يحتفل المسيحيون في 14 أيلول من كل سنة بمناسبة اكتشاف خشبة صليب السيد المسيح الحقيقية في القدس سنة 326م من قِبَل القديسة هيلانة (ابنة كاهن سرياني من قرية فيجي قرب الرها) والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير المتوفى سنة 337م، وكان ذلك في عهد بطريرك أنطاكية مار أسطثاوس السرياني(324–337م) الذي استقبل القديسة هيلانة في أنطاكية وهي في طريقها إلى القدس.
ويروي كل من المؤرخين اوسابيوس القيصري الذي كان معاصراً للإمبراطور قسطنطين وهو الذي عمّدهُ والمُلقَّب بحبيب قسطنطين في ك 3 فصل 25 وما يليه، وسقراط في ك 1 ف 17 وتيودوروس وسوزمين المعاصرين تلك الحقبة وغيرهم: أن هيلانة ذهبت إلى أورشليم وقد ناهزت الثمانين من العمر، وكان الوثنيون قد أقاموا في مكان صلب السيد المسيح (الجلجلة) هيكلاً للمشتري وتمثالاً للزهرة لكي يمتنع المسيحيون من التعَّبد في المكان الذي صُلب فيه السيد المسيح، وعندما وصلت إلى أورشليم ذهبت إلى الجلجلة تُنقِّب عن آثار الصلب أملاً منها بالعثور على آثار وخاصةً على صليب السيد المسيح، وقد واجهت مصاعب كثيرة، وكان يرافقها مكاريوس أسقف أورشليم الذي كان يقوم بالصلاة والتضرع معها، وأخيراً اهتديا إلى مغارة فيها ثلاث صلبان، صليب السيد المسيح وصليبي اللصين اللذان صُلبا معه، فصلَّى مكاريوس إلى الرب وطلب منه أن يعطيه الحكمة ليتعرَّف على صليب السيد المسيح من بين الصلبان الثلاثة، وكانت هناك امرأة محتضرة مريضة يئس الأطباء من شفائها، فطلب مكاريوس إحضارها ووضع الصليب الأول والثاني على رأسها، فلم يظهر دليل على شفائها، وعندما وضع الصليب الثالث انتعشت وفتحت عينها وعات إليها العافية أمام الناس، فاندهش الجميع وشكروا الله، ووضعت هيلانة جزءاً من الصليب في صوان من الفضة لأورشليم ليتبارك منه الناس والزائرون، وأرسلت البقية إلى القسطنطينية إلى ابنها قسطنطين، الذي وضعه شاخصاً للعيان في شارع قسطنطين، ويؤكد المؤرخ سقراط أن أكثر سكان القسطنطينية شاهدوهُ، وقد صاغ قسطنطين من أحد مسامير الصليب ذخيرة له.
ويقول المؤرخ سقراط ك1 فصل 16، إن قسطنطين كتب إلى أسقف أورشليم مكاريوس رسالة جاء فيها (مختصرة): أشكر الله على الآيات التي صنعها بالاهتداء إلى صليب المخلص الذي بقي مطموراً منذ سنين طويلة، فتلك نعمة لو اجتمع كل حكماء المعمورة لمَا وفَّوا من حق أداء الشكر عليها…الخ الرسالة التي يتعهد فيها قسطنطين لمكاريوس بإنشاء كنيسة القيامة في مكان اكتشاف الصليب، وعهد البناء إلى الوالي دريلشيانوس وكاهن القسطنطينية اوستاط، وانتهى العمل منها سنة 335م، وكان الإمبراطور قسطنطين وبمناسبة مرور ثلاثين سنة على إمبراطوريته وحباً بسلام الكنيسة قد أمر بعقد مجمع للكنيسة الأنطاكية السريانية في فصل الصيف في مدينة صور اللبنانية للبحث في المشاكل مع الآريوسيين لإحلال السلام في الكنيسة، وعندما رأى قسطنطين أن كنيسة القيامة اكتمل إنشائها أمر الأساقفة بالذهاب وعقد المجمع في أورشليم لتكريس افتتاح كنيسة القيامة، وكان في مقدمة الأساقفة الحاضرين مار يعقوب النصيبيني (أستاذ مار أفرام السرياني)، وميليس أسقف شوشن، والكسندروس أسقف تسالونيكية، وغيرهم، وفي الثالث عشر والرابع عشر من أيلول سنة 335م احتُفل بافتتاحها، ومنذ ذلك اليوم يصعد أسقف أورشليم يوم 14 أيلول حاملاً الصليب بيده للشعب، مقدمين له السجود والتكريم ذاكرين رفعه على يد القديسة هيلانة، وهناك تقليد متوارث في قسم من البلدان بإشعال النار يشير إلى أن هيلانة عندما اكتشفته أشعلت النار لإعطاء علامة للناس.
أمر الإمبراطور قسطنطين بتوزيع أجزاء من خشبة الصليب على الكنائس آنذاك، واحتفظت كنيستي القسطنطينية وروما بقطع منه، وبقيت الخشبة الأصلية في كنيسة القيامة في القدس، وذكر كيرلس بطريرك أورشليم (351 -386م) في كتابه مواعظ التعليم المسيحي، أن أساقفة أورشليم كانوا يوزعون أجزاء من خشبة الصليب على كبار الزوار، وان أجزائه انتشرت في العالم في زمن قصير، وعندما استولى كسرى الثاني سنة 615م على القدس تم نهب كنائسها وأسر آلاف المسيحيين منهم البطريرك زكريا، وأضرمت النار في كنيسة القيامة والكنائس الأخرى بتحريض من اليهود، ونجا جزء كبير من الصليب من النار بهمّة المؤمن يزدين، فأخذ الفرس الصليب كغنيمة إلى الخزانة الملكية الفارسية في المدائن، وعندما قام هرقل بمحاربة الفرس استعاد خشبة الصليب المقدس، وفي احتفال مهيب حمل هرقل الصليب على كتفيه في 14 أيلول سنة 629م ماراً بشوارع القدس وهو حافي القدمين يتبعه جنوده وجمع غفير من الشعب وهم يذرفون الدموع، ثم أُرسل الصليب إلى رئيس أساقفة القسطنطينية سرجيوس، وأعيد إلى أورشليم، وبعد موت هرقل سنة 636م، احترقت كنيسة القيامة ولم يبقى من حجم الصليب إلاَّ عُشرهُ، وما تبقى منه قُسِّمَ إلى 19 قطعة صغيرة ووزعت إلى: 4 لأورشليم، 3 لأنطاكية، 3 للقسطنطينية، 2 لقبرص، 2 لجورجيا، 1 للرها، 1 لدمشق، 1 لعسقلان، 1 للإسكندرية، 1 لجزيرة كريت، وبمرور الوقت قُسِّمت تلك القطع إلى أجزاء صغيرة وأعطيت إلى كنائس وشخصيات مسيحية عالمية وانتشرت في العالم.
وتشير وصية ملك الفرنجة شالرلمان (768–800م) إلى وجود قسم من خشبة الصليب الحقيقي، وكان لدوق البندقية إنريكو داندلولو (1195–1205م) قطعة من الصليب الحقيقي قيل إن الإمبراطور قسطنطين كان يحملها معه، وفي سنة 1217م ذهب أسقف أورشليم إلى مدينة “أكرا acra” الفرنسية حاملاً جزءاً من الصليب الحقيقي، كما حصل ملك النرويج سيغور (1103–1130م) على جزء منه ووضعه في مدينة كونجهل، كما نال فالدمار الثالث ملك الدنمرك (1326–1329م) على قطعة أهداها له البابا اوربان الخامس، وانتشرت بقايا خشبة الصليب الحقيقي الأخرى في العالم وحسب الأحجام المرفقة في الجدول.
وأهم المراجع التي كتبت حول الآثار المقدسة المسيحية هي مجموعة les petits bollandistes الفرنسية بعنوان (حياة القديسين من العهدين القديم والجديد، الشهداء، والآباء، والكتاب المقدس الكنسي، تعليمات حول التجمعات والجماعات الدينية، التاريخ والقطع الأثرية)، والتي طبعت بإشراف المونسنيور بولس غيران (1908-1830م) سنة 1888م، وتقع في سبعة عشر مجلداً في نحو عشرين ألف صفحة من الحجم الكبير قام بكتابتها نخبة ممتازة من علماء أوربا في القرن التاسع عشر، كما اشترك بكتابتها عدد من الأساقفة والرهبان والعلمانيين، والتي جاء فيها:
يقول القديسين يوستينوس الشهيد (100–165م ت) واغسطينوس (354–430م) وغيرهما إن شكل الصليب الذي صُلب عليه السيد المسيح لم يكن على شكل حرف T، ولا على شكل الصليب اليوناني المتساوي الأضلاع + ، كما انه ليس على شكل الصليب الذي صُلب عليه القديس أندراوس والذي كان على شكل X.
إن الصليب الذي صُلب عليه السيد المسيح كان على الشكل الذي تكون فيه العارضة عند ثلثي الارتفاع تقريباً، ومن خلال أقوال القديس يوستينوس يُستدل على وجود درجة لسند القدمين، وتؤكد هذا الرأي الصور التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن الميلادي والتي وجدت في سان كليمان في ايطاليا، وقد توصّل الباحثون إلى أن الصليب كان يتكون من قائم ارتفاعه 4,8م ( أربعة أمتار وثمانين سنتمتراً، ومن عارضة يتراوح طولها بين (2,3–2,6م)، بسمك 0,15 متر تقريباً (15سنتمتر تقريباً)، وعليه كان حجم صليب السيد المسيح 0,178 متر مكعب (178,000) سنتمتر مكعب، وبلغ وزنه تسعين كيلو غرام تقريباً.
بعد فحص نوع خشب الصليب الحقيقي ثبت أنه من الأشجار القلفونية، وبعد فحص صليب اللص اليمين ديماس، لم يعد هناك مجال للشك في ذلك. فهذه القطعة كانت كبيرة فكان من السهل التحقق من نوع الخشب وأنه من الشوم Sapin بالفرنسية، Fir بالإنجليزية (من الأخشاب الصنوبرية التي تنمو في المناطق الباردة)، وكان صليب السيد المسيح وصليبي اللصين من نفس الصنف إذ أنه تم تجهيزها في نفس اليوم ولنفس الغرض.
وحسب التقليد المسيحي فالسيد المسيح كان طويل القامة، ويتفق ذلك مع كتابة على إحدى الطاولات الموجودة في دير القديس يوحنا في مدينة ليتران الايطالية التي تذكر أن طول السيد المسيح كان 184 سنتيمترًا تقريباً، لذلك فالقديس لوقا في إنجيليه (23: 26) كان دقيقاً عندما وصف السيد المسيح حاملاً صليبه على كتفه وأن سمعان القيرواني كان يسير خلفه يساعده في حمل الصليب، وبهذا فإن الصليب كان مائلاً على كتف سمعان، وبذلك يكون التقليد القائل أن ثقل الصليب كان موزعًا بين السيد المسيح وسمعان القيرواني تقليدًا متفقًا مع المنطق.
قائمة باحجام قطع الصليب