الولادة: –
الوفاة: –
وُلد القديس بسنتاؤس أو بسنتيوس أو بسنتي أو بسندة أو باشنتي (منها جاءت الأسماء: بشاي، أبشاي، بيشوي)، في أرمنت من أبوين وثنيين. عُرفت أرمنت بتمسكها بالعبادة الوثنية زماناً طويلاً، فكان بها نحو 360 بربا (بيت للوثن) مملوءة أصناماً من حجارة وخشب. وعندما قدم إليها أريانا والي أنصنا في عهد الإمبراطور دقلديانوس متجهاً نحو مدينة إسنا كانت تفتخر بأنه لا يوجد بها مسيحي واحد، بينما لم يوجد في مدينة إسنا في ذلك الوقت وثني واحد، إذ دخل الوالي ليجدها فارغة تماماً ماعدا سيدة عجوز قبلي المدينة أخبرته عن موضع المسيحيين، كما رأينا في سيرة القديس أمونيوس أسقف إسنا.
لكن الحال قد تغير وصار شعب أرمنت مسيحياً بعد ذلك بفترة وجيزة. إذ وُلد بسنتاؤس حمله والداه إلى البرابي كعادة الوثنيين، وكانت المفاجأة أن كهنة الأوثان قد أسرعوا إلى الوالدين وهما من بعيد وطلبوا منهما ألا يقتربا بطفلهما إلى البربا لأنه عدو الآلهة. وهكذا شعر عدو الخير إبليس أن هذا الطفل قد أعده الله لنشر الإيمان وتحطيم العبادة الوثنية، فأثار كهنته ضده، وطردوه مع والديه.
تعلم بسنتاؤس مهنة النجارة، إذ كان من عادة أهل أرمنت أن يُكرس كل سنة نجّار وطبيب وبنّاء للعمل في قصر الوالي لمدة عام كامل بالتناوب، جاء دوره فانطلق مع طبيبٍ وبناء إلى القصر. وإذ كان واقفاً هناك ينظر إلى السماء جاء نسر ومعه إكليل ملوكي وضعه على رأسه إلى لحظات ثم أخذ الإكليل وانطلق ناحية المشرق، الأمر الذي أدهش كل الحاضرين، وحسبوا ذلك إعلاناً إلهياً أنه يكون ملكاً.
أحب الإيمان المسيحي، وقبل المعمودية وهو شاب صغير. أثناء عماده رأى شبحاً مخيفاً يخرج منه، فقال: “انظروا كيف ابتعدت قوات الظلمة عني بالمعمودية المقدسة”.
رهبنته
شعر القديس بسنتاؤس، خاصة منذ قبوله العماد، انه مفرز لعمل إلهي، فكان ينهمك في دراسة الكتاب المقدس بشغفٍ شديدٍ، فحفظ أغلب أسفاره، كما كان يتدرب على الحياة النسكية التقوية متكلاً على نعمة الله الفائقة. ترك القديس بسنتاؤس المدينة وانطلق إلى الجبل المجاور لها حيث سكن عند أخ قديس يُسمى سورس، يُعتبر أول راهب في هذا الجبل، وقد صار أول أسقف للمنطقة حيث لم يكن هناك سوى كنيسة صغيرة.
دعوته للخدمة
كان قلب القديس بسنتاؤس يلتهب شوقاً نحو الوحدة وتكريس القلب للعبادة، وفي نفس الوقت كانت نفسه متمررة من أجل الوثنيين المحرومين من خلاص السيد المسيح. وإذ أراد الانطلاق إلى داخل الجبل رأى كأن ملاكاً على شكل إنسان يقف بجوار كمية من الملح، فسأله القديس: “يا سيدي، من الذي يشتري منك هذا الملح في هذا القفر؟” أجابه الملاك: “يا بسنتاؤس، وأنت من الذي ينتفع منك إن صعدت ههنا؟! أما تعلم أن الرب قد اختارك لترد هذا الشعب الضال إليه حتى يخلصوا؟! قم الآن وانزل إلى المدينة كقول الرب، واسكن خارجها، واجتذب الناس إليك قليلاً قليلاً، لأن جموعاً كثيرة تأتى إليك وتُقبل إلى معرفة الله من قبلك أيها الإناء المختار”.
ثم أعطاه الملاك السلام وصعد إلى السماء. نزل القديس من الجبل، وبنى لنفسه مسكناً بجوار المدينة يمارس فيه نسكياته بجهاد عظيم، سائلاً الله بدموع من أجل خلاص الناس. ازداد القديس بهاءً بنعمة الله العاملة فيه، وقد وهبه الله روح النبوة، فجاء كثيرون يستشيرونه. بأمر إلهي بنى كنيسة تبعد عن مسكنه حوالي ميلاً، ثم بنى مجمعاً بجوارها، فاجتمع عنده ثلاثة وخمسون أخاً يمارسون الحياة الرهبانية تحت إرشاده. وتحول هذا الدير إلى مركز إشعاع روحي وكان كثير من الوثنيين يأتون إليه ويسمعون للقديس فيقبلوا الإيمان وينالوا العماد، حتى كادت مدينة أرمنت كلها أن تصير مسيحية.
لقاءاته مع آخرين
جاء إليه أنبا ببنودة أسقف مدينة قوص، فخرج إليه القديس يستقبله بفرح ويعانقه، وكانا يتحدثان بعظائم الله. قال القديس للأسقف: “إنني كنت ذات يوم أمشي في الجبل، وللوقت نظرت سيدي ومخلصي يسوع المسيح ابن الله الحيّ، فخررت له ساجداً، وقبّلته، ومشيت معه كالإنسان مع خليله، فلما أتيت إلى حائط وعليه سياج باركني وأعطاني السلام، وصعد إلى السماء بمجد عظيم”.
مرة أخرى إذ جاء إليه الأنبا هارساسيوس استقبله بفرحٍ عظيمٍ، ودخل به إلى الدير وسط التسابيح، وكان يوحنا (أخ القديس بسنتاؤس) قد خرج من الدير يجمع حطباً، وهناك قاتله الشيطان بفكر الزنا وظهرت له الشياطين على شكل نساء لتثير فيه الخطية أما هو فترك الموضع وهرب إلى مكان به شوك وحسك، ثم أسرع إلى الدير. علم الأنبا بسنتاؤس بالروح وخرج إليه واستقبله، قائلاً: “مرحباً بك أيها الرجل الصالح المتحد بالإله الواحد وحده القدوس الأبدي، الذي غلب أفكار العدو وكل خيالاته، الآن أنا أقول لك يا أخي الحبيب إن إلهنا القوي قد أنعم عليك بأسقفية مدينة أرمنت…” بعد ذلك تنيح القديس الأنبا مقارة أسقف المدينة فاجتمع أهل المدينة، وأخذوا الأب أنبا يوحنا، وأتوا به إلى الأب البطريرك أنبا ثاؤفيلس، وطلبوا منه أن يرسمه لهم أسقفاً على مدينة أرمنت وكل تخومها، وبهذا تحققت نبوة أخيه.
اهتمامه بالمرضى
إذ وهبه الله عطية شفاء المرضى فتوافدت الجماهير عليه بنى مسكنًا خارج الدير يستضيف فيه الكثيرين، وكان يهتم بخلاص نفوسهم وبنيانهم الروحي بجانب صلواته عنهم لشفاء أجسادهم. في شيخوخته المملوءة ثمراً روحياً مرض، ثم تنيح في السابع من شهر مسرى.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت