مرة جديدة، يُرفَع صليب الرب يسوع فوق عدة مناطق عراقية حيث خلّف إرهابيو تنظيم الدولة الإسلامية الموت والدمار لسنوات.
ضمن حملة عسكرية لتحرير منطقة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية، تنتشر فيديوهات لعناصر وهم يستعيدون ديارهم ويرفعون صلباناً خشبية على الكنائس وفي المدن التي أجبروا في أحد الأيام على الهرب منها خوفاً على أرواحهم. “أمّة الصليب” هي العبارة التي استخدمها الإرهابيون الإسلاميون بالإشارة إلى المسيحيين، عندما قطعوا رأس 21 مسيحياً مصرياً في فبراير 2015.
وتفيد تقارير عدة أن الدولة الإسلامية تكنّ كرهاً خاصاً لرمز الصليب الذي يقول كثيرون أنه يشير إلى الدوافع الدينية لأعمالهم. ووفقاً لصحافي يعمل لوكالة عنكاوا للأنباء، قام إرهابيو الدولة الإسلامية خلال أسبوعين بعد احتلال الموصل بإزالة جميع الصلبان عن قبب الكنائس في المدينة. واقتحموا أيضاً منازل المسيحيين المقيمين في الموصل في سبيل تحطيم جميع الصلبان والأيقونات.
بعد سنوات من تحطيم الصلبان في البلدات المسيحية قرب الموصل في العراق، ها هو انتصار رمز يسوع على الموت يعود. فخلال الأسبوع الفائت، نشرت صفحة “هذا هو العراق المسيحي” على موقع فايسبوك فيديو لكاهنين وعناصر من الجيش العراقي وهم يرفعون صليباً مصنوعاً من خشبتين وسلك نحاسي فوق كنيسة الطاهرة في قرقوش، أكبر بلدة مسيحية في العراق.
كنيسة الطاهرة (كنيسة الحبل بلا دنس) هي كنيسة كاثوليكية كلدانية ترقى إلى القرن السابع. أفادت بعض المصادر سنة 2014 إلى أن إرهابيي داعش دمّروا تمثالاً للعذراء مريم خارج هذه الكنيسة. ومنذ ذلك الحين، حُطمت معظم الأيقونات والمقدسات الأخرى الموجودة داخلها، وأُحرقت الكنيسة من الداخل، وكُسرت نوافذها.
ولكن الآن، هناك أمل جديد في عودة المسيحيين الذين أجبروا على مغادرة قرقوش والذين يبلغ عددهم حوالي 50000.
قال الأب قمر، أحد الكاهنين اللذين رفعا الصليب الجديد، لموقع The Daily Beast: “أنا مسرور جداً بإمكانية العودة إلى كنيستنا”. لكن الأمل يختلط بالحزن على دمار عدة كنائس ورموز مسيحية.
قال الكاهن: “من الصعب جداً علينا أن نرى بلدتنا بهذا الشكل. كل شيء متضرر. هل ترى أن جرس الكنيسة مفقود؟ لقد دمروه. لمَ؟ لا أعرف”. ونُشر عبر فرانس 24 فيديو آخر يظهر تحرير برطلة، القرية المسيحية القريبة من الموصل. في بادرة مؤثرة ورمزية، يقوم العناصر لدى عودتهم بصنع صلبان خشبية ورفعها فوق كنيستهم التي كتبت الدولة الإسلامية على جدرانها: “إلهنا أعلى من الصليب”.
وذكر نقيب في الجيش العراقي لـ International Business Times أن المعركة لاستعادة برطلة كانت أصعب من بعض المعارك الأخرى لتحرير بلدات مجاورة، ربما بسبب الأهمية الدينية للبلدة.
وقبل أيام، قُرعت أجراس الكنائس في البلدة للمرة الأولى منذ عامين، منذ احتلالها من قبل الدولة الإسلامية.
الجدير ذكره هو أن اضطهاد المسيحيين برز في العراق منذ انتشار الإرهاب الإسلامي والاجتياح الأميركي سنة 2003، وازداد بشدة مع قيام الدولة الإسلامية سنة 2014. على أثر ذلك، قُتل مئات آلاف المسيحيين أو أجبروا على الهرب من منازلهم، فانخفض عدد السكان المسيحيين – الذي كان حوالي مليون ونصف نسمة سنة 2003 – إلى الثلث، مع بقاء حوالي 500000 مسيحي.
وفي حين أن المعركة لاستعادة الموصل تحرّر القرى المسيحية، إلا أنها تتسبب بخسائر. فقد حذّرت الأمم المتحدة قائلة أن تنظيم داعش يستخدم المدنيين كدروع بشرية في المعركة لاستعادة الموصل، مقدّرة أن المقاتلين أخذوا حتى الآن حوالي 550 عائلة من بلدات صغيرة قريبة من الموصل في محاولة لمنعها من مغادرة المنطقة.
وبحسب وكالة سي إن إن، سبق أن استخدم داعش خلال الأيام الأخيرة 285 رجلاً وفتىً كدروع بشرية، ورماهم في مقبرة جماعية.
من جهته، شدد كارل أندرسون، الفارس الأسمى لفرسان كولومبوس، في تصريح له الأسبوع الفائت على أن تحرير الموصل وسهل نينوى ليس كافياً. فبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُقدم المساعدة لضمان نجاة المجموعات التي كان تنظيم داعش يحاول إبادتها.
لطالما كان فرسان كولومبوس معنيين بشدة في دعم المسيحيين المضطهدين في الشرق الأوسط. وفي وقت سابق من السنة الحالية، أيدت المجموعة الأخوية الكاثوليكية بنجاح وزارة الخارجية للاعتراف بإبادة الأقليات الدينية على يد داعش.
كما وأسس فرسان كولومبوس سنة 2014 صندوق إغاثة اللاجئين المسيحي الذي جمع 10.5 مليون دولار لتأمين الغذاء والملبس والمسكن والتربية والرعاية الطبية للمسيحيين المضطهدين في الشرق الأوسط. وشجعوا أيضاً الصلاة من أجل المضطَهَدين.
قال أندرسون في بيانه: “إن الاحتفالات بمناسبة التحرير المستمر لبلدات نينوى المسيحية تاريخياً، يجب ألا تعتّم على الواقع المتمثل في أن المجموعات الأقلية التي عاشت هناك لأجيال هي الآن مهجّرة ومعرضة لخطر الزوال”.
aleteia.org