يبدو للمراقب بان قدر الأمة الأشورية مع الإعدامات لا ينتهي، فخلال مائة عام الماضية فحسب، شهدت الأمة الأشورية أبشع جرائم الإعدامات والقتل الجماعي بحق مواطنين أبرياء لا ذنب لهم سوى كونهم، دينيا وقوميا يختلفون عن شعوب المنطقة التي كانوا يعيشون فيها بمنطقة الشرق الأوسط الذي كان يرزح آنذاك تحت حكم الدولة العثمانية ، ليمارس ضدهم أبشع أنواع الاضطهاد والتميز، فتم إصدار أوامر رسمية بالقتل ومصادرة أملاكهم وطردهم ، لتشهد المنطقة موجات نزوح وهجرة لا مثيل لها، لاقوا الأشوريين المذلة والهوان و المعانات والماسي في مخيمات هنا وهناك.
فما بين عام 1915ولغاية عام 1918 تجاوز عدد ضحايا الإعدامات التي نفذها الجيش العثماني ضد الأشوريين في منطقة جبال) هكاري( من ولايات) وان (و (ديار بكر( فحسب على 750,000 إلف أشوري، و يضاف إلى هذا العدد حوالي مليونين من إخواننا الأرمن ويوناني بنطي، قتلوا في مذابح مشابهة معروفة بمذابح (الأرمن ومذابح اليونانيين البونتيك) بكونهم مسيحيين، ليتم آنذاك نزوح مئات الآلاف من أبناء شعبنا الآشوري إلى دول الجوار.
وفي (إيران) لم تكن أوضاعهم تحت حكم (الفارسي) بأحسن حال مما هي تحت سلطة (العثمانيين) والأسباب ذاتها دينيا وقوميا، وهناك – وفي إعقاب الحرب الكونية الأولى- اعدم عشرات ألاف من الأشوريين في منطقة (ارمي) ومن نجي فر إلى العراق وعاش المذلة في مخيمات بعقوبة.
وهكذا ظل الأشوريين في المنطقة يعيشون بأوضاع مزية بما كانوا يلاقونه من عذاب التهجير ألقسري ومن ويلات الاضطهاد والبؤس و الشقاء لا مثيل له.
وحينما شهدت منطقة الشرق الأوسط نهاية العشرينيات من القرن الماضي حركات التحرر من الاستعمار العثماني والتي شارك الأشوريين بكل ثقلهم في جبهة لبنان وسوريا والعراق، وحينما طالبوا بحقوقهم القومية التي وعدو بها من قبل جيوش التحالف حينما انضموا إليهم ومسكوا جبهة عريضة في تركيا وإيران والعراق، تنصل البريطانيون من وعودهم مما دفعهم بالمطالبة الدولة العراقية- التي كانت للتو قد استقلت من حكم بريطانيا- ولكن طلبهم رفض مما أدى بالدولة العراقية إلى إعلان النفير العام ضد الأشوريين المطالبين بالاستقلال والحرية، لتتكرر الماسي مجددا في عام 1933، حيث أعلن رسميا بقتل وإبادة وطرد ومصادرة أملاك الأشوريين في العراق، فقام الجيش العراقي بتنفيذ القرار الصادر في عهد الملكية حيث اعدم ما يزيد عن 5,000 ألاف أشوري في أبشع جريمة عرفت تاريخيا بمذبحة (سميل)، ليفر ممن نجي من المذبحة ويقدر عددهم أكثر من خمسة وعشرين إلف أشوري باتجاه سوريا ولبنان لحين ان اصدر الدولة العراقية أمر أخر بوقف المذابح .
وتلي بعدها إعدامات التي نفذها النظام البائد في قرية( صوريا) عام 1969 بحق عشرات من أبناء امتنا الأشورية وعقبتها حملة( الانفال) الذي راح ضحيتها ألاف من الأشوريين ولم يعرف مصيرهم لحد الآن، لتكلل جرائم النظام البائد بإعدام ثلاثة من أبناء امتنا في بغداد بسبب انتمائهم القومي الأشوري ومطالبتهم بالحقوق المشروعة لامتنا الأشورية في حق تقرير المصير فحسب .
و تتكرر مأساة الإعدامات في العراق بعد سقوط النظام البائد عام 2003 في كل محافظات العراق، فتم استهداف الأشوريين استهدافا مباشرا ولأسباب دينية وقومية أيضا حيث قامت مجاميع مسلحة بالهجوم على منازل الأشوريين المسيحيين فقتل من فيها ونهبوا ممتلكاتهم ومن ثم فجرت منازلهم وكنائسهم … فتم لعشرات ألاف من العوائل الأشورية النزوح إلى دول الجوار، لتستكمل جريمة استهدافهم عام 2014 بالحدث المأساوي اثر قيام الإرهابيين لدولة الإسلام ( داعش ) بغزو مدينة موصل وسهل نينوى واحتلالها، فتم إعدام عشرات ألاف وصودرت ممتلكاتهم وأحرقت كنائسهم ودمرت اثأر حضارتهم، فتم لهم النزوح ألقسري الجماعي من المدينة وسهل نينوى، حيث أخليت ولأول مرة مدينة نينوى من الأشوريين .
لتمتد يد الإرهاب الدواعش بعد اجتياحهم لمناطق عديدة في (سوريا)، الأشوريين في منطقة (الخابور) و(الجزيرة السورية) عام 2015 إبان اجتياح التنظيم لقرى سهل الخابور التي تضم 35 بلدة آشورية بمحافظة( الحسكة)، حيث يحتجز هذا التنظيم الإرهابي اليوم أكثر من 175 رهينة من الآشوريين، بينهم نساء وأطفال، منذ ما يزيد على ثمانية أشهر، بينما تستمر المفاوضات لإطلاق سراحهم دون التوصل إلى أي اتفاق حتى اللحظة، حيث يطالب التنظيم بفدية مالية تقدر بملاين الدولارات لفك احتجاز الرهائن، ليخرج لنا بين حين وأخر بإعدام مجموعة من هؤلاء الأشوريين الأسرى، وكان أخرها ما أعلن بعد عيد الأضحى 2015 عن عملية إعدام لثلاثة من الأشوريين وهم جميعا من منطقة( تل تمر – الحسكة)، حيث اظهر شريط فيديو عن قيام مسلحين تابعين للتنظيم (داعش) الإرهابي بإطلاق النار على رؤوسهم من الخلف.
لتبقى حياة العشرات الأسرى ممن تبقوا مختطفين لدى هذا التنظيم الإرهابي مهددة … الأمر الذي يستوجب تحركا جديا عاجلا، من أجل الإفراج عنهم وإنقاذ حياتهم من سطوة الإرهابيين الدواعش الذين يحتجزونهم، وبكل السبل الممكنة وهذا الأمر يتطلب من مؤسسات شعبنا وجميع قوى في الوطن والمهجر،الضغط على المنظمات والهيئات الدولة في الدول الكبرى لتدخل وإنقاذ الأشوريين الأسرى وإيجاد حل لتداعيات قضية امتنا الأشورية وحقها في تقرير المصير والذي ظل يتراوح في مكانه منذ ما يتجاوز عن مائة عام، وبكل ما أفرزته المرحلة السابقة والحاضرة من تجليات وتداعيات كارثية على مصير الأمة، بعد إن أصبح الأشوريين ضحية لتمدد الإرهابيين الدواعش وللمسلحين المتشددين في سوريا و العراق وهو الأمر الذي ينذر إلى اتساع مد الهجرة بين الأشوريين بما يودي إلى إخلاء المنطقة من وجودهم بحجم استهدافهم الديني والقومي، في وقت الذي ليس لهم علاقة بما يحدث في المنطقة، وفي الوقت ذاته ليس هناك ثمة من يدافع عنهم، لا حكومات دول المنطقة ولا المنظمات الدولة .
وقد جاء اليوم إعدام كوكبة أخرى من أبناء امتنا الأشورية من المختطفين في سوريا من قبل تنظيم داعش الإرهابي حلقة في سلسلة المذابح والمجازر والجرائم التي تقترف بشكل ممنهج ضد شعبنا في العراق سوريا ومنذ 1915 ولغاية 2015 من اجل القضاء على الوجود الديني والقومي والتاريخي والحضاري لامتنا الأشورية ولعموم المسيحيين العرب ليس في سوريا والعراق ولبنان ومصر والاردن فحسب، بل في عموم منطقة الشرق الأوسط ليتم اقتلاعهم من أوطانهم التاريخية ليمحو لأي اثر لوجودهم الحضاري والتاريخي والجغرافي و الثقافي في الشرق الأوسط ، رغم دورهم التاريخي والحضاري والثقافي في نهضة العرب مشهود لها في عموم المنطقة، ان مثل هذه الجرائم اللانسانية واللاخلاقية تنطبق عليها كل دوافع ومواصفات جرائم (الإبادة الجماعية) فأبناء امتنا في سوريا والعراق لم يقاتلوا ولم يحملوا السلاح بل قتلوا لمجرد هويتهم وعقيدتهم الدينية والقومية، ومن هنا يتحتم على مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولي تطبيق التزاماتها بهذا الشأن، وبموجب القوانين ولوائح الأمم المتحدة الخاصة بهذا الصدد، كما فعلت في المناطق الساخنة حينما قامت بحماية الأقلية المسلمة في إقليم (البوسنه).
فهيئة الأمم المتحدة مطالبه بحماية الشعوب الأصيلة والمكونات القومية والدينية الصغيرة وحماية شعبنا الأشوري في سوريا والعراق، وذلك بتوفير مناطق آمنه لهم وحماية دولية والإسراع في اتخاذ قرارات ملزمة لكل ألإطراف قبل ان يتم انقراضهم وجودهم من ارض حضارتهم الأشورية العريقة في سوريا والعراق، وإنقاذ حياة 175 رهينة أشورية ممن تبقوا من المختطفين لدى تنظيم داعش الإرهابي، لان حياتهم باتت مهددة، بعد إعدام الشهداء الأشوريين الثلاث.
فعلى جميع مؤسساتنا امتنا الكنسية والقومية ومنظمات المجتمع المدني في العراق وسوريا والمهجر تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية تجاه المختطفين من أبناء شعبنا الأشوري في سوريا والضغط على الهيئات والمؤسسات الإنسانية وحقوق الإنسان العاملة في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحرك السريع بكل الوسائل المتاحة للإفراج عن الأشوريين المختطفين في سوريا من قبل الإرهابيين الدواعش وإنقاذهم، لان امتنا اليوم تواجه تحديات عديدة وفي غاية الخطورة يتعلق أمرها بقضية وجودنا وبقضية مرتبطة بالتهجير ألقسري والاغتيال والخطف المتعمد وإعدام أبنائنا الأشوريين والتي تدخل باب الإبادة الجماعية والتي تترك اثأر واضحة بالبنية الاجتماعية للأمة، ليضاف لها تحديا في تمزيق الشعب بالانتماءات والصراعات الطائفية من أجل أن تقويض على أي قرار يخص بقضية تقرير المصير ونهضة الأمة، ومنها ما هو مرتبط بالوضع الإقليمي والمحاور المتصارعة فيه بتنامي الإسلام المتطرف والذي يؤثر سلبا على وجودنا في المنطقة ، لان التحصين الأمني لامتنا محاور مترابطة مع بعضها وهي مسؤولية جميع مؤسساتنا القومية والدينية، وعليهم ان يواجهوا واقع الأمة بواقعية لبناء مستقبل نضالهم و الارتقاء إلى تحمل مسؤولية مواجهة هذه التحديات.
ان العالم اليوم ليس العالم قبل مئة سنة أو أكثر، حيث يتجلى العيش والمصير المشترك بين الأمم والشعوب وتعزيز التجارب الديمقراطية والطموحات التحررية والحضارية، ليكون العالم المتطور والمتحضر ملجأ القوى الحضارية والتحررية والوطنية والتقدمية في مقارعتها لأنظمتها المستبدة، وفي الجانب الآخر من العيش والمصير المشترك مع العالم.
فان شعبنا وقواه وشخصياته شاركت وهي مستمرة في المشاركة في بناء نموذج متطور للمفاهيم التحررية الديمقراطية من خلال قضية امتنا الأشورية ومعانات شعبها ضد الاستبداد والإرهاب، فالإرهاب الذي وثق العالم اليوم أنه يشكل خطرا على العالم وعلى شعوب المنطقة نتيجة لأفكاره الإرهابية وسياساته الدموية ومناهجه السوداوية ورؤيته الاستعلائية ضد العالم، ولما كان شعبنا الأشوري وقواه السياسية ومؤسساته المختلفة يتفاعلون بايجابية مع تجربة العالم في الحرية والديمقراطية والتحرر من أجل نموذج قومي وطني لمستقبل يضمن لامتنا الاستقرار السياسي والأمني والحضور وتفعيل دور الأشوريين الإنساني وما سيحصل من تغيير في المنطقة في المستقبل يعجل في تحقيق هدف حق تقرير المصير، ومن هنا يتطلب من كل الفصائل السياسة والكنسية لامتنا بمختلف مذاهبهم، ان تجد لها الخطاب وطني جامع وموحد، لان خلاف ذلك، سيؤثر سلبا على مستقبل امتنا وحق تقرير المصير ويسيء إلى وحدتنا ويشجع أطراف ذاتها، السياسية والدينية إلى مزيد من التشرذم والانقسام والتي تخدم أهداف الإرهاب لغاياته الى تشتيت شعبنا الى مجموعات عرقية ومذهبية متصارعة، لان الغاية التي يسعى إليها أعداء امتنا الأشورية تحقيقها هي الحيلولة دون وحدة القرار لشعبنا وبين حصوله على حقوقه القومية والتاريخية المشروعة في الوطن، لأن حصول شعبنا على حقوقه وتعبيره عن ذاته سيحد من فرص السلطة الشمولية والدكتاتورية والهيمنة للأنظمة دول المنطقة .
لقد استنزفت الصراعات المفروضة على شعبنا الطاقات الفكرية والمادية والمؤسساتية والتي من المفروض إن تتوجه لخدمة قضية شعبنا ودعم وجوده.
ان نضال وتضحيات شعبنا الأشوري كان وراء تمدد الوعي القومي والتحرري الذي شهده العالم منذ أواخر القرن الثامن عشر، مثلما كان وراء إنضاج القضية القومية لشعبنا وانتقالها من مرحلة الأمنيات والشاعرية إلى مرحلة الطرح الموضوعي وقطف الثمار في القرون اللاحقة، رغم ان ما أقر في المؤسسات الدولية وما صدر من قوانين ومواثيق وقرارات تخص حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير منذ تأسيس المنظمات الدولية كعصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى عام 1918 والهيئة العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945 وما تفرع عنهما من هيئات فرعية ليست بالقليلة ومعظمها تولي اهتماما لا لبس فيه بقضايا الشعوب وحقوقها، ورغم ان هذه الهيئات والمؤسسات الدولية صدرت عنها الكثير من القرارات والمواثيق التي تدعم توجهات الشعوب نحو المطالبة بحقوقها السياسية والإنسانية على أراضيها، وكان أهمها ما ورد في المواد (55) و( 73) و( 75) من ميثاق الأمم المتحدة والتي عرفتها المادة الأولى من العهد الدولي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 2200 في كانون الأول عام 1966 استنادا الى المادة 49 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تقر بـ((…لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي، وحرة في تأمين نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي…))، ومن ثم ألزمت جميع الدول الموقعة على العهد باحترام هذا الحق، ورغم أنه وفي نفس العام صدرت عدة بروتوكولات تم فيها توسيع مفهوم حق تقرير المصير للشعوب دون حصر الموضوع بالاستعمار والمناطق المحتلة فقط، حيث أن حق تقرير المصير للشعوب التي كانت خاضعة للاستعمار يصل إلى حقها في الاستقلال، فكانت سلطة الدولة دوما تقف بالضد من هذا الحق الإنساني التحرري، وهي قد ورثت الإرث الدموي وجرائم الإبادة التي ارتكبتها بحق شعبنا ، وهنا لابد من وحدة قرار لان امتنا بأمس الحاجة اليوم لاتخاذ قرار وطرحة إلى المنظمات الدولية والدول الكبرى لان الاستمرار في الإدانة فحسب وإصدار بيان وتصريح إعلامي او خروج بالتظاهرة هنا وهناك لا يقدم من الحقيقة شيء، لان الأمة الأشورية اليوم تنزف ونزيفها لا يحمد عقباه لحجم الاستهداف والإبادة والتشتت والهجرة التي تعصف بأبناء امتنا الأشورية .