أعلن الفنان ريكي مارتن خطوبته من الرسام السويدي (السوري الاصل) جوان يوسف وذلك خلال مقابلة صمن برنامج Ellen DeGeneres.
وكان الثنائيّ مارتن ويوسف قد التقيا منذ عام تقريباً وأشار ريكي إلى أنّه أُعجب كثيراً بلوحات جوان فقرر التواصل معه فالتقيا.ولفت مارتن إلى أنّه هو من طلب يدّ جوان بالقول “لدي شيء لك” بدلاً من الجملة التقليديّة “هل تتزوّجني؟”، وعندما وافق هذا الأخير أعلن المغنيّ الشهير أنّه يريد قضاء بقية حياته برفقة حبيبه السوري.هذا الخبر انتشر بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي، ويذكر أنّ DeGeneres هي من أكثر مناصري المثلية الجنسية في العالم.
ما يُسَمَّى بالزواج…إِرتباط المثليين ورأي الكنيسة (الخوري طوني الخوري)
ليس بمقدورنا التطرّق إلى تشريع ما يُسَمّى بالزواج المثليّ ومعالجته، من دون الأَخذ بعين الإعتبار السياق التاريخي للتطور السَّلبي الحاصل في النظرة إلى الله.
فالموضوع أكبر من أن يُحصَرَ في رغبةٍ محض جنسيّة أو في انحراف أو خلل بيولوجيّ مُعَيّن، بل هو مرتبطٌ إلى حَدٍّ كبير بمسألة “موت الله” في الحضارة الحديثة وما بعد الحديثة، وإعلان مجيء ملكوت الإنسان الذي رَمَى هذا الأخير في المنفى حارِمَاً إيّاه من ذكرياته لوطنٍ مفقود ومن الرّجاء لأرضِ ميعاد[1]، فتصرّف على قاعدة غياب الله، فسنَّ شرائع لا تُلزِم، لأنَّ الضمير نفسه الذي أبتدعها يستطيع أن يُبدّلها أو يُدَمِّرها. ومن ضمن هذه الشرائع مسألة الزواج المثلي.
ولكن هل مِن الجائز أخلاقيّاً القبول بصيغة زواجٍ تُخالِف الشريعة الطبيعيّة والوجود الأنطولوجي للإنسان؟ هل بإمكان الشريعة الوضعيّة أن تُغيّر ملامِح الشريعة الطبيعيَة؟ هل بإمكان المشرّعين أن ينصّوا قوانين لا تأخُذ بعين الإعتبار طبيعة الإنسان الأنطولوجيّة ولا تستوحي الشريعة الإلهية؟. هل بإمكان المسؤولين السياسيين أن يسيروا وراء ضغط حركة أقليّة وغير واقعيّة، ويتسرّعون باتخاذ تدابير متهوّرة ينتج عنها نتائج مُسيئة بحق الأجيال القادمة والزواج والعائلة؟.
يبدو أنّه بإمكان إنسان ما بعد الحداثة جعل كلّ شيء مباحاً له، والسبب يعود إلى الحاجز الذي رفعه بينه وبين الله، ويتجلّى في اللامرجعيّة، أي في عدم قبول القوانين الطبيعيّة المكتوبة في طبيعة الأشياء وفي كيان الإنسان. وتتجذّر هذه النظرية في كون الإنسان حُراً، وبإمكانه أن يهدم كلّ القيود التي لَم يكن لَه رأيٌ فيها وفي مناقشتها أو تعديلها أو رفضها. لِذا فإنّ بإمكان هذا الكائن الحُرّ أن يضع القواعد الأخلاقيّة ويُعدّلها بكلّ استقلالية.
خربطة في المعنى
بدأت المُطالبة بتشريع المثليّة أو اللواط، تتّسع شيئًا فشيئًا منذ الستينيّات، وقد استطاعت أن تَجِدَ لها آذاناً صاغية لدى الحكومات، بمسعى من الجمعيّات الضّاغطة[2] في هذا الإتّجاه، والتي جهدت إلى محاولة امتهان هذا التوجُّه وإعطائه تشريفاً اجتماعيّاً. وبالفعل فقد استطاعت هذه الجهات الضّاغطة، أن تُخضِع قوانين بعض الدول لِصالِح إعادة التفكير بالزَّواج والزَّوجَين والبُنوَّة والقرابة، إنطلاقاً من اللواطة. وعِوَض أن تكون القاعِدة الصحيحة أساساً للتفكير والتشريع، أصبِحُ الشواذ قاعِدة التفكير والقَوننة. وهو ما أدّى ويؤدّي تدريجيّاً، إلى اتساع بُعقة ما يُسَمّى بالزواج المثلي، وغيره من الإنحرافات، في هذه البلدان، فتُجيزَ هذا النوع من الزواج وتجعلُه في مكانة الزواج الطبيعي، مُساويةً إيّاه في الحقوق والواجبات.
ورافقت هذه التشريعات الحديثة الميّالة إلى “الزواج المثلي”، تغييراتٍ جذريَة في المعنى الذي تُعطيه الشريعة الطبيعيّة والوضعيّة للزواج والعائلة. فبدأ العالَم يشهَدُ ولادةَ نصوصٍ تخصّ الزواج والعائلة، آخذةً بالتبدُّل والتغيير، بفعل تأثير أقليّة ناشطة، قد تُضحي الكلِمة الأخيرة لها، دون أن تكون أكثريّة. والصورةُ الأَكثرُ وضوحاً لهذا التغيير الذي أصاب المعنى، وما رافقه من اختلال، نجدها في القواميس الغربيّة التي راحت منذ سنة 2009، تُجري تعديلات جذرية في تعريف الزواج، إيجابيّةً لناحية العلاقات المثليّة، وسلبيّةً لِناحية الزواج الطبيعي والعائلة.
فقبل سنة 2009، عُرِّف الزواج في القواميس الفرنسيَة بالتالي:”هو الفعل الرَّسمي الذي، من خلالِه، يتّحد رَجُل وامرأة، اتّحاداً يخضع في شروطه ونتائجه وانحلالِه للأحكام القانونيَة الساريَة في بلدانهم”[3].
ابتداءاً من سنة 2009 أُضيف إلى التعريف عبارة “وفي بعض الدوَل بين شخصين من الجنس عَينه”، ليُصبِح كالتالي:” هو الفعل الرَّسمي الذي بواسطته، يتّحد رَجُل وامرأة ( وفي بعض الدول بين شخصين من الجنس عَينه…)”.
ومع صدور النسخة الأخيرة لقاموس لو بيتي لاروس الفرنسي le petit Larousse، بتاريخ 13 حزيران 2013، تغيَّر مفهوم الزواج جذرياً، فسُحِبَت عبارَتي “رَجل وامرأة” نهائيّاً، واستُبدِلَتا بعبارة “شخصان”، ليُصبِح تعريف الزواج كالتالي: “هو الفعل الرسمي الذي يتّحد بواسطته شخصان من جنس مُختلف، أو من الجنس عَينه، يؤَسّسان فيما بينهما اتّحاداً…”.
قاموس لو بيتي روبير Le petit Robert الفرنسي ، ذهبَ بدوره في الإتجاه نفسه، فأسقط منذ أَكثر من عشر سنوات، عبارتي “رَجُل وامرأة” من تعريف الزواج، واكتفى بالقول:” الزواج هو اتّحاد شرعي بين شخصين ضمن الشروط التي يُقرّها القانون”. ما هي طبيعة هذين الشخصين؟ قد يكونا ذكوراً أو إناثاً، ما هَمّ، المهمّ أنّ “للمرء حريّة أن يُضاجِعَ مَن يشاء”، على حَدِّ ما صرّح بِه وزير الدفاع الإسباني خوسيه بونو، وصولاً إلى عالَمٍ لا حدود فيه للتسامح يُشبِهُ إلى حدٍّ بعيد، “المنطقة السوتادية[4]”، وهي ﻤﻨﻁﻘﺔ ﺠﻐﺭﺍﻓﻴﺔ ﺘﻨﺘﺸﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﺜﻠﻴﺔ ﻭﺘﺤﻅﻰ ﺒﺎﻟﺘﺴﺎﻤﺢ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ، على ما افترضه ريتشارد فرنسيس بيرتون، ورُبّما قد استوحى هذا المكان من سدوم وعمورة، المدينة الآثمة التي يتحدّثُ عنها الكتاب المقدس، ولنا عودةٌ إليها فيما بعد. ويتهيأ المسؤولون حالياً عن هذا القاموس إلى إدراج الزواج المثلي في خانة الصيغة الجديدة للزواج، كاتّحادٍ بين شخصين من جنسٍ مُختلف أو من الجنس عينه، صيغَةٌ ستقف في مواجهة مع الصيغة الكلاسيكيّة القديمة التي عرفها الشرّع الطبيعي والشعوب كافَةًّ على مدى تاريخها.
المثليّة الجنسيّة: تعريف
تُعرَّف المثليّة الجنسيّة بأنّها تَوَجُّه جنسي يَتَّسم بالإِنجذاب الجِنسي أو الشعوري الذي يحمله الشخص تجاه أشخاص من نفس جِنسه، وإلى مُمارسة علاقات حميمة معه، عاطفيّاً وجنسيّاً، من دون أي ميلٍ نحو الجنس المختلف[5]. النَزعة الجنسية المثلية بين الرّجال تُعرَف باللواطية الذكوريَة، أمّا عند النساء فتُعرف باللواطية الأنثوية أو السُحاق.
أ- اللواطيّة الذكوريّة: اللواطة تُمثّل مجموعة من التصرّفات التي تُعبّر لا شعوريّاً عن أنثويَة الأب. من سِماتِ هذه اللواطة العداوةً الظاهرة تجاه الأب، فالشخص يَلوم أباه، بأسلوبٍ خياليّ نسبيّاً، على غيابه وضعفه، ومن هذا الواقع يُحاول إيجاد حُجج نفسيّة، لتقييم ذاتِه، لمعرفة حدوده، وقبول هويّته الجنسيّة وإدراك الحقائق والوقائع. وقد يكون أكثر تقديراً للأم، بقدر ما لا تعترف أو تقيّم مكانة الأب[6].
ب- اللواطيّة الأُنثويّة: تتميّز عن اللواطة الذكوريّة حتى ولو وُجِدَ بينهما قواسِم مُشتركة. يُلاحظ عند السُّحاقيات إجمالاً، تماثُلاً مثكثَّفاً لصورة الأب، مصحوباً، باشمئزاز من المظهر الذكوري، المُسَبِّب للحذر ولِرَفض الجنس الرجولي[7].
للِّواط أشكال متتنوعّة جدّاً على مدى العصور والثقافات، إلاَّ أنّ نسبَته لَم تتعدّ 3 أو 4 بالمئة من مجموع الناس الذين يُقرّون بأنّهم خاضوا هذه التجربة لمرّة أو لمرَّتين في حياتِهم.
أسباب المثليّة[8]
لا يزال السبب الكامن وراء المثليّة الجنسيّة غير واضِح حتّى الآن. ولكن المُتّفق عليه أنَّه نادِراً ما يعود إلى خلل بيولوجيّ، بل في أغلب الأَحيان إلى خللٍ سيكولوجي. وليس هناك ما يؤَكّد حالياً، على أن المثليّة الجنسيّة تعود إلى خلل هرموني، جيني، أو بيولوجي، لا بل إنَّ عدداً كبيراً من المُختصّين يَرون فيها حالة مُكتسبَة وليست بالفطرة.
أسطورة الجنس الثالث[9]
يتحدّث أفلاطون في “المأدُبَة” عن الجنس الثالث. يتميّز هذا الجنس بقدرته على الجمع بين الجنسين (Androgyne)، حيث يجري الحديث عن بُنيَة عاطفية مُزدوجة الأصل، ذكرية وأُنثوية في آنٍ معاً. وبحسب الأسطورة، يتميّز الجنس الثالث بقوّة وعجرفة بالغتين، لدرجة أنّه يُهدِّد الآلهة، ما دفع زَفس، إله الآلِهة، إلى قطع كلِّ كائنٍ بشري إلى نِصفين حتى تَقُلَّ قوَته؛ وعليه، يُصبِح هاجس كلِّ نصفٍ أن يبحثَ عن نِصفه الثاني الذي يُكمّله: الرّجال المُزدوجون أصلاً ينجذبون إلى النساء؛ والنساء المزدوجات أصلاً ينجذبنَ إلى الرجال؛ وأمّا الرّجال أصلاً فينجذبون إلى الرّجال أو الأطفال الذكور انجذاباً جنسيّاً مثليّاً؛ وكذلِك النِّساء أصلاً ينجذبنَ إلى النّساء انجذاباً جنسياً مثليّاً.
إنطلاقاً ممّا سبَق نستطيع إبداء بعض الملاحظات:
أ- لا تعترف أسطورة الجنس الثالث”بالنقص الأنطولوجي”، والحاجة إلى الآخر المُختلِف. فالإنسان مُكتَفٍ بِذاتِه، ولا حاجة له بالتالي إلى آخر يسُدُّ هذا النقص.
ب- بالنسبة للأسطورة الإختلاف المَجَنَّس غير أصيل، ذلِك أنَّ البُنية العاطفية مُزدوجة الأصل، ذكرية وأُنثويّة معاً في كلِّ كائنٍ بشري، لا ذكرية أو أُنثوية.
ت- تُشير الأسطورة إلى أنَّ لِكُلِّ واحدٍ نصفَه المفقود في العالَم ويجب أن يبحث عنه لكي يجده، وفي حال تزوّج بغيره فإنّه لن يهنأ، وسيفشل زواجه إلى حين إيجاده نصفه المفقود. وهذا ما يُفسّر الإرتباطات الجنسيّة المُتعدّدة والطلاقات الكثيرة في العالم المعاصر.
ظاهرة الزواج المثلي
يعزو البعض ظاهرة الزواج المثلي إلى تطورّ المُجتمعات والنظرة إلى الزواج. فالزواج شأنه شانّ الكثير من الأفعال الإجتماعية قد تعرَّض لتطورّ عبر العصور بلغ ذروته في السماح بزواج المثليين. والبعض الآخر يرى فيه أنه “يحطم حواجز التمييز التي تقيّد الحقوق والحريات الشخصية، وخصوصاً حرية اختيار شريك الحياة، والذي هو حق أساسي”[10].
جاء في الكتاب المقدس
جاء في الكتاب المقدّس قولُه:”لا تُضاجِع ذكراً مُضاجعة امرأة، فهذا رِجس”(لاو18\22). الكلمة العبرية المُستعملة للإشارة إلى رجاسة اللواط هي “ت و ع ب ه”، ومعناها “عيب”. وهي تعني “الإنحراف والإبتعاد”[11]. وإذا ما أَخذنا بعين الإعتبار ما جاء في سفر التكوين (تك1\27)، من إشارةٍ إلى خلق الإنسان “ذكراً وأُنثى”، يُصبِح المعنى المقصود بالعيب، الإنحراف والإبتعاد عن الإرادة الإلهية التي شاءت، منذ البدء، أن يكون الإتحاد بين الصنفين، الذكر والأُنثى- الرجل والمرأة، صالِحاً وحده، وما خرج عن ذلك “انحراف وابتعاد وعيب”.
مفهوم الإختلاف: ذكراً وأُنثى
يُقِرُّ الوَحي الكتابي بأنَّ الله “خلق الإنسان على صورته ومثالِه، ذكراً وأُنثى خلقهما وقال لذلِك يترك الرجُل اباه وأُمَّه ويَتَّحِدُ بامرأته فيصير الإثنان جسد واحد”(تك1\27). إنَّ صورة الرجل- المرأة (إيش- إيشه)، تقودُ حتماً إلى المُلاحظة بأنَّ التجَنُّس[12] اختلافٌ قصَده الله فِعلاً في الخلق وهو وضع أصلي غير خاضع للتبدلات الثقافيّة والإجتماعية ولا لتطور المُجتمعات. وعليه فإنَ حقيقة الوضع البشري لا تظهرُ على ماهيّتها إلاَّ في هذا الإختلاف المقصود من الله الخالق، حيثُ يختبر الشّخص تَجنُّسه من خلال علاقاته بالبشر وبالخليقة، أي بهذا الآخر المُختلِف عنه كيانيّاً. وفي خضمِّ هذا الإختبار يَعي الشّخصُ تجَنّسَهُ واختلافه عن الآخر، تدريجياً وصولاً إلى اكتمال الرجولة فيه أو الأنوثة، بحيثُ يتعذّر عليه أن يكون الإثنانِ معاً في آنٍ واحد: فالرجُل هو رَجُل بالنسبَةِ إلى المرأة والعكسُ صحيح.
ومن ميزات هذا التجنّس الرغبة في “الآخر -الغير” المختلف، والميل نحوه لِسَدِّ النقص الأنطولوجي، الذي لا يُسَدّ إلاَّ في لِقاء الآخر بصفته مُتَجَنّساً مُختلِفاً. ولا يتحدَّث الكتاب المقدّس عن التجنّس إلاَّ ليؤكد على حقيقة أنّ التمايُز بين الرَجل والمرأة، هو تمايُزٌ مقصودٌ من الله الخالق الذي أعطى المرأة للرّجُل، والرّجُلَ للمرأة ليتّحِدا سويَةَ في تبادل الأنا في الحُبّ، فينموا ويملأا الأرض.
تُعلِّم الكنيسة
استناداً إلى الكتاب المقدّس، تُعلّم الكنيسة أنّ العلاقات الجنسيّة المثليّة هي فسادٍ خطير، وانحرافٍ في حَدِّ ذاتِها، وانتهاكٍ للشريعة الطبيعيَة التي بموجبها يجتمع كُلٌّ من الرَّجُلِ والمرأَة، في سرّ الزواج، على قاعِدة العطاء الجنسي المُتبادَل القائم على الحُبِّ وهِبَة الذات والإنفتاح على الحياة. اللواطية[13] تُغلِق الفعل الجنسي على عطاء الحياة، “وهي لا تتأتّى من تكامُلٍ حقيقيّ في الحبّ والجنس، وبالتالي، لا يُمكن الموافقة عليها في أيِّ حالٍ من الأَحوال”[14].
هل يكفي هذا التعليم ليُزيل المُشكلَة؟ كلا. فالمُشكِلَةُ عميقة، وهي تجمعُ عدداً لا بأسَ بِه من الرجالِ والنساء عبر العالم. ولا تُحصرُ المشكلَة في مُعاناة هؤلاء الأشخاص الجسدية والنفسية وحسب، بل في نظرة المُجتمع إليهم، والتي غالِباً ما تمتزج بالقساوة والإزدراء.
في هذا الصدد، تُدرِك الكنيسة أنّ الكلام حولَ موضوع المثليّة لا يُزيلها من الوجود، ولكنها تؤمن بأنَّ حضارة الصليب تستطيع أن تشفيها. ولهذا فهؤلاء الأشخاص، كما غيرهم، مدعوون بدورهم إلى الطهارة والكمال الإنجيلي الذي يجب أن يَسعوا إليه بعزم، “مُستعينين بفضائل السيطرة على الذات التي تُربّي على الحريّة الداخلية، وأحياناً بمساعدة صداقةٍ نزيهة، وبالصلاة والنعمة الأسرارية”[15].
إن تعليم الكنيسة يُصَوِّب الإصبَع، لا على الشخص كشخص، وإنّما على الحالة، في مُحاولَةٍ منه لوضع الدواء على الداء. فالحالَة، ولا بُدَّ صعبَة، والشّخص، بدون أدنى شكّ يُعاني، ولكنّه مدعوٌّ دعوة الذين لا يُعانون من المُشكلَةِ عينِها، إلى الكمال الإنجيلي الذي يَمنَحُ الشخص القُدرة على السيطرة على الشهوات والرغبات ذات الطابع الجنسي الحَميم، وعلى ضبط النفس عندما يتعلَّق الأمرُ باستعمال جسده، وافتداء هذه الطاقة الجنسيّة المُنحرفة بأعمال المحبّة وبذل الذات في خدمة الإنسانيّة والخير العامّ.
تشريعٌ ونتيجة
أن يُشرَّع اللواط باسم الحرية الشخصيّة، أمرٌ يتنافى مع القاعدتين الطبيعيّة والأخلاقيّة على السواء، ويُلامِسُ حدود الجنون الذي تتميّز به الحضارة الحديثة. وسوف تؤَدي تداعيات إقرار قوانين ملتويَة كهذه، إلى إخراج هذا الموضوع من دائرة المُحَرَّم والممنوع إلى دائرة الطبيعي والمسموح، وعندها ينكسِر الفرق بين الطبيعي واللاطبيعي، فيُطبَّع اللاطبيعي ليلحق بغيره من المسائل الطبيعيّة ذات الصلَة بالإنسان، فيعيش هذا الأخير في زمن انعدام الحقيقة، ليُصبِح شعاره :” كلّ شيءٍ مُمكن وكلُّ شيءٍ مُباح، ولا شيء مُعيب”.
عندما يُشَرَّع اللاطبيعي يخرج من الدائرة الصغيرة ليُصبِح حركةً إجتماعيّة وموضة عامّة. لنأخذ مثلاً على ذلِك قصّة الملائكة ولوط في سدوم في(تك 19\1-11).
“1-جَاءَ الْمَلاكَانِ الَى سَدُومَ مَسَاءً وَكَانَ لُوطٌ جَالِسا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَاهُمَا لُوطٌ قَامَ لِاسْتِقْبَالِهِمَا وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ الَى الارْضِ.
2 وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ مِيلا الَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلا ارْجُلَكُمَا ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». فَقَالا: «لا بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيت».
3 فَالَحَّ عَلَيْهِمَا جِدّا فَمَالا الَيْهِ وَدَخَلا بَيْتَهُ فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرا فَاكَلا.
4 وَقَبْلَمَا اضْطَجَعَا احَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ رِجَالُ سَدُومَ مِنَ الْحَدَثِ الَى الشَّيْخِ كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ اقْصَاهَا.
5 فَنَادُوا لُوطا وَقَالُوا لَهُ: «ايْنَ الرَّجُلانِ اللَّذَانِ دَخَلا الَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ اخْرِجْهُمَا الَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا».
6 فَخَرَجَ الَيْهِمْ لُوطٌ الَى الْبَابِ وَاغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ
7 وَقَالَ: «لا تَفْعَلُوا شَرّا يَا اخْوَتِي.
8 هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلا. اخْرِجُهُمَا الَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَامَّا هَذَانِ الرَّجُلانِ فَلا تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئا لانَّهُمَا قَدْ دَخَلا تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي».
9 فَقَالُوا: «ابْعُدْ الَى هُنَاكَ». ثُمَّ قَالُوا: «جَاءَ هَذَا الانْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْما. الْانَ نَفْعَلُ بِكَ شَرّا اكْثَرَ مِنْهُمَا». فَالَحُّوا عَلَى لُوطٍ جِدّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ
10 فَمَدَّ الرَّجُلانِ ايْدِيَهُمَا وَادْخَلا لُوطا الَيْهِمَا الَى الْبَيْتِ وَاغْلَقَا الْبَابَ.
11 وَامَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِالْعَمَى مِنَ الصَّغِيرِ الَى الْكَبِيرِ فَعَجِزُوا عَنْ انْ يَجِدُوا الْبَابَ”.
بإمكاننا قراءة النصّ من زاوية سيكوإجتماعيّة. فالحدث الذي يتكوّن منه، يُشير إلى حالَةٍ انحرافٍ جَماعيّ، بعضه مرتبط بسيكولوجيا الأفراد، وبعضه الآخر بانحرافٍ اجتماعي مرتبط إلى حدٍّ بعيد، بتسامحٍ أَخلاقيّ أدّى إلى ما أدّى إليه في تلك المدينة.
فبالأستناد إلى النصّ، نَجِد أنّه من غير المُمكن ولا المعقول أن تكون المدينةُ بكامل ذكورها، الصغار والكبار، مُشتهين للذكور، لأسبابٍ محضُ سيكولوجيّة. بالطبع، ليس بإمكاننا التَنَكّر لهذه الأسباب، ولكن، في الوقت نفسه، لا يُمكننا حصر الموضوع فيها وحدها، بل بإمكاننا الحديث عن عوامِل أُخرى إجتماعيّة، شبيهة بتلك التي ينحو نحوها عالم اليوم، أدّت إلى تطبيع هذا الإنحراف، وجعله حركةً إجتماعيّةً لا عيبَ فيها، تُشبِه إلى حدٍّ بعيد، باقي الحركات الإجتماعيّة ذات الشأن والقيمة والرِّفعة والكرامة.
وفي مجالٍ آخر، يتميّز الشّاذون بعنف واضح يعود إلى اضطرابٍ غير مفهوم مرتبط بفترة الطفولة الأولى. يُشير النصّ إلى هذا العنف عندما يتحدّث عن تقدّم الجميع ليكسروا الباب فيحصلوا على الرَّجُلان ويعرفانِهماأ:”أين الرَّجُلان أخرجهما إلينا لِنعرفهما”(تك19\5و9). من المُلاحظ أنَّ القلق والألم اللذان يُرافقان اللواطة ليسا من إنتاج المجتمع، بل من عوامل نفسيّة كثيرة ومتنوّعة. ويكمن العذاب في العجز عن القيام بعلاقةٍ عاطفيّة حميمة مع شخصٍ من جنسٍ آخر. إنَّ عدَم تحمُّل اللواطيّة يجعل البعض منهم يردّون مساوئها إلى الآخرين، فيهاجمون عائلتهم وتربيتهم والمجتمع مع نزعتهم الجنسيّة، ويُحمِّلون مشاكلهم إلى الآخرين، ويُحاولون إفراغها في الحقل الإجتماعي.
خاتمة
إن تشريع اللواطة لا يخدم البشرية بأي شكلٍ من الأشكال، فاللواطة ليست حقّاً من الحقوقِ الطبيعيّة التي يجب على القانون أن يحميها، إذ لا قيمة لها إجتماعياً، ولا يُمكن بالتالي، نقلها كقيمة إلى الأجيال اللاحقة، لأنّه من غير المعقول تربية الأولاد على الإنجذاب الجنسي نحو شخص من الجنس ذاتِه، فمن شأن ذلِك أن يُقوِّضَ أُسُس المجتمع القائم على علاقة الزواج بين رجلٍ وامرأة، ويضَع في دائرة الخطر الشديد، البيئة الإنسانيّة، ما يُنبئ بقيامٍ عالَمٍ مُفَكّكٍ وهشّ سُرعان ما سيزول.
[1] – Albert CAMUS,le mythe de Sisyphe, Essai sur l’absurde, NRF,Gallimard,1942,p.30.
[2] – إضافةً إلى أهدافها الكثيرة التي تسعى من خلالِها إلى حماية المثليين والمثليّات، والثُنائيين والثُنائيّات، ومُتغيّري ومُتغيّرات النوع الإجتماعي، والمتحوّلين والمتحوّلات جنسيّاً، والضغط باتجاه قبولهم في المجتمع مع إمكانيّة الإستفادة من كافّة الخدمات الصحيّة الخاصّة بِهم؛ تسعى جمعيَة “حلم” إلى إلغاء المادة 534 التي تُعاقب المُجامعة الجنسيّة المُخالِفة للطبيعة.
[3] – راجع قاموس le petit larousse وقاموس le petit Robert
[4] – اﻓﺘﺭﺽ ﺭﻴﺘﺸﺎﺭﺩ ﻓﺭﺍﻨﺴﻴﺯ ﺒﻴﺭﺘﻭﻥ ﻭﺠﻭﺩ ﻤﻨﻁﻘﺔ ﺠﻐﺭﺍﻓﻴﺔ ﺘﻨﺘﺸﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﺜﻠﻴﺔ ﻭﺘﺤﻅﻰ ﺒﺎﻟﺘﺴﺎﻤﺢ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﺃﺴﻤﺎﻫﺎ “ﺍﻟﻤﻨﻁﻘـﺔ ﺍﻟﺴـﻭﺘﺎﺩﻴﺔ ” (Sotadic zone)، ﻭﺯﻋﻡ ﺃﻥ ﺍﺘﺠﺎﻩ ﺃﻓﺭﺍﺩ ﺴﻜﺎﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻨﻁﻘﺔ ﻨﺤﻭ ﺍﻟﻤﺜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺃﻜﺜﺭ ﺸﻴﻭﻋﺎ ﻋﻨﻪ ﺒﻴﻥ ﺴﻜﺎﻥ ﺒﻘﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻁﻕ ﺍﻟﺠﻐﺭﺍﻓﻴﺔ. ﻨﺸﺭ ﺒﻴﺭﺘﻭﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻔﺭضية ﻟﻠﻤﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻜﻤﻠﺤﻕ ﻟﺘﺭﺠﻤﺘﻪ ﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﻟﻑ ﻟﻴﻠﺔ ﻭﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ١٨٨٥ﻡ، ﻭﺍﺴﺘﻠﻬﻡ ﻟﻔﻅ ﺍﻟﺴﻭﺘﺎﺩﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﺴﻡ ﺸﺎﻋﺭ ﺇﻏﺭﻴﻘﻲ ﻫﻠﻴﻨﻴﺴﺘﻲ ﻫﻭ ﺴﻭﺘﺎﺩﻴﺱ (راجع فريديريك لا غرانج، ترجمة سهام عبد السلام، النزعات والحياة الجنسيّة ودراسات الهوية الجنسيّة اللانمطيّة، sjoseph.ucdavis.edu.
[5] – راجع المطران(البطريرك) بشارة الراعي، الزواج في مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، تعليم واجتهاد قضائي، منشورات جامعة الحكمة، كليّة القانون الكنسي، 2007، ص ص 76-77، وأيضاً التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، فقرة 2357).
[6] – راجع، طوني أناتريلا،” لِواطة ورَفض التماثُل الجنسي”، في مُعجَم،بالتعابير الملتبِسة والمُتنازَع عليها حول الأسرة والحياة والقضايا الأخلاقيّة، المجلس الحبري للعائلة، منشورات اللجنة الأسقفيّة للعائلة في لبنان، 2007، ص736.
[7] – راجع، مُعجَم، ص 736.
[8] Olivier Bonnewijn, Ethique sexuelle et familiale, Editions de l’Emmanuel, Paris, 2006, p. 135
[9] – راجع الأب فاضل سيداروس، الأنتروبولوجيا المسيحيّة 1، الإنسان على صورة الله، دراسات لاهوتية، دار المشرق، بيروت طبعة أولى 2013، ص ص 123-124.
[10] – وزير العدل الإسباني خوان فرناندو لوبيز أجويلا.
[11] – راجع، “المثلية انحراف كبير”، في المجلّة الكهنوتية، السنة الثانية والأربعون، العدد 2\2013، ص 317.
[12] – يجب التمييز بين “الجنس” sexe، و”الجنسي” sexuel، ولهما مُحتوى تناسلي، وبين “التجنُّس” و”الوضع المُجَنّس” condition sexuee، أي أنّ الإنسان ذكراً أو أُنثى أنتروبولوجيّاً أُنطولوجيّاً(راجع الب فاضل سيداروس اليسوعي، الأنثروبولوجيا المسيحيّة، (1) الإنسان على صورة الله كمثالِه، دار المشرق، بيروت، 2013،ص 117).
[13] – اللواط نسبةً إلى لوط الذي كان يسكن سادوم وعمورة. في اللغة الإنكليزيّة تُدعى العلاقات المثلية sodomy نسبةً إلى سدوم وعمورة المدينة المميزة بشواذ أهلِها وانحرافهم، وهذه التسميّة باعتقادنا أصحّ.
[14] – التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد 2357.
[15] – التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد 2358-2359.
aleteia.org