الولادة: –
الوفاة: –
تُعتبر الرسالة التي سجلت آلام شهداء ليون وفينا بفرنسا في أيام الإمبراطور مرقس أوريليوس عام 177م، التي أُرسلت إلى كنائس آسيا وفريجية “لؤلؤة الأدب المسيحي في القرن الثاني” كما وصفها أحد الأدباء الفرنسيين، سجلها لنا المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري (تاريخ الكنيسة 1:5). قدمت لنا صورة عن استشهاد وعذابات الكثيرين، من بينهم الشهيد الأسقف بوثينوس، نقتطف منها الآتي: (قام بترجمتها القمص مرقس داود في كتاب يوسابيوس القيصري): “خدام المسيح المقيمون في فينا وليون ببلاد الغال إلى الإخوة في آسيا وفريجية الذين يعتنقون نفس الإيمان ورجاء الفداء، سلام ونعمة ومجد من الله الآب ويسوع المسيح ربنا… إن شدة الضيق في هذه البلاد، وهياج الوثنيين على القديسين، وآلام الشهود المباركين، هذه لا نستطيع وصفها بدقة، كما لا يمكن تدوينها. فالخصم هجم علينا بكل قوته، مقدماً إلينا عينة من نشاطه الذي لا يُحد الذي سيظهره عند هجومه علينا مستقبلاً، وقد بذل كل ما في وسعه لاستخدام أعوانه ضد خدام الله، ولم يكتفِ بإبعادنا عن البيوت والحمامات والأسواق، بل حرم علينا الظهور في أي مكان. لكن نعمة الله حوّلت الصراع ضده، وخلصت الضعفاء، وجعلتهم كأعمدة ثابتة، قادرين بالصبر على تحمل كل غضب الشرير، واشتبكوا في الحرب معه، محتملين كل صنوف العار والأذى.
وإذ استعانوا بآلامهم أسرعوا إلى المسيح، مظهرين حقاً أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا (رو8: 18). وأول كل شيء تحملوا ببسالة كل الأضرار التي كدسها الغوغاء فوق رؤوسهم كالضجيج واللطم والسحب على الأرض والنهب والرجم والسجن وكل ما يسر الغوغاء الثائرون أن يوقعوه على الأعداء والخصوم. وبعد ذلك أخذهم قائد الألف ورؤساء المدينة إلى الساحة الخارجية، وحُقق معهم بحضور كل الجمهور، ولما اعترفوا سُجنوا إلى حين وصول الوالي …” تروي الرسالة أن شاباً حكيماً يدعى فيتيوس اباغاثوس Vettuis Epagathus إذ رأى العنف الحال بإخوته عندما مثلوا أمام الوالي وقف يدافع عنهم بكونه من الشخصيات البارزة. لم يقبل الوالي دفاعه بل سأله عن إيمانه وإذ عرف أنه مسيحي دُفع بين المسيحيين كمتهم، فقبل ذلك بملء المحبة والفرح، مشتاقاً أن يضع حياته من أجل الإخوة وأن يتبع مسيحه.
أُلقيّ القبض أيضاً على الخدم الوثنيين العاملين لدى هؤلاء الشهداء، وإذ رأى الخدم أدوات العذابات لم يبرروا أنفسهم أنهم ليسوا مسيحيين وإنما كالوا اتهامات لسادتهم بأمور كاذبة لا يليق الحديث عنها ولا حتى التفكير فيها.
وإذ سمعت الجماهير هذه الاتهامات ثارت بعنف على المسيحيين كوحوش مفترسة، حتى الأحباء والأصدقاء من الوثنيين انقلبوا إلى العداوة العنيفة ضد أصدقائهم المسيحيين، فتم قول الرب إنه “تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله” (يو16: 2). كان من بين الذين انصب غضب الوالي والجند مع الغوغاء عليهم سانكتوس Sanctus شماس من فينا، وماتروس Maturus مسيحي حديث العماد لكنه مجاهد نبيل، وأتالوس Attalus من برغامس، وبلاندينا Blandina الأمة الضعيفة الجسم وقد أعلن الله فيها قوته ومجده وسط آلامها، وببلياس Biblias ، وغيرهم، هؤلاء جميعاً مع القديس بوثينوس Pothinus أسقف ليون الذي كان قد بلغ أكثر من تسعين عاماً. جاء في الرسالة: “أما المغبوط بوثينوس، الذي عُهدت إليه أسقفية ليون، فقد سحبوه إلى كرسي القضاء، وكان عمره يزيد على تسعين سنة، وقد وهنت كل قواه، يكاد بالجهد أن يتنفس بسبب ضعف جسده، ولكنه تقوى بالغيرة الروحية بسبب رغبته الحارة في الاستشهاد. ومع أن جسده قد خار أمام الشيخوخة والأمراض، فقد حُفظت حياته لكي ينتصر المسيح فيها.
وعندما أتى به الجند إلى المحكمة، يرافقه الولاة المدنيين وجمهور من الشعب يهتفون ضده بكل أنواع الهتاف، كأنه هو المسيح نفسه، شهد شهادة نبيلة. ولما سأله الوالي: “من هو إله المسيحيين؟” أجاب: “إن كنت مستحقًا فستعرف”. عندئذ سحبوه بفظاظة، ولطموه بكل أنواع اللطم. القريبون منه لكموه بأيديهم، وركلوه بأرجلهم، دون اعتبار لشيخوخته، أما البعيدون عنه فقذفوه بكل ما وصلت إليه أيديهم. ظن الكل أنهم يُحسبون مجرمين إن قصروا في إهانته بكل إهانة ممكنة، إذ توهموا أنهم بهذا ينتقمون لآلهتهم، ثم زُج به في أعماق السجن وهو يكاد لا يقوى على التنفس وتنيح بعد يومين”.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت