الولادة: –
الوفاة: –
في البرية الشرقية
جاء عنه في السنكسار الذي قام بطبعه رينيه باسيه (30 طوبة)، وهو غالباً بخلاف أنبا بلامون الناسك معلم القديس باخوميوس أب الشركة. لا نعرف شيئاً عن سيرته سوى القصة التي وردت عنه، والتي تكشف عن حرب الشيطان المرة نحو كل إنسانٍ، خاصة الذين يبلغون قامة روحية عالية. فقد نشأ هذا الأب جاداً في جهاده الروحي، لا يعرف الضحك قط منذ صباه، ومع هذا أراد العدو أن يدفع به إلى الهاوية ليحطمه تماماً لولا عناية الله الفائقة. قيل عنه أنه خرج يوماً من مغارته بالجبل الشرقي يحمل القليل من عمل يديه نحو الريف ليبيعه. ضل القديس الطريق وسط البرية حتى فقد كل علامة يمكن أن يستدل بها، وبقيّ أسبوعاً كاملاً بلا طعام ولا شراب في حرّ الصيف القاتل، فكاد أن يموت لولا أنه صرخ قائلاً : “يا ربى يسوع المسيح أعني”، فسمع للحال صوتاً يقول له :”لا تخف فإن العدو لا يقدر أن يقوى عليك بعد أن ذكرتني، قم وامشِ إلى الجنوب قليلاً فستجد راهباً شيخاً صديقاً يُسمى أنبا تلاصون.
إنه كقلعة، اخبره بما أغواك به الشيطان، وبالخطية العظيمة التي جربك بها في صباك، وهو يصلي عنك فتُغفر لك”. عندئذ حمل الأب بلامون شغل يده وقام متجهاً نحو الجنوب، وهو يتلو المزمور: “خلصني يا الله باسمك، واحكم لي بقوتك، ارحمني يا الله واسمع صلاتي، وأنصت إلى كلام فمي، فإن الغرباء قاموا عليّ، والأقوياء طلبوا نفسي…”
مع الأنبا تلاصو
ن إذ كان أنبا بلامون يتلو مزاميره متجهاً نحو الجنوب التقى بالقديس تلاصون الذي فرح به جداً، وأمسكه وأصعده على الصخرة. صلى الإثنان معاً ثم جلسا يتحدثان بعظائم الله، وقد دار بينهما الحوار التالي: كيف عرفت هذا الطريق حتى جئت إليّ لتفتقدني في هذه البرية؟ انهارت دموع بلامون وصار يسجد على الأرض، ويقول: “اغفر لي يا أبي الحبيب القديس. الرب يسوع المسيح يغفر لنا كلنا جميع زلاتنا. إني أستحي أن أعرفك يا أبي القديس عن الخطية العظيمة التي أدركتني من قبل العدو الشيطان دون أن أعلم. مكتوب هكذا: اعترفوا بخطاياكم… وأنا يا أبي القديس صنعت خطايا عظيمة في صباي، ولا زلت أخطئ في كل يوم. هنا إذ صار أنبا تلاصون يعزى أنبا بلامون بدأ الأخير يعترف بخطيته قائلاً بأنه إذ كان يمارس الحياة الرهبانية في الدير، سمع حديثاً عن الوحدة أنها تولد خوف الله، وأن الله يبغض الهزء الذي هو الضحك الباطل، فكان يبكي على خطاياه نهاراً وليلاً، وكان العدو يبذل كل الجهد ليثيره للضحك الباطل فلا يسمع له، ضابطًا لسانه وفكره. وفي مرات كثيرة كان يقدم له العدو خيالات مثيرة للضحك، فكان يذكر القديس خطاياه فيبكي عوض الضحك، متمسكاً باسم يسوع المسيح واهب الخلاص.
أقام في جهاده زماناً طويلاً حتى جاء يوم كان فيه يحمل شغل يديه ليبيعه في الريف، وإذ سار نحو رومية تطلع فرأى الجبل كله قد تغير قدامه ولم يعد يرى رملاً أمام عينيه بل أرضاً خصبة ومدينة جديدة تضم قصوراً فخمة، بها حدائق وبساتين تحيط بها، فمضى إلى المدينة وتعجب من أجل عظم كرامتها، عندئذ أراد الدخول فيها ليجد بين أغنيائها من يشتري منه هذا القليل من عمل يديه. اقترب جداً فوجد “ساقية” تدور وبجوارها امرأة تبدو أنها أرملة، كانت حزينة ومحتشمة، وينزل حجاب حتى عينيها. إذ نظرته المرأة غطت رأسها، وقالت له: “باركني يا أبي القديس”، ثم حملت عن كتفيه السلال، وطلبت منه أن يستريح. جلس الأب بجوارها على مجرى ماء، وكانت المرأة تأخذ بكفيها من الماء وتسكبه على قدميّ الراهب بلامون وتغسلهما كمن تود نوال البركة، وقد ظهر عليها أنها إنسانة غنية وشريفة الجنس، ثم دار بينهما هذا الحوار: قولي لي أيتها السيدة المؤمنة، إذا دخلت المدينة بهذا القليل من عمل اليدين، هل يوجد من يشتريه مني؟ نعم يشترونه منك، لكن أتركه لي وأنا أشتريه منك وأدفع لك ما تحتاج إليه، فإني زوجة إنسان غني، وقد مات رجلي منذ أيام وترك لي مالاً كثيراً وبهائم كثيرة، وها أنت تنظر هذه الكروم العظيمة، أنا أقوم بجمعها، وليس لي إنسان يقف بجواري. ليتني أجد إنساناً مؤمناً مثلك أسلم له كل شئ بين يديه ليفعل كيفما شاء.
فإن أردت يا أبي القديس أن تأتي وتتسلط على بيتي وتأخذ كل ما لي فإني أتخذك زوجاً لي. إذا ما تزوج الراهب يصير في خزيٍ وعارٍ. إن كنت لا تتخذني زوجة فكن مقدماً على كل ما لي، تدبره لي في النهار، وإذا جاء الليل تقوم وتصلي. عندئذ قامت المرأة وصعدت إلى علية بيتها وهيأت له طعاماً فاخراً ووضعته قدامه، ثم دخلت حجرتها ولبست ثياباً فاخرة وعادت لكي تقترب إليه جداً. عندئذ انتبه الأب بلامون بقوة الله ورشم ذاته بعلامة الصليب وإذا بكل ما هو قدامه يصير كالدخان أمام الريح، فأدرك أنه دخل في خدعةٍ شيطانية، عندئذ صار يبكي بمرارة ساعات طويلة بندمٍ شديدٍ.
أرسل الله الكثير الرحمة ملاكه ليعزيه، ووعده بغفران خطاياه، طالباً منه أن يمضي إلى القديس أنبا تلاصون يعترف بخطاياه، عندئذ قام وجاء. هذا هو موجز ما رواه أنبا بلامون للقديس أنبا تلاصون، وكان يبكي أمامه طالباً صلواته عنه كي يغفر له الرب خطيته. وبالفعل صلى له، وإذ بهما يجدان أشبه بمائدة نازلة من السماء أكلا منها وفرحا بالرب، ثم عاد القديس بلامون إلى مسكنه يمارس نسكياته وعبادته بغيرة، حتى وهبه الله موهبة شفاء المرضى، وكانت الوحوش تأنس إليه فيطعمها بيديه. وكان كثيراً ما ينزل من مسكنه ليفتقد المسجونين والمحتاجين.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت