النقاش بين يسوع المسيح والشيطان يبدو بكل حواراته بأنه نقاش أكاديمي بين طرفين كل واحدٍ منهما يختلف عن الآخر قلبًا وقالبًا. الأول هو إبن الإنسان (متى 12: 40) يسوع المسيح. الثاني هو الشيطان. كأنها دعوة من اللاهوت إلى الناسوت، أي من الله إلى يسوع الإنسان، للدخول في تجربة، في برية خالية من البشر، لوحده يخوض معركة شرسة مع سيد هذا العالم الشيطان. لم تكن هذه أول معركة للشيطان مع المؤمنين. لقد شاهدناها بأم إيماننا وهو يغوي حواء في جنة عدن. وهو يغار من أيوب فيدخل معه في معركة حياة أو موت.
لم يكن النقاش بين يسوع والشيطان وهما جالسان حول طاولة في ستوديو فضائية من فضائيات هذا اليوم، لم يكن أمام محكمة من محاكم هذا العصر، لم يعتن يسوع بهندامه كما يفعل معظم الرجال اليوم وهم يحضرون نقاشًا لو لقاءًا ما. بل في البرية فيها تخلى يسوع المسيح عن لاهوته! ( فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا.)”متى4: 2″ بذلك لم يعتمد على قوته البدنية بل على الله الآب. لما رآه سيد هذا العالم (فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا.)”متى 4: 3″ لم يغضب يسوع ويقول له كما يفعل معظم أولاد العامل اليوم ولسان حالهم يقول بعنجهية: ( ألا تعرف من أنا؟ ألا تعرف من أكون؟ أنا فلان ابن فلان..) بل أجاب يسوع ومستنده الكتاب المقدس كأنه بجوابه هذا يقول للشيطان: كما استشهدتَ من الكتاب المقدس كذلك أفعل أنا، ما يفرقني عنك هو إيماني بالكتاب الذي كتبته لخلاص الخطاة، أما أنتَ أيها المجربُ بإستشهادك تتشكك بالكتاب المقدس. كان جواب يسوع للمجرب: (مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ.)”متى 4: 4″ حاول الشيطان ثانية فدعى يسوع كي يرافقه إلى هيكل المدينة المقدسة (متى4: 5) وهو يطلبُ منه أن يثبت له هل هو ابن الله أم لا؟ (متى 4: 6) نسي أن من يؤمن لا يجرب الله. فأجابه يسوع بكل إيمان : (مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ.)”متى 4: 7″
ها أننا اليوم نعيش ونسمع الشيطان ينطق من خلال ألسنة الملحدين وهم يقولون لنا: ( ما دمت تؤمن لماذا لم يحم يسوع أهلك من سيف داعش؟ لماذا طلبت اللجوء في بلدنا؟) لكي نجيب هؤلاء بإيمان علينا أن نتعلم من أجوبة يسوع المسيح، بهذا نقدر أن نغير فكرهم ونربحهم للرَّبِّ.
لم يتعظ الشيطان بل كأنه قالَ في نفسه: ( يبدو أن يسوع لم ير سلطتي ولا يعرف سطوتي. دعني أخذه وأريه ماهية السلطة في العالم.) فدعاه إلى جبل عالٍ وأراه ممالك العالم (متى 4: 8) وهو يطلب من يسوع أن يسجد له (متى 4: 9) كي يعطيه كرسي حكم العالم الذي أصبح معظم الرجال من حول العالم يلهثون للجلوس عليه من أجل ملء خزائهم بعد محافظهم بأموال الفقراء من الشعب. لم يتوقع الشيطان أن يرفض يسوع العرض الدسم الذي قدمه له! لم يتوقع أن يسمع يسوع وهو يجيبه قائلًا: ( اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ.)”متى 4: 10″ ذهبَ الشيطانُ وهو يسحب خلفه ذيول الخيبة دون أن ييأس بأنه باقٍ على حربه ضد يسوع بمحاربة أتباعه من المؤمنين على الرغم من أنه قد أغوى العديد من البشر حتى جعلهم بين ملحدين بالله وقاتلين لمن يحمل شارة الصليب وذابحين لكل من يتبع يسوع المسيح.
على القارئ اليوم أن يتعلم من هذا النقاش أصول النقاش، ذلك بأن يزيح الغضب عنه في أي نقاشٍ يدخلُ فيه مع من لا يؤمن بالرَّبِّ مخلصًا، لا يمكن أن يستمر النقاش بالصراخ والسبّ والشتم بل بالهدوء المتأتي من الإيمان. أظهر لنا يسوع المسيح في نقاشه مع الشيطان إعلانًا واضحًا هو: أن الشيطان لن يقوى على إغواء من يؤمن بيسوع المسيح.
كذلك نتعلم من هذا النقاش: أن يسوع رفض الخضوع للشيطان فرفض كرسي رئاسة العالم وفضل الصلب مع كل المعناة.
هيَّا يا أخي في الرَّبِّ نرفض ملذات العالم ونقبل بالمعاناة والعناء لأن في هذه لن يخذلنا الرَّبُّ. أما لو أخذنا بالملذات يعني طردنا يسوع المسيح من حياتنا وأصبحنا بلا معين. لقد اختار الرَّبُّ طريق المعاناة (متى 7: 13) رافضًا السلطة الممنوحة من الشيطان. المعاناة لا تعني البتة أن الرَّبَّ قد تركنا بل اختارنا له ليسير بنا على الطريق الذي سار عليه (يوحنا 14: 6)
مارتن كورش تمرس لولو