يقدم لنا انجيل يوحنا (يوحنا 6: 41- 52) شخص السيد المسيح بكونه “خبز الحياة”، الخبز السماوي الذي يقوت النفس ويشبعها لتبقى حيَّة ونامية. إنه الكلمة المتجسد، بكلمته يقيمنا للحياة الجديدة، وبجسده الذي هو الخبز السماوي ينعشنا لنثبت فيه. انه واهب الحياة الابدية. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته.
اولا: وقائع نص انجيل يوحنا (يوحنا 6: 41- 52)
41 “فتَذَمَّرَ اليَهودُ علَيه لأَنَّه قال: أَنا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء” : تشير عبارة “اليَهودُ” في انجيل يوحنا الى رؤساء اليهود المعادين ليسوع. اما عبارة “تَذَمَّرَ ” فتشير الى قلة ايمان اليهود، فتذمروا كما تذمر آباؤهم في البرية على موسى وبالتالي على الرب في صحراء سيناء اثناء خروجهم من مصر (الخروج 16: 2-18). تذمر رؤساء اليهود لانهم لم يقبلوا ما نادى به يسوع عن الوهيته. فلم يروا فيه سوى النجار القادم من الناصرة. ورفضوا الايمان بانه ابن الله ولم يتقبلوا رسالته. فلكي يحموا انفسهم من هذه الرسالة ينكرون صاحبها.
42 “وقالوا: أَليسَ هذا يسوعَ ابنَ يُوسُف، ونَحنُ نَعرِفُ أَباهُ وأُمَّه؟ فكَيفَ يَقولُ الآن: إِنِّي نَزَلتُ مِنَ السَّماء؟”: تشير هذه الآية الى شيء من التهكم، لأنه من الصعب على اليهود التوفيق بين وضع يسوع البشري (ابن يوسف) واصله الالهي (نزل من السماء). وهذا دليل على ان اليهود ما كانوا قد عرفوا بعد ولادته العجيبة. وبالرغم من النبوءات التي تؤكد أن المسيح يأتي من نسل داود، وأنه مولود من عذراء، انتقده اليهود متطلعين إليه باستخفاف كابن لمريم ويوسف المعروفين لديهم تمامًا. لمعرفة المسيح لا بد من الايمان. الإيمان ليس شيئًا يتمُّ بالجسد كما يؤكد ذلك بولس الرسول: “الإِيمانُ بِالقَلبِ يُؤَدِّي إِلى البِرّ”، ماذا يلي ذلك “الشَّهادةُ بِالفمِ تُؤَدِّي إِلى الخَلاص” (رومة 10: 10). الآب يجذب من لا يقسُّون قلوبهم. فالذين يخضعون لمشيئة الله عندهم حس الله، وبالتالي فهم وحدهم قادرون على معرفة ما لتعليم يسوع من ميزة الهية.
43 “أَجابَهم يسوع: لا تَتَذمَّروا فيما بَينَكم. 44ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يُقبِلَ إِليَّ، إِّلا إِذا اجتَذَبَه الآبُ الَّذي أرسَلَني. وأَنا أُقيمُهُ في اليَومِ الأَخير”: تشير عبارة “اجتَذَبَه الآبُ الَّذي أرسَلَني” الى عمل الآب الذي يوجّه خاصته نحو الوحي “وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ فيُقبِلُ إِلى النُّور21لِتُظهَرَ أَعمالُه وقَد صُنِعَت في الله” (يوحنا 3: 21). وكيف يجتذبه الآب؟ يجيب القديس اوغسطينس أن الإنسان يُجتذب بما يُبتهج به. إن قدمت عشبًا يجتذب القطيع إليه، وإن قدمت فاكهة تجتذب الطفل. هكذا يجتذب الآب الإنسان بأن يقدم له المخلص بكونه شهوته، فيجتذبه به إذ يجد في دم المسيح جاذبية له”. لكنه لن يجتذب أحدًا بغير إرادته.عندما يختار انسان ان يؤمن بيسوع المسيح مخلصا له، فإنه يفعل ذلك استجابة لحث روح الله القدس. ان الله هو العامل فينا ، وبعد ذلك نقرر نحن إن كنا نؤمن او لا نؤمن. وهكذا لا يمكن لاحد ان يؤمن بدون معونة الله؟ ومن هنا يؤكد يسوع في اجابته لليهود ضرورة النعمة: نحن بحاجة ماسة الى الهام الله الداخلي، كي نفهم أموره تعالى، ونتجه بدورنا الى يسوع، ونحظى بنعمة الإيمان.
45 “كُتِبَ في أَسفارِ الأَنبِياء: وسيَكونونَ كُلُّهم تَلامِذَةَ الله. فَكُلُّ مَن سَمِعَ لِلآب وتَعلَّمَ مِنه أَقبَلَ إِليَّ”: تشير عبارة “سيَكونونَ كُلُّهم تَلامِذَةَ الله” الى رأي من العهد القديم عن ملكوت المسيح حيث يتعلم جميع البشر من الله مباشرة كما جاء في نبوءة اشعيا “جَميعُ بَنيكِ يَكونونَ تَلامِذَةَ الرَّبّ” (اشعيا 54: 13). ويؤكد يوحنا الانجيل على اهمية التعلم من قِبل الآب واهمية السمع من قِبل الانسان. اننا نتعلم من الله من خلال الكتاب المقدس، من الافكار التي يعطيها لنا الروح القدس، ومن الكنيسة والمسيحيين الآخرين. فكل تلميذ يتعلم من الله ينال الخلاص.
46 “وما ذلِكَ أَنَّ أَحَداً رأَى الآب سِوى الَّذي أَتى مِن لَدُنِ الآب فهو الَّذي رأَى الآب”: تشير عبارة “سِوى الَّذي أَتى مِن لَدُنِ الآب” الى يسوع، وهو وحده يعرف الآب معرفة مباشرة تامة. كما جاء في انجيل يوحنا “إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه” (يوحنا 1: 18). فالابن، مع الروح القدس، هو وحده الذي يقدر أن يراه كما هو، لأنه “لأَنَّ الرُّوحَ يَفحَصُ عن كُلِّ شَيء حتَّى عن أَعماقِ الله “(1 قورنتس 10:2). وهكذا الابن الوحيد مع الروح القدس يُدرك أن الأب في كماله إذ قيل: “فما مِن أَحدٍ يَعرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْن ومَن شاءَ الابنُ أَن يَكشِفَه لَه” (متى 27:11). وعليه فان الرؤية المبشرة هي من امتياز الابن. فيسوع وحده رأى الآب، وهو الذي ادخلنا في ملكوته وشملنا بمعرفته وبناء عليه نستطيع ان نعاينه ونعايشه.
47 “الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن آمَنَ فلَهُ الحَياةُ الأَبَدِيَّة”: تشير عبارة “آمَن” الى الاستمرار في الايمان. فإننا لا نؤمن مرة واحدة وحسب، بل نستمر في الايمان والثقة به. اما عبارة “الحَياةُ الأَبَدِيَّة” فتشير الى ان يسوع ينقلنا من الموت الى الحياة. لا ينتمي المؤمن بعد الآن الى الموت، بل هو يحيا القيامة منذ الحياة الحاضرة، فحتى وإن مات، فهو يتقبل الحياة كما جاء في قول يسوع “مَن سَمِعَ كَلامي وآمَنَ بِمَن أَرسَلَني فلَه الحَياةَ الأَبَدِيَّة ولا يَمثُلُ لَدى القَضاء بلِ انتَقَلَ مِنَ المَوتِ إِلى الحَياة” (يوحنا 5: 24). إن الايمان بالمسيح هو الحصول على الحياة الابدية. يؤكد سفر التكوين، اول سفر في الكتاب المقدس، أن الله خلّد الإنسان، لأنه كان يعيش في بستان تنمو فيه شجرة الحياة. ويؤكد سفر الرؤيا، آخر سفر في الكتاب المقدس، ان الله سيمنح الخلود لكل غالب (رؤيا 2: 7). ويؤكد لنا يسوع هنا ان الايمان به يعيد الينا الحياة الخالدة.
48 “أَنا خُبزُ الحَياة”: كان رؤساء اليهود يطلبون من يسوع ان يُثبت لهم سبب كونه أفضل من الانبياء، فأشار يسوع هنا الى الخبز النازل من السماء الذي اعطاه موسى لأجدادهم. كان ذلك الخبز جسديا ووقتيا، وكان يقوت الناس ليوم واحد، وكان عليهم ان يحصلوا على المزيد منه كل يوم، ولم يقدر هذه الخبز ان يمنع الموت عنهم. أمّا يسوع اعظم من موسى ، فيقدّم ذاته خبزا روحياً نازلا من السماء يقود الى الحياة الابدية.
49 “آباؤُكُم أَكَلوا المَنَّ في البَرِّيَّة ثَمَّ ماتوا. 50إِنَّ الخُبزَ النَّازِلَ مِنَ السَّماء هوَ الَّذي يأكُلُ مِنه الإِنسانُ ولا يَموت”: تشير عبارة “لا يَموت” الى يسوع الذي يعطي الحياة الابدية، وهذه الحياة تتعارض مع كل اشكال الموت. فكل من يأكل خبز الحياة الذي يعطيه هو لن يموت ابدا. يوحّد يسوع الخبز الروحي الذي يعطيه بتقديمه جسده.
51 “أنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم”: تشير عبارة “الخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا” الى سر الافخارستيا. اما عبارة “هو جَسَدي” تشير كلمة جسد باليونانية σάρξ (لحم ودم) الى ما يكوّن حقيقة الانسان، بما فيه من إمكانيات وضعف (يوحنا 1: 14). ويُشدد يوحنا هنا على قيمة التجسد الخلاصية. اما عبارة ” أَبذِلُه لِيَحيا العالَم” فتشير الى عبارة تقليدية تعبّر عن البعد الفدائي الذي يمتاز به موت يسوع. هناك صلة بين يسوع مصدر الحياة وبين موته كما جاء في قوله “الرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف (يوحنا 10: 11 )، لذلك يدور الكلام على الخبز الذي يعطيه. إن أكل خبز الحياة يتم بتناول جسد الرب ودمه وهذا يشير الى الإيمان بموته يسوع وقيامته من ناحية، وبتكريس ذواتنا بموجب شريعة الانجيل.
52 “فخاصَمَ اليَهودُ بَعضُهم بَعضاً وقالوا: كَيفَ يَستَطيعُ هذا أَن يُعطِيَنا جسدَه لِنأكُلَه؟”: تشير عبارة “كَيفَ يَستَطيعُ هذا أَن يُعطِيَنا جسدَه لِنأكُلَه” الى الشريعة التي تحرم شرب دم كما كلم الرب موسى “أَنقَلِبُ على آكِلِ الدَّمِ وأَفصِلُه مِن وَسْطِ شَعْبِه. لأَنَّ نَفْسَ الجَسَدِ هي في الدَّم، وأَنا جَعَلتُه لَكم على المَذبَحِ لِيُكَفَّرَ بِه عن نُفوسِكُم، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عنِ النَّفْس” (الاحبار 17: 10- 11). يندهش القديس كيرلس الكبير من اليهود الذين آمنوا أنه بأكل لحم خروف الفصح ونضح دمه على الأبواب يهرب الموت منهم، ويُحسبوا مقدسين، ولن يعبر بهم المهلك، فكيف لا يؤمنون بأن تناول جسد حمل الله ودمه يهبهم الحياة الأبدية. سبب مخاصمة ايهود هو عدم الايمان كما يقول اشعيا “إن كنتم لا تؤمنون فلن تفهموا”(اشعيا 7: 9). لهذا كان من الصواب أن يتأصل فيهم الإيمان أولًا ثم يأتي بعد ذلك الفهم للأمور التي يجهلونها. اما بولس الرسول فاستخدم تعبير الجسد والدم في حديثه عن التناول “أَنَّ الرَّبَّ يسوع في اللَّيلَةِ الَّتي أسلِمَ فيها أخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ، ثُمَّ كَسَرَه وقال: هذا هو جَسَدي، إِنَّه مِن أَجْلِكُم. اِصنَعوا هذا لِذِكْري. وصَنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكَأسِ بَعدَ العَشاءِ وقال: هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلُّمَا شَرِبتُم فاصنَعوه لِذِكْري” (1 قورنتس 11: 23- 26). وفي هذا الصدد قال القديس هيلاريون، اسقف بواتييه: “بخصوص صدق الجسد والدم لا يوجد أي مجال للشك. فإنه الآن بإعلان الرب نفسه وإيماننا، هو جسد حقيقي ودم حقيقي. وما يؤكل ويشرب يعبر بنا لكي نكون في المسيح والمسيح فينا”.
ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي
بعد دراسة وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 6: 24- 35)، يمكننا ان نتناول موضوع يسوع خبز الحياة. ان يسوع هو ليس فقط خبز الكلمة وخبز الافخارستيا بل هو ايضا خبز الحياة. ومن هنا نتسأل: ما هي الحياة؟ وما معنى يسوع خبز الحياة.
1) ما هي الحياة؟
بالرغم من أن الحياة تتم كلها على الأرض إلا أنها لا تتغذى أولاً وأساساً بخيرات الأرض، بل بالتعلق بالله. فهو “ينبوع الماء الحي” (إرميا 2: 13)، و”ينبوع الحياة” (مزمور 36: 10، “ورحمته أطيب من الحياة” (مزمور 63: 4). وفي نظر الأنبياء، تقوم الحياة في طلب الرب (عاموس 5: 4- 5). والواقع لم يخلق الله الإنسان للموت، ولكن للحياة (حكمة 1: 13)، لذا يُعرض الله على شعبه “سبل الحياة” (مزمور 16: 11). “فاَحفَظوا فَرائضيِ وأَحْكامي. فمَن حَفِظَها يَحْيا بِها” (الاحبار 18: 5)، لأن هذه السبل هي سبل البر ” والبر طريق إلى الحياة ” (أمثال 11: 19).
اما يسوع المسيح فانه “الطريق والحق والحياة” (يوحنا 14: 6)، القيامة والحياة (يوحنا 11: 25) يعطي الحياة ويُفيضها بوفرة ألم يقل؟ ” أَمَّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم” (يوحنا 10: 10).
فإنه يحمل الحياة التي لا تفنى أي “الحياة الأبدية” (متى 19: 16، 29). إنها هي الحياة الحقيقية، بل نستطيع القول بلا أي إضافة إنها هي “الحياة” (متى 7: 14). إذ إن المسيح من حيث هو “الكلمة” الأزلي، حاصل على الحياة منذ البدء. ومن حيث هو الكلمة المتجسد، هو “كلمة الحياة”(1يوحنا 1: 1).
2) ما معنى يسوع خبز الحياة الابدية؟
قال يسوع “أنا خُبزُ الحَياة” (يوحنا 6: 48). ومن حيث يسوع “خبز الحياة” يُعطي لمن يأكل جسده أن يحيا به، كما هو يحيا بالآب (6: 27- 28). لذا أوصى يسوع بالأكل من هذا الخبز “خُذوا كُلوا! إنَّ هذا الخبزَ هو جسدي للحياة الأَبدِيَّة”(متّى 36:26). وهذا كله يتطلّب الإيمان: “كُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَداً ” (يوحنا 11: 25). ويقوم هذا الإيمان في قبول كلام يسوع والعمل بموجبه، لأن “وصيته حياة أبدية ” (يوحنا 12: 47- 50). فالمؤمن هو من يصدّق ما لا يُصدّق، من يصدّق ما قاله يسوع.
فكل من يؤمن بالمسيح ينتقل من الموت إلى الحياة (يوحنا 5: 24)، والمؤمن، بعماده في موت يسوع (رومة 6: 43)، وبقيامته معه إلى الحياة (رومة 6: 13) “يحيا منذ الآن لله في المسيح يسوع” (رومة 6: 10 -11). فيعرف معرفة حية الآب والابن الذي أرسله، وهذه هي الحياة الأبدية (يوحنا 17: 3). وتصبح حياته “محتجبة مع المسيح في الله” (كولسي 3: 3)، هذا الإله الحيّ الذي صار هيكله (2 قورنتس 6: 16) فيشترك هكذا في حياة الله التي كان فيما مضى غريباً عنها (أفسس 4: 18)، وبالتالي يشترك في طبيعته (2 بطرس 1: 4). فلم يُعد المؤمن خاضعاً بعد الآن لضغوط الجسد”، بل يحيا لا لنفسه، “بل للذي مات وقام من أجله” (2 قورنتس 5: 15)، ويستطيع مثل هذا الشخص أن يقول مع بولس الرسول “الحياة عندي هي المسيح” (فيلبي 1: 21).
فمن الآن، بقدر ما يشترك المسيحي المؤمن في موت المسيح ويحمل آلام، تظهر حياة يسوع حتى في جسده (2 قورنتس 4: 10). مما جعل بولس الرسول يرغب في الموت، “لكي يكون مع المسيح” (فيلبي 1: 23). فإن الحياة مع المسيح ممكنة بعد الموت مباشرة. ويستطيع الإنسان حينئذ أن يكون شبيهاً بالله وأن يراه كما هو (1 يوحنا 3: )، وجهاً لوجه (1 قورنتس 13: 12)، في هذه الرؤية يقوم جوهر الحياة الأبدية. غير أن هذه الحياة لن تحقق كمالها إلا يوم يشترك الجسد” نفسه فيها، بعد قيامته وتمجيده، عندما يظهر المسيح الذي هو حياتنا (كولسي 3: 4)، “فيكون الله كل شيء في كل شيء” (1 قورنتس 15: 28). وعلى الكنيسة رسالة إبلاغ الشعب بجرأة بأمور هذه الحياة” (أعمال الرسل 5: 20): ذلك هو الاختبار الأول في فجر المسيحية.
خلاصة
قال المسيح :” أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم” ﴿يوحنا 6: 51﴾. ومع أنَّ الخبز طعام أساسي وضروري لا يستغني عنه إنسان، إلا أنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” ﴿متى 4:4﴾. إنّ المسيح لم يقدم لنا طعاماً مادياً من أرغفة وسمك، لكنه قدَّم لنا جسده هو: “الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي” باعتباره الخبز الحي الذي نزل من السماء، الخبز الذي يهب حياة أبدية لكل من يأكله، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والمسيح هو كلمة الله المتجسد، المن السماوي الواهب حياة للعالم. خبز حياتنا، وطعامنا اليومي، الطعام الذي به “نحيا ونتحرك ونوجد”. يسوع هو خبز الحياة اليوم. نحن نحيا منه اليوم، ونحيا ملء الحياة.
فإن كان المسيح قد قدم جسده لأجلنا، أفلا ينبغي أن نقدم نحن أجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرضية لله؟ ﴿رومية 12: 1﴾. ألا ينبغي أن نشكره على خبز الحياة؟ ألا ينبغي أن نأكل من هذا الجسد ونتمم الوصية: “إِذا لم تَأكُلوا جَسدَ ابنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة” ؟ ﴿يوحنا 6: 53﴾. ألا ينبغي أن نخبر كلما أكلنا من هذا الخبز بموت الرب إلى أن يجيء؟ ﴿1قورنتس 11 : 26﴾.
ليس لأننا عرفنا وآمنا بل “آمنا وعرفنا” (يوحنا 6: 69). لقد آمنا لكي نعرف؛ لأننا إن أردنا أن نعرف أولًا وعندئذ نؤمن، لن نستطيع أن نعرف ولا أن نؤمن. ماذا آمنا وعرفنا؟ امنا بالمسيح “ومن يؤمن بي فله حياة أبدية”، كما جاء في تصريح العلامة اوغسطينس: “أنت المسيح الحياة الأبدية عينها، تهبها في جسدك ودمك فقط اللذين هما أنت”.