سأل بلاطس: \”هل الرجل جليلي\” 7 وحين علم أنه من سلطنة هيرودس، أرسله إلى هيرودس، إذ كان هو أيضا تلك الأيام في أورشليم 8 وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدا، لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه، لسماعه عنه أشياء كثيرة، وترجى أن يري آية تصنع منه 9 وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء 10 ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد 11 فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به، وألبسه لباسا لامعا، ورده إلى بيلاطس 12 فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم، لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما.
لو 23 : 6-12
أدعوكم اليوم للتأمل في هذا المشهد: ( يسوع يمثل أمام هيرودس )
ماذا كان يتوقع هيرودس من يسوع؟؟ لماذا فرح لما رآه ؟؟؟
كثيرا ما نكون نحن في موقف يسوع نكون أمام أشخاص يفرحون بوجودنا بسبب إنتظاراتهم الشخصية منا أو فضولهم أو أقله من أجل تسليتهم.
هيرودس لم يهتم بيسوع كإنسان لم يهتم إلى حالته. لم يرى هيرودس حزن يسوع, ذاك الذي قال لتلاميذه من ساعات: \”نفسي حزينة حتى الموت\”. لم يهتم هيرودس إلا بتسليته, فرح لأنه أخيرا رأى ذلك الذي كان يسمع عنه, لم يرى هيرودس إلا ما أراد هو نفسه أن يراه, فهو يريد أن يرى معجزة, أوليس يسوع صانع المعجزات؟؟
كم نقف نحن في حياتنا أمام الناس الذين يتوقعون منا أن نريهم مهارتنا ونريهم مواهبنا, كم يحترق قلبنا عندما نجد أن الناس لا يهتمون لما نحن عليه, لا ينظرون الإنسان الذي فينا بل يجعلوننا سلعة للاستهلاك.
بالمقابل وفي مرات كثيرة نتبنى نحن أنفسنا دور هيرودس فلا يهمنا من الآخر إلا ما نتوقعه منه أو ما نحن متأكدون أنها موهبته. فهل الإنسان موهبة…. هل الإنسان سلعة… وإذا خاب أملنا بهذا الإنسان فنأخذ دور هيرودس الثاني فتحتقر الآخر ونهزأ به.
لا لست أنا إلا ما أنا عليه أنا لست للآخر متنفس حاجاته وتطلعاته وشغه بالاستهلاك.
موقف هيرودس هذا هو المعبر عن أغلب مواقفنا من الآخرين.
ألا نلبس الآخرين ألبسة لامعة ألا ننال من سمعتهم ألا ننال من مكانتهم ألا ننال منهم ونتشفى بالآخر بمجرد أن تخيلاتنا عنه ومتطلباتنا منه لم تتحقق.
لكننا نحن إذ لا نحتمل هذا الموقف نسعى جاهدين أن نجعل من أنفسنا ملبين لحاجات الآخر ولطلباته, ولا بأس من أن يستهلكنا الآخر مادمنا سنتقي استحقاره لنا وسخريته بنا.
لكن يسوع يصعقنا بتصرفه فهو قابل شغف هيرودس وفرحه بلقائه بالصمت وعدم الإجابة يسوع يرفض أن يستهلك أو أن يلعب دور الساحر أو المهرج أو حتى المعلم أو النبي, فإلى من يرمي درره إلى الخنزير كي يدوسها ثم يتحول إليه فيدوسه. يسوع يسجل موقفا صامتا أبلغ كل البلاغ عن التصرف.
هل لنا قوة الصمت هذه, هل لنا حكمة اختبار النفوس هذه, هل لنا استعداد أن يستحقرنا الآخرون ويستهزؤا بنا عن أن ندوس على إنسانيتنا في سبيل تسليتهم وتلبية حاجاتهم الاستهلاكية.
هيرودس هنا يمثل كلاً منا عندما نكون نحن مركز العالم, عندما لا نرى في الآخرين إلا ما يلبي حاجاتنا. أليس هذا ما تحدث يسوع عنه تماما في نص الدينونة كنت جائعا ..عطشاً .. مريضاً .. مسجوناً.
هذا النص دعوة متجددة لي أن أرى الآخر كما هو لا كما أنا أريد أن أراه…
هذا النص دعوة لي أن أكون أنا في عمق إنسانيتي كما أنا لا كما يتوقع الآخرون أن يروني..
هذا النص كله متناقضات إنه نص دائري بلاطس يرسل يسوع وهيرودس يرده له ..فرح هيرودس يقلب احتقارا واستهزاءً ومن ثم عداوةً هيرودس وبيلاطس تقلب صداقة. ومن يدفع الثمن إنه يسوع.
هل دفعت يوما ثمن مصالحة الناس مع بعضهم ..هل رأيت كم يكون الحساب قاسيا.
هل كنت يوما في موقف هيرودس وبلاطس وجلعت شخصا آخر يدفع ثمن مصالحتك.
اليوم في زمن التهيئة لانتصار ذاك الضعيف بمقاييسنا البشرية ذاك الذي وصفه الكتاب: \”بأنه القصبة المرضوضة لن يكسرها وفتيلا مدخنا لن يطفئه\”
صعب علينا أن نؤمن بالضعف ونؤمن بالضعيف لكن ثورة يسوع هذه\” أنه هكذا أحب الله العالم حتى أنه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية\” وأنه ليس حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه فداءً عن أحبائه\”
برأيكم لماذا حكم على يسوع بالموت. أليس لأنه لم يحقق طموح اليهود؟ أليس لأنه كان ضعيف؟ أليس أنه وقف بوجه السلطة الدينية المستغلة وقال أنه يجب أن يطاع الله أكثر من الناس.
لكن \”لا تخف أيها القطيع الصغير\”, ثقوا, فهو قال \” أنا قد غلبت العالم\”
المسيح قام ………. وهو بيننا ………………….حقا قام
بقلم: م.جورج برنوطي
فصح 2011