في هذا الزمن الأثيم، زمن خنق الأشواك للزروع، زمن صراخ الباطل في وجه الحقيقة ، زمن إدانة الجريمة و العنف و التشريد المنظم للعدالة، زمن إستهزاء الكراهية و الحقد من المحبة و التسامح، زمن إعتلاء دعاة الإيمان و الإستقامة منابر الكلمة ودعواتهم للهدم و القتل والتكفير دون خجل! زمن هتك الأعراض وتلويث الشرف واغتصاب العذارى!
ظهرتم يا قداسة سيدنا البابا كالجبل المقطم، الشامخ الذي لم يستطع أحداَ نقله و تحريكه إلا إيمان القديسين أمثالكم ، فكنتم منارته، وأرسلتم بحكمتكم المعهودة أنوار محبتكم وفرشتموها على مصر كلها دون تمييز أو تفرقة، خاطبتم المعمورة ودعوتموها الى معرفة حنان الرب والسير في طريق الحق والحياة، تقبلتم الإهانات بابتسامة الواثق، أستقبلتم الشتائم و التجريح بالتسامح والغفران، مقتدين بربكم و إلهكم السماوي الذي قال في كتاب الحياة : \”واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. مت 5-44\”. أثبتم يا قداسة سيدنا البابا لمصر و المصريين و للعالم أجمع، بانكم الراعي الصالح الذي لم يبخل على خرافه بالعطف و الرعاية و التنشئة الروحية و ذلك من خلال عملكم الدؤوب، و أرشاداتكم الأبوية و من خلال تمهيدكم الطريق الضيق لبناتكم و أولادكم ليفوزوا بالحياة الأبدية، لمستم بكلماتكم الروحانية أقسى القلوب التي فقدت الرحمة و فتحت الطريق لإله الشر(إله هذا الدهر)، أن يقودها ويقرر مصيرها! لمست برقتكم أصلب العقول التي أعتلاها الغبار و تراكمت عليها طبقات التفرقة و العنصرية و كره الآخر، فتحتم بمحبتكم اللامتناهية بصائر الآلاف الذين أعمتهم ظلمات قرون من دعوات عدم تقّبل الآخر و رفضه.
كنتم يا قداسة البابا، الصخرة التي عليها بنيت كنيسة المسيح، بمواقفكم الشجاعة وباعتكافاتكم في صوامع الصلاة والتلاقي مع الرب الإله ليزيدكم صبراً وحكمة وانت ترون دور الإيمان تُسلب والكنائس تفّجر و تحرق وبناتكم تُخطف ويجبرن على تغير إيمانهن!
كنتم يا قداسة البابا، الجندي المجهول الذي أحبّ أرض الكنانة حتى العظم، كنتم السد المنيع الذي تكسرت أمام تضحياتكم كل مؤمرات الغدر والخيانة وبائعي الأوطان، هؤلاء الذين أرادوا شل سلطاتكم الكهنوتية و الإدارية ولكنهم فشلوا في قطع صلاتكم الروحية لانكم كنتم في حضرة الآب السماوي الذي لم يترككم يوماً واحداً!
من خلال إيمانكم وإرادتكم الإيمانية الصلبة، تحملتم المتاعب و تجاوزتم المصاعب, و قاومتم المرض لتبقوا الربان الحكيم, و القائد المستقيم فنلتم بإستحقاق وسام الراعي الأمين وأرسيتم سفينة المؤمنين في شواطئ النور، فتلاشت من بهائكم الظلمة، وركعت للمحبة النقمة!
رحلتم عنا يا قداسة البابا بعد ان فتحتم أمامنا أبواب النعمة، و ربطتم كل الأخوة و الأخوات بروابط اللُحمة!
بتصميمكم يا قديس العصر، ورائد الفكر, وحامي الأوطان كالنسر, و رافع الصلاة و الشكر بالرغم من قسوة المرض، و هول مصيبة الدعاة و تجار الحرب والجنس وجنود إله الخديعة والمكر، وقفتم شامخين وقفة عزةِ و شهامة، حافظتم بوداعتكم المعهودة على الأمانة، وفتحتم أبواب الحظيرة الى خرافِ لم تكن تعرف الرب وعاشت بنعمتهِ مع الرعية دون ندامة.
خسرناكم يا قديس العصر، و رافع رايات النصر لا بالسلاح لا بالعصا بل بنشر عطفكم ومحبتكم عى كل مصر ولكن عزائنا بانكم تنعمون الآن في حضرة الآب الإله مع القديسين والأبرار الصادقين وبصلواتكم سوف تبعدون عنا الخطر.
اذكرونا بصلواتكم يا سيدنا المبجل، كلما صرخ طفل حرمته يد الغدر من عطف الوالدين، أذكرونا كلما صرخت أم ثكلى فقدت وحيدها، أذكرونا بصلواتكم كلما أستغاثت عذراء و طلبت النجدة للخلاص من عساكر إبليس، أذكرونا كلما أشرقت الشمس على المضطهدين، أذكرونا كلما غطت ليال رعيتكم عتمة القهر والسلب والتشريد المنظم!
أذكروا بصلواتكم يا قديس العصر وملاك مصر، هؤلاء الذين شتموكم وأهانوكم من فوق منابر الكلمة الزائفة، أذكروا هؤلاء الذين ضلوا في طرق الشرير وتاهوا في دروب الظلم والخديعة لينير الرب عقولهم و يفتح بصرهم وبصائرهم ليعرفوا الرب الحقيقي الذي ليس إله إنتقاماً ومكراً، ليس جباراً كما تعلموا بل هو محباً ورؤوفاً، متسامحاُ وغفوراً وكيف لا وهو الذي فدانا وفداهم وفدى البشرية جمعاء لينالوا خلاصاً أبدياً!
الى روحكم الطاهرة نتوق يا سيدنا، والى وجهكم النوراني تتوجه انظارنا ومن خلاكم سوف تنبلج شمس السلام على مصر والعالم وتشع نور المحبة وتشرق شمس الشرق وعندها تُعزف أناشيد الفرح الروحي و ترتل الترانيم والتسابيح لرب الأعالي عند الشروق.
فهنيئاً لكم مقامكم الروحاني الرفيع في حضرة إله المحبة وملك الملوك ورب الأرباب مع الأبرار والصالحين!
هنيئاً لكم مناداة الرب لقداستكم قائلاً في مت 25-21 :
\”فقال لكم، نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير.ادخل الى فرح سيدك\”.
بقلم: المحامي نوري إيشوع