((9 ومن انكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله. لو 9:12))
عالم اليوم يمر في مرحلة الابتعاد عن الايمان المقرون بحب الخالق, عالم فقد فيه الانسان انسانيته و لوث عفته, انسان خلبي (فارغ) من كل شيء, عزته, كرامته, قيمه, انسان يعبد المال ويعشقه, و سخر كل حبه و عشقه لهذا الجماد الذي يفوق لديه قدسية الإله السماوي, فقدم له كل امكاناته و قدراته المشروعة و الغير مشروعة, من مهارة و شطارة, ذكاء و خبرة, و من مكر وخداع, نصب و احتيال, سرقة و استغلال, سلطة و صداقات و نتيجة هذه المحبة اللامتناهية لإله هذا الدهر بنى هذا المخلوق العاق علاقاته مع أقرانه الذي أصبح لهم بوقاً ينفخ بدلاً عنهم معلناً كم الأفواه و يقرع بدلاً عنهم الابواب ناشداً أصحاب القرار لتجميد العقول و شل الأطراف و اسكات أصوات الحق و كسر الأقلام و تجفيف حبرها لقتل كل صرخة رحمة تنادي بحفظ العالم من الشرور الزاحف كاعصار هائج و تنشد نشر محبة المسيح التي تنادي بحب الانسان للانسان في كل مكان, لان الله محبة, و من يعرف الله لا يعرف الكره و البغض و الضغينة و سوف يحترم عفوياً الآخر, و بهذه المحبة السامية سيعم السلام الدائم على الجميع ((.34 وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا.كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا)) يو 34:13
انسان اليوم, يرتعد خوفاً كلما هبت نسمة خريفية, تفزعه سقوط ورقة صفراء ترتطم في ارض باردة, انسان يرتعش عندما يسمع صدى صرخة ظالم قادمة من بعيد, انسان جمع عشقه لإله هذا الدهر مع خوفه و فزعه على فقدان هذا المعبود العزيز و نتيجة لهذه العلاقة المتكاملة بين الثلاثة : الانسان الصوري, المال و الخوف, تاهه هذا الادمي بين الحقيقة و الخيال, بين الايمان و الكفر, بين القيم السامية و المحرمات.
انسان اليوم, يحمل اسماً مسيحياً و يعلن مسيحيته في الخفاء و لكن ينكر مسيحه في العلن و يحارب تعاليم فاديه بكل ما أوتِ من قوة و عن سابق اصرار, ليرضي بفعلته تلك من يعتبرهم مصدر ثروته و مقدمي ذبائح إلهه الدهري الزائل, او من الذين يغنم منهم بسرايا, ناهيكم عن العطايا و الهدايا و التقدمات والله أعلم ما يُطبخ في الخفايا.
ايها الانسان الضال, الضعيف الذي يركع أمام اله هذا الدهر (المال) و تسّخر كل قدراتك الهائلة لتشبع فيك هذه الغريزة المادية و تلجأ الى انكار الرب الإله الذي تدعي تبعيتك له اسمياً لاشباع غرائزك الحيوانية.
ايها الانسان الجبان, تخلى عن جبنك و أقرع الابواب و اعتلي المنابر لنشر البشارة و الكلمة بدلاً من قرعها للمطالبة بقتل الكلمة و كتم انفاس مستغيث يصرخ لرفع الظلم عن شعبٍ بريء.
((27الذي اقوله لكم في الظلمة قولوه في النور.والذي تسمعونه في الاذن نادوا به على السطوح. 28 ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها.بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم)) مت 27:10-28
و للذين عشقوا المال و جعلوه الهاً و معبوداً لهم و اصبحوا له شهود, جماعات و فرق اسرد لهم هذه القصة عن (حب المال), لعلهم يأخذون منها دروساً و عبر و يخلعون من خلالها ثوب جبنهم و زيف صورتهم و مواقفهم المخجلة :
( ناسك مؤمن اختار العيش في البراري بعيدًا عن العالم. في احد الايام, قادته خُطاه إلى مغارة يستريح فيها قليلا، ويعكف فيها على الصلاة والتأمّل, وإذ به يرى فيها كنـزًا. فهرب خارج المغارة مهرولاً و هو يصيح: \”رأيت الموت.. نعم رأيت الموت …\”
و فيما هو في هذه الحالة التقى بلصوص ثلاثة، فاشفقوا عليه وعرضوا عليه المساعدة. ولما قال لهم أنه رأى الموت، هدّأوا من روعه وطلبوا منه أن يأخذهم إلى المكان الذي يمكث فيه هذا الموت, ليروه أيضًا . قادهم الناسك إلى المغارة، واقترب من الكنـز فأشار إليه مرتعبًا وقال: \”ها هو الموت\”. تقدّم اللصوص بحذر، وما إن رأوا الكنـز حتى انتابتهم بهجة عارمة و موجة من الفرح، فقالوا للناسك: \”لقد أصبت أيها الأب القديس، هذا هو الموت بعينه. فاهرب منه سريعا قبل فوات الأوان \”.
وبقي ثلاثتهم في المغارة يتبادلون الرأي في كيفية نقل الكنـز. طال بهم الأمر في التفكير، فشعروا بالجوع، فأرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم ما يأكلون، وبعد ذلك يقرّرون كيف يتقاسمون الكنز و ينقلونه.
ذهب اللص إلى المدينة ليحضر الطعام، لكنه فكّر في قرارة نفسه عن طريقة للتخلص من شريكيه: سوف اتناول طعامي في المدينة، وسأحضر الطعام لرفيقيّ. لكن لما لا أدس السم في أكلهما و أفوز بالكنز كله؟ وهكذا فعل. أما شريكيه في المغارة، فكّرا هما أيضا قائلين: \”لما لا نتقاسم الكنـز نحن الاثنين. فلنقتل رفيقنا حالما يعود ونتقاسم الغنيمة \”.
وما هي إلاّ لحظات، حتى وصل الرفيق الثالث من المدينة حاملاً الطعام القاتل. وما إن دخل حتى تناوله اللصان بضربة قاضية على رأسه، فمات على الفور. ثم جلسا يأكلان ويشربان. لكن سرعان ما أخذ السمّ مفعوله فقضا نحبهما… وبقي الكنـز في مكانه.)
فيا ايها الذين بعتم أنفسكم و اصبحتم كالآلة التي تدور فقط لصنع المال و جمعه بغض النظر عن الاسلوب و الوسائل, هذا الإله زمني زائل و لن ينفعكم عند الوقوف أمام عرش ملك الملوك و رب الأرباب! و ما دمتم تنكرون الرب سوف ينكركم هو ايضاً عند الدينونة!
بهذه المناسبة الرائعة روعة الخالق, و العالم يحتفل بعيد ميلاد الطفل يسوع فادي البشرية, أتقدم بتهانيّ القلبية لكل المسيحيين في العالم و لكل انسان على وجه المعمورة مهما كانت معتقداته راجياً الرب أن يلمس قلوب الجميع لتعم المحبة و السلام في العالم أجمع!
بقلم: المحامي نوري إيشوع