قبل أسبوع على رسامته مطرانًا مدير الإعلام البطريركيّ الأب الربّان جوزيف بالي: أكون سريانيًّا أرثوذكسيًّا بحقّ عندما أنفتح نحو الكنائس الأخرى “سأستمرّ بأداء واجبي في كنيستي لتوفير المادّة الإعلاميّة المسيحيّة”.
“كُنتَ أَمينًا على القَليل، فسأُقيمُكَ على الكَثير: أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ” (متى 25: 23 )، الأب الربّان جوزف بالي، الزميل والصديق يرتفع في درجات المسؤوليّة ويُرسم مطرانًا في 25 حزيران/يونيو المقبل بسيامة قداسة البطريرك مار أغناطيوس افرام الثاني في كنيسة السيدة العذراء في المقرّ البطريركي في العطشانة – لبنان مع الأب الربان روجيه أخرس والأب الربان كيرلس بابي.
الربّان جوزيف بالي، حامل الوزنات الأمين حائز على شهادة البكالوريوس في الفيزياء وشهادة ماجيستر في الفلسفة، التحق بإكليريكيّة مار أفرام السرياني اللاهوتيّة في معرّة صيدنايا. بعد الإسكيم الرهباني عام 2008 سيمَ كاهنًا عام 2011 وقُلّد الصليب المقدّس عام 2013. وفي العام 2015 عيّنه قداسة البطريرك سكرتيرًا بطريركيًّا ومديرًا لدائرة الإعلام في البطريركيّة. أنهى دراساته العليا في جامعة أثينا في اليونان وحاز على شهادة دكتوراه في الفلسفة بتقدير إمتياز عام 2017. وها هو في العام 2021 يرسَمُ مطرانًا أساسُ البيعة كبطرس وبولس.
طوبى للبيعة التي قبلته، وطوبى لحاملي رسالة الإعلام في الكنيسة لأن صلاته ستكون معنا؛ فمهمّة الإعلام اليوم تحتاج الكثير الكثير من الصلاة كيما تنجح في مواجهة التحديّات الكبرى وتُضاعف عدد الوزنات في زمن انعدام التوازن وتداعيات الأزمات!.
في لقاء سريع سألنا الربّان الصديق بعض الأسئلة التي تبادرت فورًا الى ذهن من بَلغهم الخبر السار وكانت هذه الإجابات الإعترافات.
بوضع يد قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني تُرسَمون مطرانًا الأسبوع المقبل، وربما ستكونون من بين أصغر مطارنة الشرق سنًا إن لم نقُل الأصغر، ما الذي يعنيه لكم هذا القرار وكيف تقرأون المستقبل وهذه المسؤولية في ظلّ الظروف الضاغطة اليوم على مختلف المستويات؟
يحضرني الآن كلام القديس بولس مخاطبًا تلميذه تيموثاوس: “لا يستهن أحد بحداثتك” (1 تي 4: 12)، فأتشجّع لأنّني مدركٌ تمامًا أنني صغير السنّ وقليل الخبرة وينقصني الكثير الكثير لكي أقوم بواجبي ضمن هذه المسؤوليّة الجديدة والرتبة السامية التي يمنحني إيّاها الربّ بنعمته. وأيضًا أنطلق بروحٍ متجدّدة يشدّدها ويقوّيها روح الله، واضعًا نُصب عينيّ أنّه يجب أن أكون “قدوةً في الكلام، في التصرّف، في المحبّة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة” (تتمة 1 تي 4: 12). بالطبع، إنّ الظروف التي يمرّ بها مجتمعنا المسيحي – إن في لبنان أو سوريا أو العراق، أم في العالم أجمع – صعبةٌ جدًّا، لم تشهد لها المنطقة مثيلًا من قبل. وهذا يضعنا نحن الإكليروس جميعًا أمام مسؤوليّة كبرى بأن نُقدِّم لأبناء الكنيسة أجمعين وأبناء الوطن أيضًا، شهادةً مسيحيّةً صادقة بأعمالنا وأقوالنا وخصوصًا بتصرّفاتنا وعلاقاتنا مع بعضنا البعض. أتطلّع إلى المستقبل بعين الرجاء الذي يؤكّده لنا إيمانُنا بالربّ يسوع المسيح القائم من بين الأموات والمنتصر على الموت. بهذا الرجاء، تضمحل كلّ الصعوبات لنتمكّن معًا – كأعضاءٍ في الجسد الواحد الذي هو الكنيسّة الجامعة – أن نزيل العقبات التي يضعها أمامنا العالم اليوم فنكون بحقّ أبناء الحياة وشهود المسيح في الشرق، ومن الشرق إلى العالم.
من الفيزياء إلى الفلسفة واللاهوت فالإعلام، كيف تحوّلت مسيرتكم العلميّة والمهنيّة ولماذا؟
مَن يختار أن يدرس الفيزياء ليس شخصًا يبحث عن الإستفادة الماديّة أو الشُهرة أو إقتناء ثروة، بل هو شخص يشغف بهذا العلم لما يحتويه من منطق ومبادئ الحركة والمادّة التي منها يتكوّن الكون كلّه. خلال دراستي للفيزياء، وجدتُ أنّني ما زلت أبحث عمّا هو أكثر، وأسمى من المادّة وهذا العالم؛ فقرّرتُ الغوص في الأفكار الفلسفيّة وخصوصًا علم المنطق الذي يهذّب التفكير ويقوّي الإستنتاج ويقوّم ذهنيّة الإنسان، فيبتعد الشخص الذي يدرس الفلسفة عن سطحيّة التفكير ليتعمّق بمعاني الأمور محاولًا بلوغ الحقيقة ودراستها. وخلال دراسة المنطق والفلسفة، وجدتُ أنّ الربّ يدعوني إلى ما هو أكثر من ذلك، أيّ إلى التعرّف عليه بعمق الروحانيّة. ففهمتُ أنّني لن أكتفي بخدمة الكنيسة كشمّاس كما كنتُ أفعل، ولكنّني رغبتُ بالتكرّس الكامل للربّ ولخدمة بيته، وقرّرت السلوك في جدّة الحياة الرهبانيّة التي هي عشق الإله والسعي إلى خلاص النفس. بهذه الطريقة، مرّت حياتي بمراحل كثيرة متنوّعة اكتسبتُ خبرات كثيرة في كلٍّ منها، ووضعتُ هذه الخبرات في خدمة أبناء الكنيسة.
ما رأيكم بالإعلام الديني والكنسيّ في كنائس الشرق اليوم؟ وهل ستتابعون إهتماماتكم في تعزيز دور الإعلام في الكنيسة وتطويره مع تسلّمكم سدّة المسؤوليّة؟
دفعت جائحة كورونا كلّ الكنائس معًا نحو استخدام وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي لنشر الكلمة ونقل البشارة إلى كلّ الناس. أقول هذا لأنّ الإعلام الكنسيّ ينشّط كثيرًا في الآونة الأخيرة مع إنتشار وباء كورونا ممّا وطّد العلاقات بين المؤمنين والتي عبَرَت الحدود الجغرافيّة والإجتماعيّة والوطنيّة وسواها.
لذلك، ومن منطلق مسؤوليّتي كمدير لدائرة الإعلام في بطريركيّتنا الجليلة، سأستمرّ بأداء واجبي في كنيستي لتوفير المادّة الإعلاميّة المسيحيّة لأبناء كنيستنا السريانيّة أولًا وأيضًا لجميع المؤمنين. أشعر منذ الآن أنّ مهمّتي الإعلاميّة تنمو وتزداد، لذلك أسأل الله أن يبارك هذه الخدمة لتكون مثمرة وتحصد لبيت الربّ مؤمنين وللكنيسة أعضاءً فاعلين.
ما هو برأيكم دور الشباب في ترسيخ الجذور في هذا الشرق وهل من تصوّر معيّن لتعزيز دورهم في الكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة؟
يقول قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني أنّ الشبيبة هم حاضر الكنيسّة ومستقبلها، في الحقيقة إنّ الشباب يجعلون قلب الكنيسة نابضًا ويجدّدون رسالتها. هُم الطاقة التي يجب أن نستخدمها للبُنيان، ولكن هم أيضًا كالورود التي تحتاج إلى عناية كبيرة لتظلّ زاهرةً زاهيةً.
في بطريركيتنا السريانيّة الأرثوذكسيّة، يعمل نيافة المطران أنتيموس جاك يعقوب، النائب البطريركي لشؤون الشباب والتنشئة المسيحيّة، على توفير خدمة للشباب تتضمّن التعليم والتنشئة المسيحيّة التي يحصلون عليها من خلال اللقاءات والمحاضرات والنشاطات كافةً. ويشرّفني أن أتعاون معه لتقديم هذه الخدمة عبر دائرة الإعلام بكل إمكاناتها وذلك لمجد الربّ ونمو الكنيسة. وبالتالي نقدّم معًا شهادةً لأبناء المشرق ليبقوا متجذّرين في أرض الآباء والأجداد وأيضًا ليتعرّفوا على غنى تراثنا المشرقي فيتعلّقوا به. كذلك، نقدّم للشباب المسيحيّ المنتشر في كلّ أرجاء المسكونة إمكانيّة التعرّف على تقاليد كنائسنا وطقوسها وجذورها الأصيلة وتاريخها العريق لكي يتمسّكوا بها، لا بل ينشروها في مختلف المجتمعات التي يعيشون فيها.
هل ستكون رسالة تعزيز الروح المسكونيّة من جُملة أولوّياتكم في المستقبل؟ وكيف؟ وماذا عن التعاون مع مجلس كنائس الشرق الأوسط؟
من خلال مسؤوليّتي كسكرتير بطريركي، وقبل أن أكون مطرانًا، عَمِلتُ في الحقل المسكونيّ من خلال ترتيب وتنظيم الإجتماعات المسكونيّة من جهة والمشاركة في العديد منها من جهة أخرى. لاحظتُ أنّ الأهمّ في العمل المسكونيّ هو الإنفتاح بأمانة نحو الكنائس الأخرى، دون الخجل بهويّة كنيستنا ودون الإنتقاص من عراقة تاريخها.
اليوم، باتت المسؤوليّة أكبر ونحن نتّجه نحو مستقبلٍ لا يسمح بالانغلاق، بل يتطلّب الإنفتاح كعاملٍ ضروري للبقاء. بعدما قلَّ عددُنا في الشرق الأوسط عمومًا، بات من الضروري أن نبحث عن النقاط المشتركة ونوحّد جهودنا من خلال توحيد الرؤيّة والمفهوم الأساسيّ للشهادة المسيحيّة.
نشهد اليوم تعاونًا كبيرًا بين الكنائس، وبرأيي أنّه سيستمرّ ويزداد. من جهتي، سأستمرّ في قناعتي، أيّ أنّني أكون سريانيًا أرثوذكسيًا بحقّ عندما أنفتح نحو الكنائس الأخرى وأتعاون معها بروحٍ مسكونيّة تنفيذًا لقول الربّ “ليكونوا واحدًا” (يو 17: 21).
حوار: أوغيت سلامة
www.mecc.org