الولادة: –
الوفاة: 306
قبول الإيمان بالمسيحية
كان سليل أسرة عريقة في المجد والجاه والثروة، متفقهًا في العلوم الدينية والفلسفية. كان فيلسوفَا، يجيد الشعر، ويهتم بالفن والعلوم المختلفة. وكان مرهف الحس، سريع البديهة، وقد تأثر جداً بتعليم السيد المسيح فآمن بالمسيحية بفرح. ونظراً لمكانته عيّنته الدولة والياً فأحبه الشعب، وقَبِل هو هذه المهمة لأنه وجد فيها فرصة لخدمة شعبه. كرّس وقته للخدمة فقدموا له الولاء.
اختياره أسقفاً
لما خلت الأسقفية أجمع الشعب على اختياره فترك الولاية واستلم الإبيارشية، فتحول من خدمة الدولة إلى خدمة الكنيسة. في أثناء الاضطهاد الذي بدأه دقلديانوس وأكمله جاليريوس ومكسيمينوس وأعوانه، سافر فيلياس إلى الإسكندرية للتشاور مع البابا بطرس خاتم الشهداء فيما ترتب على الاضطهاد، ومن هناك بعث برسالة شيقة إلى شعبه – بقى الجزء الأكبر منها – وذلك قبيل استشهاده بوقت قصير. جاء فيها: [سلك الشهداء مسلك سيدهم الذي أطاع حتى الموت موت الصليب، ففضّلوا العذابات بنفس راضية عن أن ينكروا مسيحيتهم. كانوا ثابتين في إيمانهم، كاملين في محبتهم، فتلاشي بذلك كل خوف من قلوبهم.
وإني إن حاولت أن أصف لكم بطولتهم لظننتم أنها أشبه بالأساطير. ولكن حقيقة هذه البطولة أعجب بكثير من كل خيال حتى أن الذين شاهدوها من المؤمنين تشدّدوا وتعزّوا. أما غير المؤمنين فلم يؤمنوا فحسب، بل أعلنوا عن إيمانهم جهراً أيضاً فانضموا بدورهم إلي صفوف الشهداء…] وقد وصف فيها كيف كان صحبة من الشهداء يقوّون أنفسهم بالتأمل في الأمثلة والوعود الواردة في الإنجيل خاصة مثال الرب يسوع. ثم يقول: “فالشهداء إذ حملوا المسيح داخلهم اشتهوا بشغف أفضل العطايا واحتملوا كل الضيقات والإهانات، ليس مرة واحدة بل مراراً. وعلى الرغم من أن الحرّاس تباروا فيما بينهم لإرهابهم بالأفعال كما بالكلمات، فإنهم لم يتخلّوا عن معتقدهم، لأن محبتهم الكاملة طرحت عنهم الخوف”.
القبض عليه
ولما علم الرومان بالرسالة التي بعثها الأنبا فيلياس إلى شعبه ألقوا القبض عليه وطرحوه في السجن.
لما مثل فيلياس أمام كلسيانوس Calcianus استنكر أن يعامل الأسقف العالم معاملة المجرمين العاديين. وقد حاول الوالي معه بكل الطرق لكي يضحي للآلهة ففشل، ثم حاول أن يسترضيه أو يؤثر عليه بأن يثير فيه محبته لشعبه، فقال أنهم إن فقدوه فقدوا شجاعتهم وإيمانهم، لكنه مع كل ذلك ظل ثابتاً مؤكداً للوالي أن موته سيزيد الشعب شجاعة وتماسكاً.
وكان كلسيانوس في قرارة نفسه يريد أن ينقذ فيلياس، لذا أمر المحامين أن يساعدوا فيلياس ذا الشخصية العظيمة، أملاً في أن يجدوه في لحظة ضعف فيقرّب ذبيحة ويطلق سراحه، لكن إجابات فيلياس مع الوالي خيّبت أملهم. ورغبة في إنقاذه – وعلى الرغم منه – صاح المحامون: “أيها الوالي العظيم لقد قدم سابقاً ذبائح في قلب الملعب”، فقاطعهم فيلياس بصوت جهوري: “أبداً لم يحدث، ولكني قدمت إلى الإله الحقيقي”.
لكن المحامون في يأس قالوا: “إن موكّلنا الجزيل الاحترام يطلب فرصة للتفكير”، فأجاب الأسقف: “هل تعتقد إني سوف أتردّد لحظة؟ لن يكون ذلك. لقد فكرت منذ زمن بعيد ولا يحتاج اختياري إلى ما يثبته. إني أتألم وأموت لأجل المسيح”. محاولة إنقاذه هنا ترك أقاربه وأصدقاؤه القدامى وكبار موظفي مدينة الإسكندرية أماكنهم وأحاطوا بالمنصّة التي كان يقف عليها الأسقف، ورجوه وطلبوا إليه بدموع أن يتظاهر على الأقل بإطاعة الأوامر الإمبراطورية، وألقوا بأنفسهم عند قدميه، غير أنه رفض كلماتهم فكان كالصخر تلاطمه الأمواج دون أن تنال منه أو تزحزحه، إذ به يتجه بكل عقله إلى السماء ويوجّه بصره إلى الله ويقول: “إن واجبه أن يفكر في الشهداء الأبرار والرسل كأصدقائه وذوي قرباه”.
كان من بين الشخصيات الحاضرة شخص يدعى فيلورومس Philoromus، قيل أنه كان وزير الخزانة في مصر، وربما كان موفداً من قبل الإمبراطور ذاته إلى الإسكندرية بقصد تنظيم أمور هامة. هذا رأى فيلياس غير مكترث لدموع أحبائه وتوسلاتهم ولأسئلة الوالي، فنهض وصاح: “هذا المشهد القاسي قد امتد طويلاً. لماذا تريدون أن تختبروا صلابة الرجل أكثر من ذلك؟ لماذا ترغبون في تحويل إنسان مخلص عن الله بقصد إرضائكم؟ ألم تلحظوا أن عينيه لم تعد ترى دموعكم وآذانه لم تعد تسمع أنّاتكم؟ إن هذا يكفي، اتركوا هذا الرجل بسلام”.
إذ لم يستطع الوالي استرضاء الأسقف بجميع الوسائل أخيراً لجأ إلى محاولة إقناعه بحوار ديني، فقال له: “كيف تستسيغ صلب إلهكم؟” فأجابه الأنبا فيلياس: “إن محبة إلهنا التي لا تُحد هي التي دفعته إلى الصلب”. وإذ يئس الوالي قال له: “أتعرف إنني أود إكرامك ولا أريد أن ألحق بك الأذى من أجل كرامة عائلتك وما اتصفت به من جاه؟ فالأفضل لك أن تبخر للآلهة بدلاً من أن أحكم عليك بالموت الشنيع”. أجاب فيلياس: “إن أردت أن تكرمني فقل لجنودك أن يعذبوني قبل أن يميتوني”. إزاء ذلك امتلأ كلوسيان غضباً وحكم على الأسقف فيلياس وفيلورومس بقطع رأسيهما بحد السيف، كما حكم على كثير من الضحايا الآخرين بنفس الحكم. توجّه الموكب إلى مكان إعدام الشخصيات الهامة، وفي الطريق حاول شقيق الأسقف محاولة أخيرة، فصاح أثناء مرور الوالي: “يا سيدي الوالي إن أخي فيلياس ينادي”.
إذ كان يخشي ثورة الشعب أسرع كلوسيان نحو الشهيد قائلاً: “هل ناديت حقًا؟” أجاب فيلياس: “أبداً. لا تعرْ هذا الصوت التفاتاً. أما بالنسبة لي فإني لا أملك أن أقدم إليك وإلى الأباطرة أيها الحاكم إلا الشكر لأنكم ستجعلونني وارثاً لملكوت السماوات”. نودي على فيلياس ليقدم رأسه، لكنه توسّل أن يصلي أولاً. مع فرحه الشديد بالانطلاق نحو مسيحه السماوي كان قلبه متسعاً لكل شعبه مشتاقاً أن يتمتعوا معه بالمجد لذا بعد صلاته قدم وصية وداعية لشعبه قبيل استشهاده مباشرة.
وصيته الوداعية
مدّ ذراعيه على شكل الصليب وصاح بصوت عالٍ موجهاً الكلام لخاصته: “يا أولادي الأحباء واخوتي الأعزاء يا من تعبدون الإله الحقيقي، اسهروا جيداً على قلوبكم لأن الشيطان يحاول أن يستولي عليها.
افرحوا لأنه في هذه الساعة سنصبح جميعاً تلاميذ حقيقيين لسيدنا يسوع المسيح الذي له المجد الدائم إلى الأبد”. بانتهاء صلاته استسلم فيلياس للسياف وكذا فيلورومس، وقُطِعت رأساهما في لحظة واحدة، وكان ذلك في الرابع من فبراير سنة 306م.
موسوعة قنشرين للآباء والقديسين والأعلام ـ رصد انترنت