وتفعيل المصالحة الشاملة الصادقة في لبنان البلد الغالي على قلوبنا. فلا أحد من اللبنانيين المخلصين ومن أصدقاء لبنان يقبل باستمرار الفراغ في سدّة الرئاسة وقد زاد على السنة، مع ما يتسبّب به من تفكّكٍ في المؤسّسات الدستورية والعامّة، ومن خرابٍ وفقرٍ وفوضى، وشعورٍ بالخيبة العميقة من قبل المواطنين.
لذلك نناشد جميع الأحزاب اللبنانية والمرجعيات الدينية، أن يبغوا أوّلاً وأخيراً خير لبنان، ويسعوا لتطويق النزاعات المكشوفة كما الخفية، فيُنتخَب رئيسٌ للبلاد ويُوضَع قانونٌ جديدٌ للإنتخابات، دعماً للدستور وحفاظاً على الصيغة التي توصّل إليها أسلافهم. فيشعّ لبنان حضارةً وازدهاراً، ومنارةً لمحيطه في شرقنا هذا المتخبّط والمهدَّد بهويته وكيانه.
وصلّينا ونصلّي من أجل إنهاء الصراعات المفجعة في سوريا والعراق بالطرق الديبلوماسية، لإيجاد الحلول السياسية التي تنبذ كلّ أنواع العنف. ونحن، كمسيحيين يتبعون إنجيلهم، رسالة الحب والسلام، مدعوون إلى عيش المحبّة نحو الجميع. ولسنا من هواة العنف والإنتقام، ولكن من الغباء أن نظنّ، كالمنظّرين الذين يطالعوننا من حينٍ إلى آخر بآرائهم ومقولاتهم الخيالية، بأنّ داعش وغيرها من العصابات التكفيرية الهمجية، تنتظر من يأتيها للتحاور العقلاني أو التواصل الإنساني. نحن، الذين عانوا ويعانون من نكباتٍ وإبادةٍ واقتلاعٍ من أرضنا على أيدي تلك العصابات. ولسنا من الذين “يعدّون العصي” صاغرين.
نرى من حقّنا بل من واجبنا أن ندعو جميع المقتدرين الشرفاء أن يدحروا عن أهلنا وشعبنا قوى الظلامة والظلم، ويمنعوا برابرة الشرّ والهمجية في عصرنا هذا، من الإستمرار بالقتل والتنكيل والسبي والتهجير والهدم والتدمير في سوريا والعراق. فليس من واجبٍ أقدس من أن يدافع الإنسان بكلّ الوسائل المتاحة عن نفسه وعرضه، عن أرضه وموطنه، عن إيمانه، هبة السماء لكلّ المتّكلين عليه تعالى.
فالصلاة تبقى الوسيلة الأقدر التي نستحقّ بها تدخُّل الله في تاريخنا الملطَّخ بالدم والحرب والعنف والإرهاب. له المجد إلى الأبد. آمين.
عنكاوا