الولادة: 579
الوفاة: 654
دُعي بيوحنا الدرجي أو يوحنا السُلّمي، نسبة إلى كتابه “سلم السماء” أو “درجات الفضائل” أو “سُلم الفردوس”، هذا الذي يُعتبر تراثاً له آثاره على الحياة الرهبانية.
نشأته
كتب سيرته راهب معاصر له يُدعى دانيال من دير ريثو أو رايتو، كان يقع على الأرجح بالقرب من دير سيناء. وهي سيرة تقويّة وردت غالباً في مستهل مخطوطات “سلّم الفردوس”. لا تحوي إلا على القليل من المعلومات التاريخية. كما حدثنا عنه أيضاً راهب سينائي يُدعى أثناسيوس حين تحدث عن آباء دير سيناء، وقد غفل أيضاً المعلومات التاريخية عنه. يرى البعض أنه وُلد بفلسطين في عهد الملك زينون، ويرى البعض أنه وُلد حوالي 579م، وقد عاش حوالي 75 عاماً.
دُعي منذ حداثته “العلامة”، وذلك لثقافته الواسعة التي اكتسبها خلال مطالعاته الكثيرة وأسفاره، وليس عن مهنة مارسها قبل رهبنته. تظهر ثقافته في كتابه “السُلّم” حيث يتسم بغنى تشبيهاته وغزارة مفرداته.
رهبنته
في السادسة عشر من عمره أدرك بطلان العلوم البشرية وزوال مجد العالم، فزهد كل شيء والتحق بدير جبل سيناء حيث تتلمذ على يديّ الأب الشيخ مارتيروس. في يوم رهبنته قال عنه الأب ستراتيجيوس أنه سيضْحَى “أحد أنوار العالم”، وتنبأ عنه يوحنا سابا وأنسطاسيوس الذي صار فيما بعد بطريرك كنيسة أنطاكية بأنه سيصير رئيساً للدير. عاش أربع سنوات حيث تأصل في البرّ، وصارت له معرفة روحية صادقة مع زهد قي العالم وتواضع وطاعة كاملة للآباء. وكان يحسب نفسه أصغر الاخوة.
توحده في سن العشرين
تنيّح أبوه الروحي فعزم على الوحدة في صحراء “تولا”، على سفح جبل سيناء. تتسم المنطقة بجمالها الطبيعي الخلاّب، وربما كانت تُدعى “تلاع”، وهي تبعد حوالي خمسة أميال من الدير.
ربما اتخذ مرشداً آخر هو جورجي الرسلايتي (مقال 57:27). كان محباً للصلاة الدائمة، فكان يهرب من اللقاء مع الناس، وكثيراً ما شاهدوه مرتفعاً فوق وجه الأرض أثناء الصلاة. أحب حياة الوحدة والتأمل فعاش في وحدته أربعين عاماً. لم يكن يدعوه الناس إلا “ملك البرية”. عانى الكثير من مقاومة الشيطان له، فكان يصد سهامه بالصلاة والصوم مع الزهد الشديد والتناول من الأسرار المقدسة حيث كانت كنيسة والدة الإله التي بناها الملك يوستينيانوس تبعد عن قلايته حوالي خمسة أميال. حدثنا عن مقاتلته لشيطان الضجر فقال: “من ينصرف في هدوئه إلى محاربة الضجر كثيراً ما يتأذى، إذ يضيع وقت الصلاة والثيؤريا (التأمل العقلي ومعاينة الأمور الإلهية) في مقاتلته والاحتيال عليه” (43:27). حدثنا أيضاً على معاينته للملائكة، فسأله أحدهم عن هيئة الرب قبل التجسد وعن جلوس الابن على يمين الآب، فقال له: “يتعذر على الأذن البشرية إدراك هذه الأسرار” (47:47). قدّم لنا خبرته العملية في الهدوء في مقاله رقم 27، وقد كشف عن مفهومه أنه انشغال بالسيد المسيح.
[ليلتصق ذكر يسوع بنفسَك، فتعرف حينذاك منفعة الهدوء] (61:27). [عزِّ الملك في غناه وكثرة رعاياه وعزّ الراهـب الهادئ في غنى صـلاته] (87:27). [شهوة صغيرة تكدِّر العين واهتمام يسير يبدّد الهدوء] (51:27).زيارته الإسكندرية
أثناء توحده قام برحلة إلى مصر، حيث زار خلالها ديراً في منطقة الإسكندرية، تحدث عنه في شيء من التفصيل في المقالين 4 و5، لا سيما “الدير السجن الرهيب” التابع له حيث كان يؤَّدب فيه الرهبان المذنبون.
خدمته
خلال هذه الأربعين عاماً كان يستقبل بعض الرهبان والشعب (54:7؛ 60:15) القادمين لطلب إرشاد. كما كان يفتقد المتوحدين المرضى (123:26). وقد شفى باسم الرب راهباً يُدعى اسحق من تجربة شيطانية مزمنة وردت في سيرته التي سجلها الراهب دانيال. ذكر أيضاً الراهب دانيال أن القديس يوحنا أرسل تلميذه موسى في خدمة، وعند الظهيرة نام هذا التلميذ في ظل صخرة ضخمة، وأثناء نومه سمع صوت معلمه يوقظه فقفز فوراً من تحتها، وسرعان ما هوت بعد تركه الموضع. وكان القديس يوحنا قد شاهد رؤيا نبهته إلى أن تلميذه في خطر فقام وصلى من أجله.
حسد بعض الرهبان
إذ جذبت شخصيته كثير من الرهبان والشعب للاسترشاد به، وصُنع الله عن طريقه عجائب، حسده بعض الرهبان ونعتوه بالثرثار، فصمت لمدة سنة كاملة. جاء إليه ثالبوه وتوسلوا إليه أن يتكلم من أجل خلاص النفوس.
رئاسة دير جبل سيناء
في نهاية الأربعين سنة من التوحد أُنتخب رئيساً لدير جبل سيناء. يقول الأب أناسطاسيوس السينائي أن موسى النبي حضر بنفسه أثناء تنصيبه. كان له اعتباره لدى الرهبان قبل رئاسته للدير، أما بعد اختياره هذا فتعلقوا به أكثر فأكثر، إذ أُعجبوا بقيادته الروحية وإرشاداته مع وداعته وتواضعه حتى ملك على قلوبهم.
وهبه الله صنع آيات، وإذ تعرضت فلسطين للجفاف طلب منه الشعب أن يُصلي لأجلهم حتى يتحنن الله عليهم ويمطر على أرضهم، فاستجاب الله لطلباته. في هذه الفترة طلب الأب يوحنا رئيس دير ريثو أن يكتب الدرجات الروحية للناموس الجديد أو سُلم الفضائل. وواضح من رسالة الأب يوحنا له أن القديس يوحنا السُلمي سجّل هذا العمل وهو شيخ متقدم في السن.
العودة إلى الوحدة
لم يبقَ في رئاسة الدير سوى أربع سنوات، حيث قرر العودة إلى حياة الوحدة استعداداً للانطلاق من هذا العالم. تولّى أخوه جورج الذي كان من رهبان الدير مركزه، وإن كان قد طلب من القديس أن يصلي لأجله لكي يلحق به عاجلاً. أجابه القديس بأن الله استجاب لطلبته. بالفعل تنيّح القديس يوحنا وبعد فترة وجيزة تنيّح أخوه.
كتاباته
أما عن كتابه “سُلم الفردوس” فيضم ثلاثين مقالاً أو درجة تعقبها “رسالة إلى الراعي” تشتمل توجيهات هامة للرؤساء والآباء الروحيين. يتناول الكتاب الحديث عن حياة الراهب منذ خروجه من العالم وممارسته الفضائل المسيحية، مثل الزهد، والغربة، والطاعة، والوداعة، والسهر، والإفراز، والصلاة، وسكون النفس والجسد… منطلقاً نحو القيامة مع المسيح في إيمان مملوء رجاء وتسنده المحبة. إن كان قد اتسم الكتاب بالجانب النسكي الرهباني، لكنه هو دعوة موجهة إلى الكل للحياة الفاضلة في المسيح يسوع.
يكشف هذا الكتاب عن شخصية القديس يوحنا القوية، فنراه يُقدم تقييماً لبعض الأعمال بصفته الشخصية كأبٍ روحي وقائد مختبر واسع الاطّلاع. كما يكشف عن إدراكه لأحوال الناس الذين يعيشون في وسط العالم وعلى آرائهم وعاداتهم ونفسياتهم. له خبرة ومعرفة عميقة بالنفس البشرية، يحللها بدقة عجيبة. يتسم بالاعتدال مع الجدية والصرامة ضد الخطية.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين ـ رصد انترنت