عند ولادة يسوع وهو ما زال طفلا، وعند تقديم الطفل للرب في الهيكل، اتى رجل اسمه سمعان الى الهيكل، وهو رجل بار وتقي ومتقدم في السن، وأخذ سمعان الطفل يسوع على ذراعيه، وبارك الله وقال لله “الان تطلق عبدك يا سيد”، ونطق سمعان الشيخ كلاماً بالروح، كان عبارة عن نبوة بخصوص يسوع الطفل. والنبوة يمكن تقسيمها الى سبعة نبوات تتعلق فقط بيسوع…. وكل ما نطق به سمعان كان بالروح، اي أنّ الله وضع هذه الكلمات في فمه، لينطق بها شهادة للجميع.
والاعلان الأول الذي اعلنه سمعان عن الطفل، ان يسوع خلاص الرب للشعوب.. “خلاصك الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب”.. ويسوع اسمه يعني خلاص اي نجاة او انقاذ.. ويسوع هو الشخص الوحيد في التاريخ الذي اسمه يعني خلاص، وهو الوحيد الباب والطريق للخلاص، و”ليس اسم اخر أُعطي تحت السماء به ينبغي ان نخلص”… والعجيب ان سمعان اعلن ان يسوع مخلّص، وهو ما زال طفلاً مجهولاً من عائلة فقيرة جداً، وأمه لم تتزوج بعد، اي أنّ المجتمع قد أجمع على التشكيك بالفتاة مريم، عن كيفية حملها بالطفل يسوع.. في هذه الاجواء بالذات، صرّح سمعان علناً في الهيكل، وبكل جرأة ان هذه الطفل الفقير والمرفوض، مع انه لو يولد في اورشليم المدينة العظيمة، لكنه مسيح الرب وخلاص الرب للبشر… واليوم بعد آلاف السنين، ما زال يسوع بارزاً ومتميزاً ومجيداً وعنواناً للخلاص والحياة الابدية .. فاسمه ملجأ وبرج حصين… وهو الوحيد الذي قال “انا هو الطريق والحق والحياة”.. فيسوع هو الخلاص من الخطية ومن العالم ومن الشهوات ومن الضلال ومن الجحيم ومن الهلاك، وباسمه يتم الشفاء والنجاة والانتصار وإخراج الشياطين.. ويسوع هو ليس فقط مخلص لشعب ما، لليهود او للمسيحيين فقط، بل هو مخلّص العالم لكل البشر من كل الشعوب وفي كل الاجيال والعصور، والسبب انه هو الوحيد الذي بلا خطية وهو الوحيد الذي ضحّى بحياته لفداء البشر…
والاعلان الثاني هو ان الطفل يسوع “نور اعلان للامم”، فيسوع، بواسطة كلامه وانجيله وحياته كشف عن الحقيقة، حقيقة الحياة وحقيقة الخلود اي ما بعد الوفاة.. فهو نور اعلان للامم اي انه ليس الخلاص فقط بل هو الهداية والارشاد والتوجية والاعلان، ومن دونه، البشر عميان لا يرون الطريق الى الله، وهو أنار الحياة والخلود وكشف عن كل الحقيقة التي يحتاجها البشر، فهو كالمنارة امام التائهين والضالين يرشد الجميع الى الحق. وهو يكشف لنا ايضا عن حقيقة الله وعن طبيعته وماهيته وصفاته من محبة ورحمة وتضحية .
والنبوة الثالثة هي ان يسوع “مجد لشعبك”… ان يسوع قدّم اسمى تعاليم عرفها البشر، ومَن يهتدي بيسوع، يرتفع شأنه، ويختبر مجد الله ويتمتع بالكرامة. فيسوع هو الطريق الى المجد والكرامة، واتّباعه يجعلنا نعيش المجد ونكتسب كرامة وقيمة ومعنى للحياة… ويسوع هو الطريق لاسترجاع الصورة الصحيحة للانسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله، اي به مسحة من الجمال الالهي.. فبيسوع نستعيد هذه الصورة، اي نسترجع الخصال الإلهية والشيَم السماوية والميزات الأبدية، لانّ الله لم يخلقنا للهوان والتراب بل للمجد والكرامة والخلود معه الى ابد الآبدين…وولادة يسوع تكشف عن قصد الله العجيب للانسان خليقة يديه، وقصده المجد الابدي للانسان مع الله..
“والتصريح الرابع هو ان يسوع “وُضع لقيام وسقوط كثيرين”، فولادة يسوع مقررة للجميع، لا يقدر احد ان يبقى حيادياً من يسوع، اما ان يقبله او يقاومه. وان قبِله يقوم وينهض ويسمو حتى ولو كان فقيراً مهاناً ومرفوضاً او ضعيفاً او مظلوماً او محتقراً، واما مَن يرفض او يحتقر يسوع فسيهوي ويضعف ويتساقط ويتناثر حتى ولو كان رئيساً ومعتبراً وصاحب منصب وثرياً ومكرّماً… فيسوع هو الخط الفاصل وهو الميزان لكل البشر، ووضعه الله بالولادة امتحاناً للبشر ليحدد كل واحد مصيره، بناءاً على موقفه من يسوع… وولادة يسوع كانت سبباً لتغيير التاريخ، اذ بولادته سقطت امبراطوريات واندثرت فلسفات واضمحلت اسس اجتماعية دينية.. البعض ما زال يحتقر يسوع، اذ يعتبره هامشياً في المجتمع والمدارس والعائلة، لكن شئنا ام ابينا، يسوع وُضع لقيام وسقوط كثيرين…
والاعلان الخامس هو ان يسوع “علامة تقاوَم”، اي ان البشر الخطاة البعيدين عن الله الذين التجأوا الى التمثيل والتزييف والرياء والنفاق، وذلك تغطية لضعفهم وعجزهم وفشلهم وضياعهم.. لكن يسوع اتى بطريقة حكيمة تكشف البشر على حقيقتهم وتُظهِر حجمهم الطبيعي، لكي يتوبوا ويعرفوا انفسهم وحاجتهم الى الرب المخلّص… ولكي يحصل الانسان على الحياة والخلاص، يحتاج الى التوبة والتواضع والاعتراف، لكن كبرياءه تمنعه من ذلك، فيلجأ الكثيرون الى مقاومة يسوع واحتقاره والازدراء به واعطاء البدائل والمحاولة لاثبات اننا نقدر بدون يسوع… ان ولادة يسوع كطفل في المذود في بيت لحم، وفي نفس الوقت، الاعلان ان الخلاص والحياة الابدية هما فقط عن طريقه، يثيران الرفض والغضب والمقاومة.. اي ان ولادة المخلّص في ابسط الصور تضرب عرض الحائط كل الاسس الاجتماعية المبنية على التباهي والافتخار والمجاملة والمداهنة والرياء.. فولادته علامة يقاومها الجميع، لكن الله مصرّ على ان الخلاص فقط بهذه الطريقة..
والتصريح السادس هو القول “يجوز في نفسك سيف”، والمقصود الصليب اي ان صلب يسوع البار والقدوس والكامل والمخلّص يجتاز في قلب وفكر واحشاء كل عاقل، كاختراق السيف في النفس. ولا شك ان خبر صلب يسوع وهو في ريعان شبابه، اجتاز كسيف في قلب امه مريم، لكن الأقسى هو ان صلب البار اجتاز كسيف أليم في قلب الله العظيم والرحوم.. لكن الله يعلن انه لا خلاص الا بالصليب، ولا حياة الا بالموت، ولا رحمة الا على اساس العدالة الالهية، ولا قيامة من دون وفاة وقبر..
والاعلان السابع والاخير هو ان ولادة يسوع “تعلن افكار من قلوب كثيرة”… فيسوع، ولادته وظهوره وتعاليمه واعماله وموته وصلبه وقيامته، كل هذا، يعلن افكار القلوب ويكشف كل النوايا وكل ما يدور في عقول البشر.. اي ان الله بالطريقة التي اتى بها يسوع، اراد اعلان وكشف قلب الانسان للانسان المخدوع.. ففي الصليب كشف الله عن قلبه الملآن بالمحبة، وكشف ايضاً قلب البشر الملآن شر وحقد وغضب وغباء وعداء، وذلك ليقنع البشر بحاجتهم الماسة الى يسوع المخلّص الوحيد للبشر..
لم تكن ولادة يسوع كولادة اي انسان اخر بين البشر، فولادة يسوع فريدة وعجيبة، ويسوع هو مركز التاريخ، يقسم البشر الى اولاد الله والى الذين لا يعرفون الله، فموقفك من يسوع يحدد مصيرك، ويحدّد تعامل الله معك.. كل مَن يقرأ عن حياة يسوع، ويكون صادقا ومخْلصاً ومستقيماً، لا بد ان يرى ان يسوع هو المخلّص الوحيد، وان قبوله يمنح حياة ابدية، ورفضه يحدد هلاكنا….
هذه النبوة السباعية تمّت بشكل كامل في ولادة يسوع، فولادته اتت بالخلاص والنور والمجد ومجيئه هو علامة تقاوم وتعلن افكار البشر وهو لقيام وسقوط كثيرين. والاساس لكل هذا، هو سيف الالم الذي اجتاز في الصليب.. لكن هذا ذاته ما يحدث دائما مع كل امر إلهي .. فكل ما يصنعه الله يكون على هذا المنوال، اي مفاجئاً وغريباً للبشر، وكل عمل او تدخل إلهي، يكون سبب خلاص ومجد ونور روحي جديد، لكنه يكون ايضا علامة تقاوَم من الجميع، وامر يكشف افكار ونوايا البشر، وبذلك يكون سبب لقيام وسقوط كثيرين.. لكن في كل خطوة إلهية، يجتاز سيف من الالم والضيق والمعاناة التي تأتي بالحياة للآخرين….فكل مَن يريد ان يتجاوب مع الدعوة الإلهية ليكون سبب خلاص ومجد وهداية لكثيرين، عليه ان يولد في المذود الحقير، ويقبل طريق الصليب ودرب الآلام والرفض والمقاومة والاحتقار..
بقلم: القس ميلاد ديب يعقوب