الولادة: –
الوفاة: –
جلس على الكرسي المرقسي في الفترة من 623م، حتى 662م، وقد عاصر ثلاث حقبات مختلفة:
أولاً: الاحتلال الفارسي (623-628) حيث احتل الفرس مصر بسبب ما بلغته من فوضى وما عانته من استبداد بيزنطي وحرمان المصريين من ممارستهم حقوقهم الوطنية والإنسانية وأيضاً الدينية، فإن كان البطاركة في أثناء الاحتلال قد استراحوا من إقامة بطاركة دخلاء من قبل بيزنطة يضطهدون الكنيسة المصرية، غير أن الفرس خربوا البلاد ونهبوها وحطموا الكنائس والأديرة.
ثانياً: عودة الحكم البيزنطي من جديد (628-640م تقريباً)، كانت فترة مريرة حيث كان كل همّ الإمبراطور هرقل مقاومة الكنيسة وتحطيمها، واضطر البابا بنيامين إلى الهروب ليظل مختفياً 10 سنوات تحت هذا الحكم وثلاث سنوات في الحقبة التالية.
ثالثاً: دخول العرب مصر حوالي عام 640م حيث سلمها المقوقس، وهو غالباً اسم مستعار للوالي البيزنطي. وقد وجد البابا معاملة طيبة من عمرو بن العاص، وعاد إلى كرسيه بعد ثلاث سنوات يمارس عمله الرعوي.
نشأته
وُلد في قرية بيرشوط (كفر مساعد التابعة لإيتاي البارود بالبحيرة) من عائلة غنية تقية. في شبابه باع كل ما له والتحق بأحد الأديرة الواقعة في منطقة الإسكندرية يتتلمذ على يديْ ناسك شيخ يدعى ثيوناس. كان محباً لدراسة الكتاب المقدس، مجاهداً في الحياة الفاضلة في الرب. وقد رأى في إحدى الليالي ملاكاً يقول له: “تهلل يا بنيامين فإنك سترعى رعية السيد المسيح”. وإذ روى ما رآه على معلمه حذره من الكبرياء، لئلا يكون ذلك من عدو الخير لكي يخدعه، فبالغ القديس في جهاده الروحي مهتماً بخلاص نفسه ومصلياً من أجل خلاص البشرية. اضطر الناسك أن ينزل إلى الإسكندرية لظرفٍ ما فأخذ معه تلميذه بنيامين، وإذ قضى ما جاء بسببه ذهب إلى البابا أندرونيقوس حيث روى له ما رآه تلميذه وكيف تظهر نعمة الله عليه.
أحب البابا أندرونيقوس بنيامين فاستبقاه عنده ليساعده في عمله الرعوي. كانت ظروف الكنيسة المصرية في ذلك الحين في غاية المرارة، فقد كرس الإمبراطور البيزنطي هرقل كل طاقاته لإلزام الكنيسة بقبول قرارات مجمع خلقيدونية المشئوم الذي نادى بطبيعتين للسيد المسيح: إلهية وإنسانية، بينما تمسك الأقباط والسريان بالطبيعة الواحدة التي تضم وحدة الطبيعتين دون انفصال ولا امتزاج ولا اختلاط بينهما. على أي الأحوال كان الإمبراطور قد أرسل بطريركاً دخيلاً يحمل سلطاناً مدنياً، لكنه لم يستطع أن ينفي البابا أندرونيقوس بسبب شرف عائلته ومكانتها، وإنما نفى أساقفته وشردهم، وجال يهدم الكنائس ويضطهد الكهنة والشمامسة والشعب، وانطلق إلى البراري يهدم الأديرة ويقاوم الرهبان حتى الشيوخ منهم.
هذا هو حال مصر الكنسي والمدني، لأنه لم يكن للوالي همّ سوى جمع ضرائب فادحة لحساب بيزنطة مع مقاومة الكنيسة المصرية بكل قوته لإرضاء الإمبراطور.
سيامته
إذ تنيح البابا أندرونيقوس أُختير تلميذه بنيامين خلفاً بالإجماع، خاصة وأن البابا قد أشار إليه قبيل نياحته معلناً عن رغبته في سيامته من بعده، فصار البطريرك الـ 38. في ذلك الوقت كان الفرس قد اغتصبوا مصر من هرقل، لكن الأخير استعادها ثانية ليعود فيصدر أمره بعد ثلاث سنوات بنقل قورش أسقف فاسيس (بآسيا الصغرى) إلى الإسكندرية يحمل السلطتين الكنسية والزمنية، فصار بطريركاً ووالياً على الإسكندرية. أرسل الله ملاكًا للأنبا بنيامين يطلب منه أن يهرب هو وأساقفته إلى البرية من وجه قورش، فأخذ تلميذين له وانطلق إلى برية شيهيت ليرى بنفسه ما حلّ بالبرية من خراب على أيديْ الفرس، حيث تمررت نفسه وهو عاجز عن العمل بسبب الاستبداد البيزنطي. انطلق من شيهيت إلى الصعيد حيث عاش في أحد الأديرة الصغيرة المنتشرة بمنطقة طيبة.
مقاومة قورش للكنيسة
إذ وصل قورش الإسكندرية لم يجد البابا بنيامين فألقى القبض على أخيه مينا وكان الجنود يحرقون جنبيه بنارٍ لكي يعترف عن موضع أخيه. احتمل بصبر صامتاً فاغتاظ البطريرك الدخيل وأمر بوضعه في “زكيبة” بها رمل وألقوه في البحر، فكان أول شهيد قبطي على يدّي البطريرك البيزنطي الدخيل.
جاء الراهب صفرونيوس إلى قورش وصار يحاججه، وإذ تمسك بضلاله وعنفه، مصراً أن يعذب ويقتل، ذهب الراهب إلى القسطنطينية حيث التقى بالبطريرك والإمبراطور وعبثاً حاول إقناعهما عن سياسة القمع والعنف، ثم ذهب إلى أورشليم فكان كرسيها شاغراً، فشعر أهل المدينة أنه مُرسل لهم من قبل السماء لسيامته أسقفاً. دخول العرب مصر وسط هذا الجو المتوتر، حيث كان قورش لا عمل له سوى متابعة الأساقفة والكهنة والرهبان حتى في الصحاري بحمله عسكرية ليعذب ويقتل كانت الدولة العربية قد زحفت فهزمت الفرس ثم انطلقت إلى سوريا وفلسطين بينما كان هرقل في القسطنطينية ساكناً. وصل الزحف العربي إلى مصر تحت قيادة عمرو بن العاص عند الفرما على البحر الأحمر، ودام القتال شهراً بعدها فتحوا المدينة لينطلقوا نحو الجنوب، حيث غلبوا بلبيس بعد شهر آخر، وعندئذ انطلقوا إلى بابليون بمصر القديمة حيث الحصن الذي بناه تراجان في القرن الثاني. وقد حاصروا المدينة حوالي سبعة شهور بعدها فاوض المقوقس العرب على تسليمه البلاد، ثم انطلق العرب إلى الإسكندرية وكانوا في كل معركة يحاربون كل مدينة على انفراد إذ فقدت البلاد وحدتها وحُرم الولاة المعينون من قبل الإمبراطور من كل خبرة عسكرية، لا همّ لهم سوى جمع الضرائب ومقاومة الكنيسة، لم يفكر أحد في مساندة أخيه. كان يمكن للإسكندرية أن تقاوم خاصة وأنها مدينة ساحلية يمكن أن تأتيها المؤن من البحر لكن التحزبات مزقتها، واستسلمت بعد شهور. بهذا انتقل الحكم من يد البيزنطيين إلى حكم العرب.
عودة البابا بنيامين
استقر عمرو بن العاص في ضاحية الفسطاط، وإذ استتب الأمر دار النقاش بينه وبين الأقباط حول عودة البابا وأساقفته وكان سانوثيوس رجل مؤمن يتحدث مع عمرو في الأمر، فطُلب من الأخير أن يبعث رسالة إلى البابا ليعود إلى كرسيه مطمئناً، وقد حمل الرجل الرسالة إلى الصعيد ليقدمها للبابا. لم يطلب عمرو من المصريين سوى الجزية بعد إلغاء الضرائب البيزنطية الفادحة، وكان معتدلاً في المبلغ الذي يطلبه، مع تركه حرية العبادة وحرية التصرف في الأمور القضائية والإدارية، بل وعين بعضاً منهم مديرين في جهات كثيرة، غير أنه أعفاهم من الجندية فحرمهم من شرف الدفاع عن وطنهم عند الحاجة. التقى البابا بعمرو في ودّ، فأظهر الأخير تقديره واعتزازه بالأول. الغزو البيزنطي الفاشل يبدو أن هرقل لم يسترح لتسليم مصر خلال مندوبه قورش، إذ كانت مصر تمثل ثروة زراعية وكنزاً من الضرائب لبيزنطة، فأرسل أسطولاً إلى الإسكندرية من 300 سفينة فاحتلوها. لكن عمرو بالرغم من خلافه مع عمر بن الخطاب لأن الأخير طلب مالاً أكثر قام بمواجهة هذا الغزو وانتصر على الغزو البيزنطي. ولكي يأمن عدم تكرار هذا الأمر قرر هدم أسوار الإسكندرية بدكها حتى الأرض، وإضرام النار بها فالتهمت مكتبة الإسكندرية الشهيرة. وقد كثرت الأقاويل حول حرق هذه المكتبة.
كان أمام البابا بنيامين عند عودته أعمالاً كثيرة منها تثبيت الإيمان المستقيم، وقبول الذين انضموا إلى الكنيسة الملكية (البيزنطية) تحت ضغط العنف بالتوبة من أساقفة وكهنة وشعب لتحتضنهم الكنيسة الأم، وسيامة أساقفة جدد.
إذ عاش البابا أغلب أيامه في مرارة لم يتركه الله بدون تعزيات علنية وخفية، نذكر منها أمرين. الأول استلامه رأس القديس مار مرقس الرسول، فإذ هدمت أسوار المدينة وأُشعلت النيران بها تعرضت الكنيسة المرقسية للحرق، فدخل بعض البحارة إلى الكنيسة لينهبوا ما بها، فوجدوا الرأس في صندوق مُغطى بلفائف ثمينة فحسبوه كنزاً، لذا أخذوه إلى السفينة. حاول البحارة الإبحار فلم يستطيعوا مطلقاً، وإذ فُتشت السفينة وأُكتشف أمرهم سُلمت الرأس للبابا بنيامين الذي خرج مع الأساقفة والكهنة والشعب يحملونها بإكرام عظيم. أما الحدث الثاني فهو عند إعادة بناء دير القديس مقاريوس جاء البابا يدشن الكنيسة. شاهد البابا أثناء التدشين القديس مقاريوس نفسه حاضراً في الهيكل فاشتاق أن يُسام أسقفاً، فظهر له ساروف وأخبره أن الواقف هو القديس مقاريوس أب البطاركة والأساقفة والرهبان. كما شاهد يدّ السيد المسيح نفسه تدهن الكنيسة بمذبحها، فامتلأ فرحاً روحياً وبهجة قلب. وفي نفس الوقت شفيّ القديس مقاريوس ابن حاكم نيقوس الذي كان نائماً في الكنيسة بعد تدشينها مصاباً بمرضٍ عضالٍ.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت