عندما خلق الله الانسان على صورته خلقه ((وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض.27 فخلق الله الانسان على صورته.على صورة الله خلقه.ذكرا وانثى خلقهم تك26:1)), اي اعطاه كل الصفات النبيلة و الخصال الحميدة كالصدق, التضحية, التسامح, البراءة, الوفاء, التواضع, الثقة, الأمانة, العفة و المحبة….’ و لكن هذا الانسان نكث بوعده مع الرب الإله عندما سمع لاغراءات ابليس و خالف أوامر خالقه, فتشوهت صورته و تحولت لديه الأمانة الى سرقة و غش, التسامح الى انتقام و حقد, البراءة الى إدانة و آثام, الوفاء الى غدر و خيانة, الثقة الى شك و ريبة, العفة الى دعارة و فحشاء, المحبة الى كره و ضغينة. فتحول العالم من خلال هذا الانسان الناكث و المشوه الصورة, الى غابة موحشة يأكل فيها القوي الضعيف, و أصبح قانونها السائد الغدر, الكره, القتل, الفحشاء, الأنتقام, الحقد, الأنانية و حب الذات, القلق و الخوف من الغد فانعدمت في هذا العالم, العلاقات الأنسانية الحقيقة, كالصداقة, السلام, الأخوة, و الأبوة, العائلة, حتى الرفيق قلما تجده فيها. لانها أصبحت عالم دماء و كره.
قبل أن نبحث عن الصديق و مدى علاقته بالإيمان في هذا العالم الدموي المظلم, لا بد لنا ان نتطرق الى معنى الصداقة : فالصداقة هي الثقة, الأمانة, التضحية و بذل النفس, الوفاء, المحبة اللامتناهية, ومقارنة بسيطة بين صفات الانسان المخلوق على صورة الله و الصداقة نرى للوهلة الأولى بانهما يشتركان في صفات عديدة و من الصعوبة فصلهما عن بعضهما البعض, فتصوروا, كم هو صعب لا بل شبه مستحيل أن تجد صديقاً حقيقياً في هذا العالم الغابة, والعثور عليه هو أصعب من العثور على ابرة في كومة من القش. و لكنك بسهولة و بدون بحث و مشقة تستطيع أن تجد هذا الصديق إذا انت قبلت صداقته و كيف لا و هو الوفي, المحب, الطاهر العفيف, الصادق الأمين, المتسامح, الذي بذل نفسه فداءً عني و عنك و عن العالم أجمع دون أن ينظر الى لوننا, أعمالنا, معتقداتنا, ايادينا الملطخة بالآثام و عقولنا التي تسيطر عليها الأوهام و الأفكار الشريرة, و دون أن يتوقف عند قلوبنا التي أثقلتها البغضاء, و الكره. ذلك الذي أثبت صداقته الكاملة و محبته اللامحدودة لنا من خلال تضحيته لي و لك على الصليب ليحمل عار خطايانا و أثامنا.
صداقته مجانية لا تحتاج الى تكلفة و لا الى بحث و مشقة, فقط أفتح له قلبك ليدخل فيه و يطهره من الأثام و الخطايا, فقط أقبله من كل قلبك فادياً و مخلصاً, و قدم له توبة حقيقية صادقة لتنال مغفرة الخطايا, فقط أفتح له بابك ليدخل و يتعشى معك لتنال غار النصر على أبليس من خلال قبوله و تطهيره لك,(( هانذا واقف على الباب واقرع.ان سمع احد صوتي وفتح الباب ادخل اليه واتعشى معه وهو معي)). إقبل صداقة المسيح المخلص و آمن به و كن أميناً و مخلصاً معه كما هو أمين و مخلص معك. حينها تكون قد و جدتَ صديقاً حقيقياً أبدياً لا ينفصل عنك و لا يبتعد مهما كانت الظروف و مهما تغيرت الأحوال و الأزمان, صديق لا يعرف الخيانة و لا الغدر, لا يعرف الأنانية و حب الذات, لا يعرف الحقد و الكره, صديق يسامحك اذا أخطأت, و يمد لك يد المساعدة عند العوز و الحاجة, يزورك عند المرض و يواسيك و يقدم لك العزاء عند الحزن, صديق تراه دائماً بجانبك يبادلك الحب عندما تكره, و المسامحة عندما تخطئ.
أعزائي, أحترزوا من الصداقات القائمة على الأنانية و المصالح الشخصية, الصداقات التي يتقرب بها أصحابها بثياب الحملان و يدعون العفة, الوداعة الطهارة و لكنهم من الداخل ذئاب تكشر عن أنيابها عندما تسنح لها الفرصة المناسبة, ومن ثمارهم سوف تعرفونهم الا و هي: الغدر, القتل, ا لكراهية و الأنانية و حب الذات و قد نبهنا منهم رب المجد في أنجيل البشير مت15:7
((15 احترزوا من الانبياء الكذبة الذين ياتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة.16 من ثمارهم تعرفونهم.هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا. 17 هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة.واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا ردية ولا شجرة ردية ان تصنع اثمارا جيدة. 19 كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. 20 فاذا من ثمارهم تعرفونهم.
كثيرون هم الذين قالوا في الصداقة
فالمتنبي يرى أن أسوأ البلاد تلك التي لا يستطيع فيها المرء ان يعثر على صديق
شر البلاد بلاد لاصديق بها
وشرما يكسب الانسان مايصم
«صديق كل امرئ عقله»!. أفلاطون
«مما يدل على عقل صديقك ونصيحته لك انه يدلك على عيوبك، وينفيها عنك ويعظك بالحسنى ويتعظ بها منك، ويزجرك عن السيئة، وينزجر عنها لك». سقراط
: «صديقي هو العقل.. وهو صديقكم ايضا. فأما الصديق الذي هو انسان مثلك فقلما تجده، فإن وجدته لم يف لك بما يفي به العقل، فاكبحوا عنتكم عن الصديق، الذي يكون من لحم ودم، فإنه يغضب فيفرط، ويرضى فيسرف، ويحسن فيعدد، ويسيء فيشجع، ويشكك فيضل» ديوجانس.
و لكن, أخوتي و أخواتي ثقوا تماماً, ان الصديق الأوحد هو ربنا يسوع المسيح. فلا تفكروا كثيراً ولا تدعوا هذه الفرصة تفوتكم بادروا منذ الآن الى قبول صداقة الرب الإله المجانية لتدخلوا الى حياة الطهارة و تنعموا بدفئ صداقته الأبدية التي لا تموت, اليس هو القائل في يو9:10 ((انا هو الباب.ان دخل بي احد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى))
بقلم: المحامي نوري إيشوع