ألقى جلالة الملك خطاباً مهما يوم الثلاثاء الموافق الثالث من أيلول (سبتمبر) في لقاء الاقطاب من مسيحيي العالم العربي، لبحث تعزيز دور المسيحيين وتثبيت وجودهم في الوطن العربي، للدور الإيجابي الكبير الذي يضطلعون به.
عند الفتوحات الإسلامية، كانت العراق وسورية ومصر والأردن وفلسطين دولاً مسيحية. ولما احتلها المسلمون، وأرسلوا ولاةً إليها، كانت الغالبية الساحقة من المواطنين مسيحية. وحتى القرن الرابع عشر، كان غالبية السكان في العراق مسيحيين، ولكن غزو تيمورلنك غيًر الصورة، ودفع بالآلاف إلى الهجرة.
وفي عام (1900)، يقدر المؤرخون أن (25 %) من السكان في الوطن العربي كانوا تابعين لكنيسة أو أخرى. أما في مطلع القرن الحادي والعشرين فقد تراجعت هذه النسبة إلى (5 %) فقط. ومنذ ذلك الوقت، وأعداد كبيرة تهاجر وتغادر الوطن العربي. وحتى الربيع العربي، الذي كان من المفروض أن يفرز أفضل ما فينا من خصال، تحول إلى إبراز للسلبيات التي فاقمت مخاوف المواطنين المسيحيين، ودفعت كثيرين منهم للهجرة أو التفكير الجاد فيها.
ولو نظرنا الى سكان العالم، فإن عددهم قد وصل إلى (7.2) مليار نسمة. ونستطيع أن ننظر إلى أعداد الصينيين والهنود ليصل إلى (2.6) مليار نسمة، أو ما يساوي حوالي (36 %) من سكان العالم.
ولكن، لو نظرنا إلى المسلمين والمسيحيين في العالم، فسنرى أن أعدادهم هي (2) و(2.3) مليار على التوالي، أو ما مجموعه (4.3) مليار نسمة (حوالي 60 %) من سكان العالم. أليس من الأجدى أن يجد الطرفان وسيلة للتعايش والتفاهم حتى يستطيع العالم كله أن يعيش بأمن ورخاء؟!
لو حسبنا نسبة المتعلمين والمثقفين والرواد ورجال الأعمال والماليين والمحاسبين والعلماء والأدباء من بين المسيحيين لرأينا كم كان إسهامهم الكبير في بناء الوطن العربي. انظر إلى الصناعات، والوكالات التجارية، والمصارف، والصحافة والإعلام ومحطات التلفزة والإذاعة، وإلى المبادرات في مجالات السياسة والاقتصاد والفلسفة والتاريخ والأدب.
لقد كان المسيحيون في الوطن العربي ملح الأرض، والمبادرين للإصلاح، ومن المساهمين الكبار في النهضة، وفي تطوير الفكر القومي، وفي الدفاع عن الوطن العربي في أقطار الهجرة مثل الولايات المتحدة وإفريقيا وكندا وأميركا اللاتينية.
سيفقد المسلمون العرب كثيراً إذا لم يحافظوا على المسيحيين الباقين. فهم أصلاً أهل هذه الديار، وهم منا وفينا. ماذا سنقول لباقي العالم إذا لم نراع الله في إخوتنا المسيحيين؟! كيف سندافع عن المسلمين في أوطان الاغتراب؟! ودورهم الاقتصادي الطليعي لا يمكن إنكاره. وإذا استمرت الهجرة فإن فرصتنا في اقتناص التكنولوجيا، وتطوير قدراتنا وتعويضنا أمنياً وثقافياً سوف تزداد حدة.
مبادرة الملك عبدالله الثاني لتعزيز دور المسيحيين في هذه الظروف الحالكة والطاردة لهم تأتي في وقتها، وتستحق منا أن نستذكر الرسول وعمر بن الخطاب في مواقفهما من المسيحيين عبر التاريخ. ونحن يجب ألا ننسى موقف النجاشي وهرقل وغيرهما من الإسلام في بداياته. المسيحيون جزء متمم وأصيل من هويتنا الحضارية والثقافية والاقتصادية.
بقلم: جواد العناني